الباب السادس
الدعوة الإسلامية والحكام الخونة
المسلمون مكلفون بنشر دينهم فى القارات الخمس . ويجب أن تكون لديهم أجهزة متخصصة تعرف العالم كله : من محمد ؟ ورسالته ؟ ما الذى ينشده للناس كى يسعدوا فى معاشهم ومعادهم ؟
يجب أن تكون تعاليم الإسلام تحت أبصار الناس قاطبة، فمن شاء قبلها، ومن شاء ردها، المهم أن يعرفها على حقيقتها، وأن يزول الجهل بها، وألا يكون الدخان الذى أطلقه أعداؤها حائلاً دون هذا الإدراك الواعى السليم ..
وقد كانت " الخلافة " الكبرى مسئولة عن ذلك، إذ كانت رمزاً للإسلام، وشاخصاً عالمياً يلفت الأنظار إليه، ويذود الأعداء عنه .
ومع أن " الخلافة " عندما تولاها الجنس التركى قد أصبحت شبحاً عليلاً، ومع أن الخلفاء الأتراك كانوا أقرب إلى السلاطين الجبابرة منهم إلى أمراء المؤمنين وحراس اليقين ودعاة الحق وهداة الخلق !! مع ذلك كله فإن وجود الخلافة فيهم كان له أثره فى وحدة المسلمين وتقليل الخسائر النازلة بهم من هنا وهناك .
وحسبنا أن نشير إلى موقف السلطان " عبد الحميد " من فلسطين، فقد ساق إليه اليهود قناطير الذهب ليسمح بوجود يهودى فيها فأبى الرجل إباء قطع كل محاولات الإغراء، وأحبط جميع المؤامرات لشطر العالم الإسلامى بهذا العنصر الغريب ..
ولما كان لوجود " الخلافة " من آثار مادية وأدبية بعيدة المدى فقد كان هم العالم الصليبى أن يجهز عليها، وقد استطاع أن يبلغ غرضه بعد الحرب العالمية الأولى مستغلاً أطماع القائد التركى " مصطفى كمال " الذى باع الإسلام والمسلمين من أجل البقاء رئيساً للدولة التركية الجديدة !!
الذئب الأغبر
إن الشروط الأربعة التى عرضها " الحلفاء " المنتصرون عليه هى أن يقطع صلة تركيا بالعالم الإسلامى وبالعرب خاصة، وأن يلغى نظام الخلافة، وأن يحكم الشعب بدستور تقدمى مبتوت الصلة بالدين .
وفى سبيل الزعامة رضى القائد الخائن بهذه الشروط، وألبسته أوربا حلل المجد، ولو أنه بقى على دينه وبقيت الأمة على دينها لتقلص الاحتلال الصليبى فى الأناضول قبل أن يتقلص فى مصر والشام والجزائر والمغرب !! فقد كانت مقاومة الأتراك له أشد وأقسى ..
ولكى تعرف من هو " مصطفى كمال " الحقيقى إليك بهذه الفذلكة الموجزة عنه : قال عنه " آرمسترونج " فى كتابه " الذئب الأغبر " :
ـ إنه كان بفطرته ثائراً لا يحترم ديناً أو إنساناً أو وضعاً من الأوضاع، ولا يقدس شيئاً على الإطلاق .
ـ وقال عنه أيضاً : إن الغازى لن يقود تركيا إلى حماقة من تلك الحماقات، أو ينصب نفسه بطلاً للشرق معادياً للغرب، وللإسلام ضد المسيحية، أو للأجناس المضطهدة ضد مضطهديها، ولكنه لن يكون إلا كما حدد برنامجه بقوله " ليس لنا إلا مبدأ واحد : هو أن ننظر إلى جميع المشكلات بالعين التركية ونصون مصالح تركيا " .
ـ ونقل عنه قوله لممثل حكومة فرنسا : " تستطيعون أن تنالوا سوريا وبلاد العرب، ولكن كفوا أيديكم عن تركيا، نحن نطالب بحق كل شعب فى الحرية داخل حدود بلادنا الطبيعية، ولا نبغى شبراً واحداً أكثر من ذلك ولا أقل " .
ـ ونقل عنه قوله فى الجمعية الوطنية التركية : " أنا لست مؤمناً بعصبة من جميع الدول الإسلامية ولا حتى بعصبة من الشعوب التركية " .
ـ وقال عنه أيضاً إنه طالما أوضح لأصدقائه أنه يرى وجوب اقتلاع الدين من تركيا !!
لندع هذه الذكريات الحزينة ولنخلص إلى ما نريد .. إن الدعوة إلى الإسلام قد سقط لواؤها العالمى، وكانت شعوب كثيرة يمكن أن تدخل فيه، ولكن من لها بالدعاة ؟ ومن الذى يهتم بذلك ؟
الإسلام فى كوريا
نشرت جريدة الأخبار تحت عنوان " مسئول كورى يشرح لماذا لم ينتشر الإسلام فى كوريا ؟ " قالت :
" المسلم الذى يزور كوريا الجنوبية لاحظ مدى اهتمام حكومتها بتشجيع الأديان، فليس هناك أى قيد على أى مواطن يريد أن يعتنق ديناً آمن به أو يتبع مذهباً ارتضاه " .
هناك نشاط كاثوليكى كبير إذ توجد 350 كنيسة، كما أنه توجد مستشفيات، وملاعب رياضية، وجامعات مسيحية فى أنحاء كوريا الجنوبية التى يدين معظم سكانها بالبوذية .
أما النشاط الإسلامى فقد اقتصر حتى الآن على 4000 مواطن فقط ـ ليس لهم ما يجمع شتاتهم ـ فما سر هذه الظاهرة ؟
يجيب مسئول حكومى : إن الفرصة سانحة لانتشار الإسلام فى كوريا الجنوبية لأسباب كثيرة .
منها أن الرئيس الحالى " بارك سنج هى " ينادى بالحرية الدينية، وعلى من يهمهم نشر الإسلام أن يتحركوا بسرعة منتهزين سماحة هذا الرئيس، فقد يتغير ويجىء بعده رئيس جديد للجمهورية تكون له وجهة نظر أخرى فتضيع الفرصة على المسلمين .
ثم إن الكوريين الجنوبيين يؤمنون منذ القدم " بهنانيم " وهى كلمة معناها : الإله الواحد الذى لا شريك له، ومن ثم فإن الدعاة إلى الإسلام لن يجدوا أية صعوبة فى نشر عقيدتهم بين الكوريين .
والكورى الجنوبى لا يميل إلى الإلحاد وهو يمقت الشيوعية، ويرفض النزعات المادية المجردة، إنه يؤمن بالروح والعقل، بالدين الصحيح، والإسلام يملأ العقل بمبادئه ويتفق مع الفكر والزمان والتطور ـ هكذا يقول المسئول الكورى ـ وتسأل المسلمين فى كوريا عن أسباب عدم انتشار الإسلام فى أرض فتحت قلبها لكل الأديان ؟
فتسمع من يقول : ليست لدينا إمكانات مادية كافية، نريد مسجداً كبيراً فى العاصمة " سيول، والأرض غالية الثمن !!
لكن رئيس الجمهورية حل هذه المشكلة، فأهدى إلى المسلمين قطعة أرض يبنون عليها مسجدهم، وإلى الآن لم يجتمع لدى المسلمين المال الذى يبنون عليه مسجدهم الكبير !!
والمنح الدراسية التى تصل إلى كوريا من الدول الإسلامية قليلة جداً . ويكفى أن تعلم أن عدد الكوريين الذين أرسلوا إلى الدول الإسلامية خلال عشر سنوات 29 طالباً .. !! " .
هذه بيئة كاملة الصلاحية لازدهار الإسلام .
لو وجدت دعاة مدربين لدخل أهلوها فى دين الله أفواجاً .
لكن الإسلام دين يتيم ! من يهتم به على الصعيد العالمى .
إن المنتسبين إليه يخضعون لحكومات تضيق به، أو تأبى الانتساب إليه أو تعجز عن إسداء خدمة له، وهم أولى الناس بما قال الله فى بنى إسرائيل : " وقطعناهم فى الأرض أمماً : منهم الصالحون ومنهم دون ذلك " ( الأعراف 168 ) .
فى المجال الإنسانى الرحب ليست للإسلام راية تحتشد حولها الجهود وتهوى إليها الأفئدة .
ومن هنا فنحن نقول آسفين : إن الدعاية الإسلامية العالمية صفر ..
فلنتواضع ولنرجع إلى داخل العالم الإسلامى لنرى ما هنالك ..
إن الغازى الهمام " مصطفى كمال " ليس أول حاكم ارتد عن الإسلام جرياً وراء الحكم، ففى أثناء الحروب الصليبية الأولى كفر حكام ليبقوا ملوكاً أو رؤساء كفروا وتعاونوا مع الغزاة فى ضرب الإسلام وأمته .
قال الأستاذ " علال الفاسى " : بعد ضياع الأندلس تطلع الأسبان المسيحيون لاحتلال المغرب . وانتهز ملك قشتالة " فرديناد " الثالث أن " إدريس أبو العلا المأمون " طلب مساعدته على استعادة ملكه فى المغرب، فأمده بجيش من اثنى عشر ألف جندى مسيحى، وذلك مقابل الشروط الآتية التى التزم بها المأمون :
( 1 ) أن يعطى المأمون لفرديناد قواعد يختارها ملك قشتالة .
( 2 ) إذا فتح المأمون مدينة مراكش وجب عليه بناء كنيسة للمسيحيين .
( 3 ) للجنود الأسبان حق المجاهرة بشعائر دينهم، وأن يضربوا النواقيس لمناداة المصلين معهم .
( 4 ) ( إذا ) أراد بعض المسيحيين أن يسلم لا يسمح له بذلك ويتم تسليمه إلى النصارى كى يطبقوا عليه أحكامهم .
( 5 ) وإذا أراد بعض المسلمين أن يتنصر لم يتعرض له أحد !!
هذه الحادثة التاريخية تبين كيف أن تهافت بعض الرؤساء على السلطة جعلهم يقبلون مثل هذا الشروط ..
على أن هذا " المأمون " قضى عليه آخر الأمر، وأمكن طرد الجنود النصارى الذين استجلبهم، فلم ير فى المغرب بعد ذلك مسيحى .
وما لنا ننبش الماضى البعيد لتفوح منه هذه الروائح العفنة ؟
فلننظر إلى حاضرنا وما يحفه من أخطار جسام .
إن الثقافة الإسلامية تنكمش والثقافات الدخيلة تمتد .
والأنماط الإسلامية فى الحياة تتزعزع وتتلاشى، والأنماط الأجنبية تفرض نفسها وتستقر .
والدعوة الإسلامية قد تعنى نصح منحرف من سواد الناس أو توصيته بالصلاة والزكاة، فإذا تطلعت إلى ما هو أبعد من ذلك لقيت العنت والتجهم !
وقد أمر بعض الكبراء بنزع مكبرات الصوت فى المساجد المجاورة له حتى لا يسمع الأذان وقت الفجر !
وواضح أن سائر الملل والنحل اتفقت على تكوين جبهة معادية للإسلام، فالكنائس الغربية والحكومات المسيحية ساندت إسرائيل ضد العرب المسلمين، والشيوعية والوثنية الهندوكية تعاونتا على سحق باكستان المسلمة، بينما وقفت الولايات المتحدة حليفتها السياسية ترمق المنظر متسلية .
وفى مصر قلب العالم الإسلامى تتسابق النشرات الشيوعية والصليبية على خداع القراء وسرقة عقائدهم .
وليت الأمر صراع كتابات، وحوار مجالس، إذن لخرج الإسلام من هذه الساحات كلها منتصراً .
إن الحرية هى الصديق الأول لديننا، وعندما ينهض الحكم فى بلادنا على أساس الرضا الشعبى والتجاوب مع إرادة الجماهير، فلن يكون إلحاد ولا انحراف، سيكون الحكم إسلامياً حتمياً فتلك رغبة الكثرة الساحقة من أفراد الأمة .
أتظن أن الغازى " مصطفى كمال " مثلاً لو عرض نفسه على الشعب التركى كان يظفر بـ ( 1 % ) من أصوات الناخبين ؟ إنه سوف يخرج من أى انتخابات حرة يجر أذيال الفشل ..
إن الحكم الفردى المستبد هو وحده الذى يقهر الإسلام ويذل أمته، وقد عرفت أمريكا وروسيا ذلك فقررتا إحداث انقلابات عسكرية فى أرجاء العالم الإسلامى المترامى الأطراف .
وعن هذا الطريق لا غير يمكن لي عنان الجماهير، وتجريعها الصاب والعلقم .
والمضحك المبكى أن ذلك سيتم باسم الشعب نفسه، وقد سمى مصطفى كمال " أتاتورك " أى أبا الشعب، وهو فى خبيئته وعلانيته عدو الترك وكذلك أشباههم من الحاكمين المستبدين ..
أندونيسيا المسلمة
ولنضرب مثلاً من " أندونيسيا " المسلمة الحائرة التى بلغ سكانها الآن نحو " 120 " مليوناً، تسعة أعشارهم مسلمون، إنها فى ظل الاستعمار الهولندى تعرضت لحركة تنصير واسعة النطاق، إذ عزلت عن العالم الإسلامى، ومنعت الكتب الإسلامية إلا ما كان تافهاً قليل الغناء، بل إن الشعب الأندونيسى عزل بعضه عن بعض حتى يستطيع المبشرون افتراس كل جزء على حدة ..
وقاوم المسلمون ببسالة هذا البلاء المبين، وأمكنهم أن يظفروا آخر الشوط بحريتهم فاستقلت أندونيسيا سياسياً، وقام فيها نظام نيابى ظفر فيه حزب " ماشومى " المسلم بكثرة الأصوات، وتألفت حكومة إسلامية يرأسها السيد " محمد ناصر " ..
هل يترك الاستعمار العالمى مستقبل أندونيسيا المسلمة يتقرر على هذا النحو ؟
كلا، لقد بحث عن شخص يستطيع تقليب الأمور، وتعكير الصفو، ووجد ضالته المنشودة فى " سوكارنو "، وهو رجل معروف بانحراف العقيدة، وسيطرة الغرائز البهيمية على حياته، وقد بدأ " سوكارنو " يعمل .
قال الأستاذ " علال الفاسى " : " إن دسائس الهند وهولندا زودت سوكارنو وأنصاره بأموال ضخمة فى الانتخابات الثانية، فأصبح الحزب الوطنى الذى يرأسه صاحب الأغلبية، وانكشف سلوك سوكارنو مما حمل المسلمين المخلصين والاشتراكيين على الثورة والمناداة بحكم إسلامى سليم والتغلب على حزب " ماشومى " الإسلامى، قام سوكارنو بعقد اتفاق مع حكومة الصين الشعبية يقضى بأن يتجنس الصينيون المقيمون بأندونيسيا ـ وهم عدة ملايين ـ بالجنسية الأندونيسية، وأن يشدوا أزر الحزب الشيوعى فى البلاد، فأصبح بذلك القوة السياسية الثالثة بعد الحزبين الوطنى والإسلامى !
وهكذا تحالف سوكارنو مع الشيوعيين، ثم شرع يضيق الخناق على النشاط الإسلامى باسم المحافظة على الأمن وإقرار النظام .. " .
ويلعب الإغراء بعقول الشيوعيين، وأملى لهم سوكارنو الذى صرح أحياناً بأنه ماركسى، فحاولوا الانفراد بالحكم إثر مذبحة أوقعوها بالفئات الإسلامية ذهب ضحاياها عشرات الألوف .
بيد أن الجيش تدخل مؤيداً الطلاب المكافحين والمجاهدين المسلمين فدحر الشيوعيين وقضى عليهم قضاء مبرماً.
قال الأستاذ " علال " : " وكان الواجب يقضى برد الأمر إلى الشعب ليختار حكومته ونوابه " .
لكن ذلك لم يحدث فقد تولى الجنرال سوهارتو السلطة وحكم البلاد بطريقة ترضى أمريكا، فولت الشيوعية الأدبار لتحل محلها الصليبية الزاحفة .
ويقول تقرير وصل إلى " رابطة العالم الإسلامى " : إن حملة التنصير اليوم أشد وأقوى فى أندونيسيا مما كانت عليه أيام الحكم الهولندى، والتنافس شديد بين البروتستانت والكاثوليك على تحقيق هذا الهدف ..
وقد شرحنا فى كتابنا " دفاع عن العقيدة والشريعة " الخطة الزمانية الموضوعة لذلك، والتى أرصد لها " بابا روما " وحده " كاردينالاً " وواحداً وعشرين أسقفاً وجيشاً كثيفاً من القساوسة .
كل ذلك يعمل فى ظل حكم عسكرى قاهر يجور على المسلمين ويجبن أمام الغزاة والمستعمرين .
والطريف أن " سوكارنو " قدم إلى مصر، فاستقبل أعظم استقبال وطلب الرئيس جمال عبد الناصر من الأزهر الشريف منحه أعلى شهاداته العلمية، فمنح " العالمية " الفخرية فى العقيدة والفلسفة من كلية أصول الدين !!!
ولا أدرى لماذا لم يمنح العالمية فى تفسير القرآن وشرح السنة تمشياً مع القول النبوى الكريم : " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " ؟!
إن سوكارنو كان من ألد أعداء الإسلام، وكانت انحرافاته الجنسية الطافحة موضع القيل والقال، ولا ريب أن إعطائه أى وسام من الأزهر كان تحقيراً للأزهر نفسه !!
والحق إنى حائر فى فهم جمال عبد الناصر، لقد كنت كما يعلم الناس من جماعة الإخوان المسلمين، وأقرر أن جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين بايعا فى ليلة واحدة على نصرة الإسلام ورفع لوائه، وقد كنت قريباً من مشهد مثير وقف فيه جمال عبد الناصر أمام قبر حسن البنا يقول :
" نحن على العهد وسنستأنف المسيرة " ..
كان ذلك عقب قيام الثورة بأشهر قلائل .
وقد وضع كتاب مسلمون كبار مقدمات للرسائل التى كانت تصدر تحت عنوان " اخترنا لك " أمضاها جمال عبد الناصر وفيها أشرف ما يؤكده زعيم مسلم نحو أمته ودينه .
لا أدرى ما حدث بعد ذلك ..
إنه تغير رهيب فى فكر الرجل وسيرته جعله فى كل نزاع بين الإسلام وطرف آخر ينضم إلى الطرف الآخر :
ـ انضم إلى الهند فى خصومتها المرة ضد باكستان المسلمة .
ـ انضم إلى الحبشة فى عدوانها الصارخ على أرتريا .
ـ انضم إلى تنجانيقا وأغضى عن المذبحة الشنعاء التى أوقعتها بشعب زنجبار المسلم، ورحب آخر ترحيب بنبربرى الذى يتظاهر بالاشتراكية وهو قسيس كاثوليكى !!
ـ انضم إلى القبارصة اليونان فى نزاعهم مع القبارصة المسلمين، وجعل الأزهر يستقبل مكاريوس عدو الكيان الإسلامى للأتراك .
ـ كان أسداً هصوراً فى قتال اليمن، وحملاً وديعاً فى قتال اليهود، حتى جعل اليهود ـ وهم أحقر
مقاتلين فى العالم ـ يزعمون أنهم لا يقهرون فى حرب !!
سريع إلى ابن العم يلطم خده
وليس إلى داعى الندى بسريع !
ـ ولقد ساند " البعث العربى " الحاقد على الإسلام، ورفض مساندة أى تجمع إسلامى، واخترع حكاية القومية العربية لتكون بديلاً عن العقيدة الإسلامية .. !!
ومن الإنصاف أن نقول إن عدداً من رجال الثورة لم يكونوا راضين عن هذا الاتجاه الخاطئ .
وعندما تولى الرئيس " أنور السادات " الحكم كشف عن الوجه الحقيقى لمصر المسلمة، ودفع سياسة البلاد إلى طريق أرشد، وقضى على مراكز القوة التى كانت تريد السير بمصر بعيداً عن الإسلام .
لكن استنقاذ مصر مما ألم بها فى الماضى يحتاج إلى جهود مضاعفة خصوصاً بعد أن تحركت تيارات عديدة مناوئة للإسلام وظفرت بمكاسب ذات بال .
لقد أكدنا فى مواطن شتى أن مصر الإسلامية لا تتعصب لدين، ولا تتعصب ضد دين، وأنا أعلن أن الأمة الإسلامية تستطيع استيعاب يهود العالم أجمعين بين ظهرانيها كافلة لهم حرية مطلقة فى البقاء على عقائدهم وأداء شعائرهم، على أن يكونوا بداهة مواطنين مسالمين ينفعون ولا يضرون، فهل يقبل اليهود ذلك ؟
لا، إنهم وثبوا على فلسطين ولهم غرض هائل، استقوه من تعاليم دينية محرفة، يعبر عنه " مناحم بيجن " السفاح الشهير بقوله :
" مهمتنا سحق الحضارة الإسلامية وإحلال الحضارة العبرية محلها، والمهمة شاقة " ..
سماسرة الفاتيكان
فى أثناء هذا الهجوم المطالب بدمنا وديننا نباغت بموقف شاذ خائن للكنائس الغربية، تعلن فيه صلحاً جذرياً مع اليهود، يقوم على تبرئتهم من صلب المسيح، برغم ما تقرره الأناجيل التى بأيدى القوم ..
ونحن نعلم أن المسيح لم يصلبه يهودى ولا وثنى، ولكن إذا كانت الكنيسة تشهد بغير ذلك، وتنسب إلى اليهود ـ حسب روايات أناجيلها ـ أنهم متهمون خبثاء، وقتلة لؤماء، فما سر هذا الصلح المباغت ؟
إنه اتفاق علينا وشد لأزر القتلة وهم يخربون ديارنا، ويمحون تاريخنا، وما نستطيع تجاهل هذا الاتفاق، ولا الإغضاء عن آثاره ونتائجه فى أكثر من ميدان، إنه جهد من سلسلة جهود متصلة لإساءة الإسلام وإهانة أمته .
يقول الأستاذ " علال الفاسى " : وقف البابا دائماً من الاستعمار موقف المؤيد، وقد كانت بعض حكومات المغرب قد أملت خيراً فى بعض الباباوات عساهم يؤثرون على الدول الخاضعة لنفوذهم الروحى فيخففون من حملاتهم العدائية، وهيهات .
قال : وأنا أحكى قصتين وقعتا لى ونحن فى أشد المواقف، أيام جهادنا لتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسى ..
ـ الأولى : توجهنا باسم حزب الاستقلال أنا وصديقى المجاهد " عبد الرحمن انجامى " إلى أمريكا الجنوبية لنتصل بشعوبها وحكوماتها شارحين قضيتنا راجين أن تصوت هذه الدول لمصلحتنا فى المحافل الدولية، فكان يتبعنا حيث اتجهنا ـ تارة يسبقنا وتارة يلحقنا ـ الوزير الفرنسى " بول رينو " مبعوثاً من قبل حكومته، كما كان يتبعنا قسيس لبنانى مبعوثاً من طرف الكنيسة !
وعلمنا أن إرساله تم بطلب من فرنسا وموافقة من البابا، وقد قاما بجهود كبيرة ضدنا، ومع ذلك فقد انتصرت دعوتنا والحمد لله، وحصلنا على تأييد إخواننا العرب، وصوتت معنا كل الدول التى زرناها كالبرازيل والأرجنتين والشيلى .. وغيرها .
ـ الثانية : دخلت سنة 1952 مستشفى " الأميرة فريال " لإجراء جراحة بالكلية اليسرى، وكنت أشكو من وجود أحجار بها، وبلغنى وأنا فى انتظار العملية نبأ اعتقال الفرنسيين للشيخ " عبد الواحد بن عبد الله " من علماء " الرباط " وكان يدعو فى دروسه إلى تقدير التضحية والاستبسال فى نصرة الحق، وتساءل لماذا يضيق الفرنسيون بكفاحنا لتحرير بلادنا، ويعدون ذلك جرماً وهم يقدسون السيدة " جان دارك " لأنها بذلت وسعها فى سبيل
وطنها ؟ أليست لديهم مثالاً يحتذى ؟
ولم يعجب هذا الكلام إدارة الحماية الفرنسية فقررت اعتقاله .. ووافق الاعتقال أن بعض الناس كان يدعو للتقارب بين المسيحية والإسلام، فكتبت رسالة للبابا بيوس الثانى عشر منبهاً إلى ما حدث، ومذكراً بأن عالماً مسلماً لديه هذا التفتح الفكرى لا يسوغ أن يلقى هذا المسلك، وأنه لن يعقب هذا إلا توسيع شقة الخلاف بين مسلمى المغرب والنصارى المقيمين فيه !
وزارنى بعد تحرير الرسالة الأستاذ " ماسينيون " المعروف بتدينه وإخلاصه الشديد لمسيحيته، فأنعم النظر فيها ثم قال لى : هل أنت مخلص فيما تبديه من رغبة التقريب بين المسلمين والمسيحيين، على أساس القيم الأخلاقية المشتركة بين الدينين ؟
قلت : نعم أيها السيد الجليل، ولو لم أكن مخلصاً ما كتبت هذه الرسالة فى وقت أتهيأ فيه لجراحة خطيرة قد ألقى فيها ربى، وأنا أتطلع إلى عفوه . قال : ثق أن البابا لن يستجيب لك ولا لغيرك لأنه يأخذ المال من الصهاينة . ولما رآنى استغربت قوله، قال لى : يا سيد علال لا تستغرب، وما يفعله البابا لا يجعلنى أتخلى عن مسيحيتى، كما أن قولى هذا لا يخرجنى عن دينى الذى تعلم مقدار تمسكى به .
وقد صدق " ماسينيون "، فإن البابا لم يكلف نفسه عناء الرد على رسالتى .. " وماسينيون " مستشرق كبير، وكان عضواً فى مجمع اللغة العربية، وكان فيما أعلم مستشاراً لوزارة المستعمرات الفرنسية، وهو شديد التعصب للنصرانية .
والبابا الذى تحدث عنه " ماسينيون " غير البابا الذى أصدر الوثيقة الشهيرة بتبرئة اليهود .
ترى كم أخذ الأخير ؟
المهم أن النصرانية فى الغرب اتفقت مع اليهودية على ضرب الإسلام، وأنها تحاول جر النصرانية فى الشرق إلى موقف مشابه، فهل ستجد لها عوناً على هذا العرض الخسيس ؟؟
ما الذى دفع القسيس اللبنانى إلى عرقلة تحرير المغرب والجرى فى ركاب المستعمرين والسفر إلى الدول الأمريكية الجنوبية لإقناعها بالتصويت ضد استقلال بلد عربى مظلوم ؟
ـ نحن نطلب من النصارى الذين يحيون فى ربوع العالم الإسلامى أن تقر أعينهم بالحرية الدينية المتاحة لهم دون مَنٍ ولا أذى .
ـ ونطلب منهم أن يرعوا حقوق المواطنة وحرمات الجوار وقرابة الجنس واللغة وأعباء المشاركة الكريمة فى بناء حضارة لا حقد فيها ولا دس ولا تربص فيها ولا شماتة ..
ـ ونطلب منهم أن يصموا آذانهم عن نداءات الغدر والتشفى إذا ما ألمت بالمسلمين ملمة .
إنهم إن بطروا معيشتهم لم يفلتوا من عدالة السماء " وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين " ( القصص : 58 )
ـ أما أن يروا مسجداً يبنى فيحاولوا أن تكون أبراج الكنايس أعلى من مئذنته !! فهذه محاولة منكورة .
ـ أما أن تكفيهم لأداء العبادة كنيسة واحدة فيبنوا مثنى وثلاث ورباع فذلك ما لا مساغ له ..
ـ أما أن يروا التبشير الأجنبى قد تعاون مع الاستعمار العالمى على تضليل المسلمين وإزاغة قلوبهم فيشاركوا هم أيضاً فى حرب المنشورات وفتنة السذج فتلكم خيانة ربما كانت تمهيداً لمثل ما فعله المعلم " يعقوب حنا " الذى خان مصر وانضم إلى الغزاة الفرنسيين !!
لقد انتهز الفاتيكان فرصة هزيمة سنة 1967 فأرسل سماسرته ليشتروا الأرض من العرب المحرجين فى مدينة القدس، وهذا تصرف محقور .
ونحن نعلم أن شوارع بأسرها تكاد تشترى فى مدن مصر وقراها لينكمش الإسلام فوق تربتها، ويتحول المسلمون عليها غرباء، فلم ذلك ولحساب من ؟
إن حرب شراء الأراضى واحتكار المبانى بدأت فعلاً، ولكى نبصر المسلمين بنتائجها نذكر لهم قصة " قبرص " كما ذكرنا فى كتابنا " مع الله " وقصة سنغافورة التى كانت فيما مضى (!) مسلمة السكان والحكم، وأمست الآن لا صلة لها بالإسلام !!
قبرص
فتحت قبرص فى المد الإسلامى الأول على عهد الخلافة الراشدة، فتحها معاوية بن أبى سفيان حين كان والياً على الشام، وكانت شئونها الإدارية تتبع إحدى المحافظات السورية لموقعها شرقى البحر المتوسط .
ومذ دخلها العرب ونشأ فيها الإسلام لم تتغير أوضاعها المعنوية ولا الإدارية، فقد أصبحت بلداً مسلماً منذ أربعة عشر قرناً .
وبعد انتهاء الخلافة العربية ورثت الخلافة التركية قبرص فيما ورثت من ديار الإسلام الشاسعة، إلا أن الترك فى القرن التاسع عشر كانوا يترنحون تحت الفساد السياسى الذى نخر كيانهم والضغط الصليبى الذى قطع أوصالهم، فوثبت إنجلترا ـ أم الخبائث فى ميدان الاستعمار ـ على قبرص، وجعلتها قاعدة عسكرية لها بعدما أبرمت اتفاقاً مع العثمانيين بردها إليهم عندما تستغنى عنها (!)
وبدأ الإنجليز يستقدمون العمال اليونانيين بكثرة ليخدموا فى القاعدة العسكرية، ثم بدأوا يغرونهم بالتوطن فى الجزيرة .
فما هى إلا سنوات حتى كثر عددهم، وزاحموا المسلمين مزاحمة شديدة سواء كانوا تركاً أو عرباً فأخذ الميزان السكانى يتذبذب، ثم أصبح ربع السكان من المسلمين الأتراك،والثلاثة أرباع من اليونانيين المسيحيين ..
وما أن شعر المسيحيون بتفوقهم العددى حتى طلبوا الاستقلال تمهيداً للانضمام إلى اليونان، ولم تكن الجزيرة يوماً تابعة لليونان .
وكان جزع المسلمين شديداً لأن هناك مسلمين يونانيين فى إقليم " قولة " وما جاوره ذوبهم الاضطهاد والإذلال، وأخذوا فى الانقراض دون ضجة !
ومن هنا طلب المسلمون أن تقسم الجزيرة بينهم وبين اليونانيين الوافدين، ولكن يرضى القتيل وليس يرضى القاتل، فإن السيد مكاريوس يريد فرض نفسه بوصفه صاحب الجزيرة .
والمهم أن جمال عبد الناصر أيده كما نشرنا آنفاً، وأوعز إلى شيوخ الأزهر أن يقدموا له التحيات المباركات ..
ولا أدرى كيف يقع هذا، ولكن الذى أدريه أن زعيم القومية العربية استبعد من علماء الأزهر أن
يقولوا : لا ..
وجعل على قمة المعهد اليائس من تعفنت ضمائرهم من طول البلى .
وهكذا يموت الإسلام، وتنهزم قضاياه .
العقيد الناصرى
قلت لأحد قدامى الإخوان : ما رأيك فى العقيد القذافى ؟ [ نؤثر أن يعرفه القراء بـ " العقيد الناصرى " ]
قال : نتمنى له التوفيق فى خدمته للإسلام، لقد جمع من خبراء الفقه والقانون من يعاونون على إعادة الشريعة الإسلامية إلى الحياة، وهذا سعى مشكور، وقد حسبته أول ما قام بثورته من جماعة الإخوان، لأنه تبنى أفكارهم ومبادئهم، ما انتقص منها ولا زاد عليها، ولما تناول الإخوان بالسوء قلت : لعلها تقية حتى يتركه الخصوم ـ خصوم الإسلام ـ يمضى فى طريقه دون اتهام ولا تعويق ..
فرددت على هذا الأخ القديم : وهل لا زلت على رأيك الأول ؟ وهو يتهم جماعتكم بالتعاون مع الاستعمار، ويعتقل فى أنحاء ليبيا من يظن بهم الانتماء إلى الجماعة ؟
قال : إننى فى حيرة، وما أحسبنى كنت واهماً عندما عددته من الجماعة، إنه ليس فقيهاً إسلامياً ولا مفكراً إنسانياً يمكن وصفه بأنه أتى من عند نفسه بما أتى به . إنه يردد كل ما كتبه الإخوان من نظرات اقتصادية وسياسية للشريعة الإسلامية .. وأنت خبير بأن ما نشر فى أرجاء العالم الإسلامى والعربى من هذه الكتابات هو لمؤلفى الإخوان أو لأصدقائهم العاملين معهم فى هذا الحقل، والمتعرضين معهم للاضطهاد والبلاء .. لقد تبناه العقيد القذافى بما فيه من خطأ أو صواب !!
قلت : أى خطأ ؟
قال : إنك أصدرت فى أوائل الأربعينات عدة كتب فى هذا الموضوع، ثم نشر الأستاذ " سيد قطب " رحمه الله فى أواخر الأربعينات كتاب " العدالة الاجتماعية "، ثم نشر الأستاذ " مصطفى السباعى " كتابه " اشتراكية الإسلام " فى أوائل الخمسينات، وفى هذه الغضون تمت ترجمة رسائل الأستاذ " أبى الأعلى المودودى "، وقد خلطتم الإسلام بالاشتراكية على نحو لا يرضى أعداداً من المسلمين !!
قلت : إننا أرينا الأجيال الناشئة من ديننا ما يغنى عن استيراد الفلسفات الأجنبية الشاردة، وأنا شخصيا قد أكون تجوزت فى بعض العبارات لكن جوهر الموضوع إنصاف رائع لديننا الحنيف .
قال : على أية حال، فمن هذه الكتابات كلها نقل " القذافى " ما أسماه بالنظرية الثالثة، وهى تسمية نرفضها ولو سلمنا بها فإن السؤال المحير هو : لماذا يستمد من الإخوان ثم يهاجمهم ؟
واستأنف محدثى الكلام : إن الإخوان حاربوا ألوان الاستعمار جميعاً من قبل أن يولد الزعيم الشاب .. حاربوا اليهود سنة 1948 وردوهم على أعقابهم بعدما وصلوا العريش وكادوا يحتلون أجزاء من مصر، حاربوا الإنجليز على شواطئ القناة، وزلزلوا أقدامهم ونسفوا معسكراتهم، وأرغموهم على التفكير الجاد فى الجلاء نجاة بأنفسهم .. حاربوا الماركسية والإلحاد بعدما غمر الجامعات، واستحدثوا تياراً من الإيمان والاستعفاف جدد القيم فى المجتمع المصرى، وألقى الرعب فى صفوف أعداء الحق .
ثم قال صاحبى فى حماس : إن اصطياد التهم للجماعة على هذا النحو الشائن لا يمكن أن يكون إلا لحساب الاستعمار، حتى لا يتكون جيل من المؤمنين الأحرار يقاوم الصهيونية، ويحمى الأمة المحروبة تيارات التخريب النفسى والخلقى ..
قلت : ولعله عدم إلمام بالتاريخ القريب، أو لعل إشاعات سبقت إلى فكر الرجل من أناس خدع بهم فصدق دعواهم .. !!
رأيى أن العقيد القذافى يمكن أن يتفاهم معه، وأن يراجع نفسه فى بعض الأحكام ..
لقد استمعت إلى المحاضرة التى ألقاها فى مقر " اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى " بالقاهرة، والتى خلص منها إلى أن المسيحى رجل يعبد الله على طريقة عيسى بن مريم، فهو بذلك مسلم لأن أتباع عيسى مسلمون بنص القرآن الكريم .
أما أن أصحاب عيسى الأوائل مسلمون، عبدوا الله الواحد، وصدقوا رسوله عيسى فهذا ما أجمع المسلمون عليه ..
وأما الزعم بأن الذين عبدوا عيسى نفسه مسلمون، فهذا ما لم يقله أحد ! فإن الخصومة بيننا وبين النصارى أنهم لا يتبعون عيسى، عبد الله ونبيه إلى بنى إسرائيل، لا يتبعون الإنسان الذى قال : " إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم " .
إنهم يتبعون شيئاً اسمه ابن الله الوحيد، الذى ضحى به على الصليب قرباناً لتكفير الخطايا، وهو الرب يسوع المسيح، فهل هذا إسلام ؟
لقد وصف الإسلام هذا القول بالكفر " وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين " (الزخرف:15)
وليس يعطى كلام العقيد القذافى أية وجاهة أن مجلس قيادة الثورة أقره وتبناه !!
أخشى أن يطرد القياس ويقال : إن اليهودى إنسان مسلم يعبد الله على طريقة موسى الكليم، وبذلك تنحل المشكلات القائمة بين العرب واليهود .
فالكل حسب هذا المنطق مسلمون، ينبغى أن يتفسحوا فى المجالس والأوطان، وأن يسع بعضهم بعضاً دون شحناء ولا بغضاء .
إن العقيد يظلم نفسه إذ يخوض فى هذه البحوث ويقرر هذه النتائج .. ثم يبقى بعد ذلك كله أمر مهم، هل للعدالة مكانها فى سلوك الحكام المسلمين أم لا ؟
إن الله عز وجل يقول فى كتابه : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى " ( المائدة : 8 )
ومعنى ذلك أن يحكم العقل والإنصاف مشاعر الحقد والغضب .
مهما كرهت فرداً أو جماعة فلا يجوز إذا كنت تقياً أن أسترسل مع هواى فى سجن خصومى أو تعذيبهم أو تهديد حاضرهم ومستقبلهم ..
والمألوف فى أرض الله كلها ـ عدا الغابات وما إليها ـ أن يحقق مع المتهم، وأن يمنح حق الدفاع عن نفسه، وأن يمحص القاضى ما نسب إليه فى نزاهة، ثم يصدر الحكم فى أناة وتبصر بالإدانة أو التبرئة ..
أما القذف بالناس فى السجون لأن الحاكم رأى ذلك فشىء منكر جعله القرآن الكريم قرين سفك الدم الحرام، وعابه على اليهود فى قوله : " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان " ( البقرة 85 ) .
لماذا يشرد الطالب عن داره فلا يتم تعليمه أو رب الأسرة عن بيته فتتعرض زوجته وأولاده للمآسى والمعاصى؟؟
إن الحاكم الذى ينتسب إلى الإسلام يستحيل أن يتدلى إلى هذه المسالك ..
إننى أحد الذين اعتقلوا يوم كنت منتسباً إلى جماعة الإخوان، وحتى بعد فصلى من الجماعة اعتقلت لأنى لم أتخل عن العمل الدينى .
إننى ما سئلت عن شىء قبل أو بعد الاعتقال، لأنه لم يكن هناك ما أسأل عنه ! غير أن التجارب التى ذقتها والمشاهد التى رأيتها جعلتنى أزداد رسوخاً فيما كنت أقوله باستمرار : إن الحرية نعمة جليلة رائعة، وإن العدوان عليها سيئة مضاعفة الوزر شديدة العقاب .
إن طراز الحكم فى العالم العربى إن لم يضبط داخل الإطار الإسلامى فسيكون معرة للإسلام تُنفِّر منه بل تثير السخريةَ به !!
والذى " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " هو الله الواحد الذى لا معقب على حكمه، ومع ذلك الاقتدار للكبير المتعال فهو يقول :" يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا " ( رواه أحمد : 5/160، ومسلم فى كتاب البر وغيرهما )
فهل ذلك ما يبيح لحكامنا أن يستغلوا سلطانهم الموقوت فى ضرب الناس وسجنهم دون ما سبب ؟
ومن الذين يهانون ؟ متهمون بالدعوة إلى الإسلام ؟!
" يا حسرة على العباد " .. !!!
إن قلبى يتفطر عندما أرى الدم الإسلامى أرخص دم على الأرض .. لقد استباحه المجوس واليهود والنصارى والوثنيون والملحدون .. وحكام مسلمون !!
ولا ريب أن المدافعين عن الإسلام تكتنفهم ظروف صعبة معقدة، غير أنه بين الحين والحين ينبجس من روح الله ندى يواسى الجراح ويهون الكفاح ويبشر بالصباح ..
ومهما كانت الأوضاع محرجة فلا بد من بقاء الدعوة الإسلامية مرفوعة الراية واضحة الهداية تعلن الحق وتبسط براهينه وتلقف الشبه وتوهى إسنادها ..
إن محمداً ليس وقفاً على عصر أو جنس، إن رسالته للقارات الخمس ما بقى الزمان وعلينا أن ننهض بهذا العبء ..
وحتى تعود " الخلافة الإسلامية " ـ وإعادتها فرض عين ـ لتتولى هذه المهام يجدر بنا أن نتبع ما يأتى :
ـ إعادة النظر فى مناهج تعليم الإسلام فى شتى مراحل الدراسة العامة .. وإعادة النظر فى مناهج التعليم الدينى نفسه لتخريج فئات أوسع دراية وأحد بصراً .
ـ اختيار الدعاة وفق مواصفات أدق وأرقى مما يتبع الآن، وتوسيع آفاق الدعوة الإسلامية أو الإعلام الإسلامى بحيث تستوعب ميادين النشاط الإنسانى جميعاً .
ـ إقامة حلقات اتصال بين الجامعات الإسلامية الموجودة الآن فى عواصم الإسلام كلها لتبادل الخبرة والمشورة العلمية والعملية ..
ـ عقد مؤتمرات دورية متصلة لبحث مشكلات الدعوة ورصد الهجمات المنظمة ضد الإسلام ووضع الخطط المناسبة لخدمة الرسالة الإسلامية .
ـ بسط الرعاية الدينية على المسلمين المهاجرين إلى الخارج والإفادة من مواضعهم الاجتماعية والثقافية حتى يكونوا معابر لرسالتنا العظيمة، بدل أن يذوب هؤلاء فى دوامة الحياة الغربية ..
ـ التقاط الفارين من وجه الحكومات المعادية للإسلام فى أفريقيا وغيرها وتيسير التحاقهم بالمدارس والمعاهد العربية ليعودوا أقدر على قيادة أممهم ورد الفتن عنهم ..
ـ دراسة المؤتمرات التبشيرية المحلية والعالمية واستكشاف المؤامرات المبيتة ضدنا .
ـ وبديهى أن ذلك كله لن يتحقق كلاً أو جزءاً إلا فى ظل حكومات تحترم الإسلام، وترى نفسها مسئولة أمام الله عن القيام بحقوقه .
ـ وليست كل الحكومات العربية كذلك، فهناك من يكره الإسلام والحدث عنه، وهناك من يقبله عبادات لا معاملات، وعقيدة لا شريعة ويرفض الدعوة إلى تطبيقه كله .
ـ وهناك من يمهد لاستقبال الشيوعية ومن يمهد لاستقبال العلمانية .
ـ ولا تعليق على هذا الارتداد السافر أو المحجب إلا أن نقول :
على الشعوب أن تتحرك وإلا تعرضت للفناء، عقوبة من رب السماء !!
* * * * *
التواضع لله من دلائل الرشد وأمارات الإيمان، بل هو من علامات الصحة العقلية والنفسية، فإن المعجب بنفسه المتكبر على غيره إنسان لم يعرف حقيقته، ولم يتصرف فى نطاق هذه الحقيقة فهو مصدر تعب وقلق حيث كان ..!
ومبلغ علمى أن أصحاب المواهب النفسية متواضعون، وأن الذى رزقهم النبوغ لم يشنهم بهذا اللون من الجهالة، فهم يضعون تفوقهم الشخصى فى خدمة الآخرين، وبقدر ما فى معادنهم من صلابة يبتذلون أنفسهم لأمتهم ومبادئهم، دون قلق على مكانة موهومة أو منزلة مزعومة !
أما الذين يستخفون وراء أسوار من المراسم والشارات فأغلبهم هش المعدن قريب العطب .
وأغلب من عرفت من المتكبرين أقوام صغار المواهب يسترون علاتهم بافتعال مظاهر لا أصل لها !!
ولو أن امرءاً ما استكبر بعلم حقيقى، أو بطولة رائعة، أو مال ممدود، أو قيادة حكيمة، أو غير ذلك من أسباب الرفعة .. لكان مخطئاً أفدح الخطأ .. لماذا ؟ .. لأن واهب النعمة والخير والبروز هو الله جل شأنه .
والإنسان جسر يعبر عليه الفضل الأعلى، ومجلى لهذه العارية الطارئة عليه من غيره لا من ذاته، فلم الكبرياء على الله ؟
ما أحسن قول الرجل المؤمن لأخيه المغتر بثرائه :
" ولولا إذ دخلت جنتك قلت : ما شاء الله لا قوة إلا بالله " ( الكهف : 39 )
إن المدل بجماله لم يصنع شيئاً من ملامحه الوسيمة، وذوو المواهب العليا رزقهم التفوق من خلقهم ومهد لهم واختبرهم بما أتى، فلماذا الغرور بالنفس ؟
ولنترك هذا الكبر الذى لا يعتمد على سناد أى سناد فى تفكير أصحابه ..
ولننظر إلى قوم آخرين يستكبرون بالهباء أو بما لا يزن شيئاً طائلاً ..
وقد كثر هذا النوع فى بلادنا، وتوزع على مناصب شتى هنا وهناك، ومسخت دعاواهم كل شىء .
ترى الواحد منهم فقيراً فى معرفته، ضئيلاً فى إنتاجه، ومع ذلك يرمق الحياة والأحياء بالنظر الشزر، ويعامل الناس معاملة العملاق للأقزام، والفيلسوف للعوام ..
فى غير ميدان قابلت هؤلاء يتكلمون، أو يعملون، أو يحكمون فرأيتهم حراصاً على الظهور فى شارات الناس الكبار على حين تضعهم أقدارهم وثمارهم فى المستوى الهابط والمكانة النازلة !!
قلت فى نفسى : الناس يستكبرون بالعلم وهؤلاء يستكبرون بالجهل . الناس قد تأخذهم العزة بالطاقة وهؤلاء تأخذهم العزة بالإثم . ما أشقى بلادنا بهؤلاء ..
لو أدرك هؤلاء ما فى كفايتهم من نقص لاستكملوه ! .. لكن الحجاب المسدل على بصائرهم خيل إليهم أنهم عباقرة، فعاشوا ينكبون الناس بقصورهم وغرورهم ..
وربما اغتر الأعور بنصف بصره بين لفيف العميان .
أما أن يغتر بعاهة بين أصحاب البصر الحديد فهذه النكبة الجائحة .. !!
والعالم الآن مشحون بأصحاب المواهب المعجبة والخبرات الجيدة والتجارب المصقولة، والثروات الأدبية والمادية الهائلة .
فإذا سرنا نحن فى الموكب العالمى بهذه الحفنة من الأدعياء الفارغين فماذا يكون تقديرنا وماذا يكون مصيرنا ؟؟
والشخص التافه يفلسف الأوضاع حوله بما يشبع كبره، ويصدق وهمه، أى أنه بدلاً من أن يستيقظ على الحقائق اللاذعة ينظر إليها من جانب يرضيه ويطغيه .
وقد روت كتب الأدب القديم قصة هى على ما فيها من هزل صورة صادقة لكثير من ذوى المناصب المرموقة فى الأمة العربية الآن :
كان " أبو حية " النميرى جباناً يخيلاً كذاباً ! .. قال ابن قتيبة :
وكان له سيف يسميه " لعاب المنية " ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان أجبن الناس، دخل ليلة إلى بيته فسمع صوتاً لا عهد له به فانتضى سيفه، ووقف فى وسط الدار، وأخذ يقول :
" أيها المغتر بنا، المجترئ علينا، بئس ـ والله ـ ما اخترت لنفسك : خير قليل، وسيف صقيل " لعاب المنية " الذى سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته ..
" اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك ! ..
" إنى والله أن أدع قيساً إليك لا تقم لهم .. ! ..
" وما قيس ؟ .. تملأ ـ والله ـ الفضاء خيلاً ورجلاً . سبحان الله ! ما أكثرها .. !! "
وبينا هو كذلك إذ خرج كلب من الدار، فقال :
" الحمد الله الذى مسخك كلباً وكفانا حرباً !!! "
لست أبعد إذا قلت : إننى رأيت صوراً لهذا الجبان المستأسد فى بعض الساسة الذين كتبوا تاريخ الشرق العربى فى العصر الحديث ..
ـ العجز الحريص على الصدارة .
ـ الدعوى الفارضة نفسها على الواقع .
ـ الهوى الذى يطوى الأشخاص والأشياء والأحداث فى تياره ويضفى عليها صبغته الجادة أو الهازلة .
ذكرت الجنرال " أيزنهاور " قائد الحرب العالمية الثانية التى انتصرت فيها أمريكا وحلفاؤها، إن أمريكا لم تعط رجلها لقب " ماريشال " مع أنه خاض حرباً تم له فيها النصر بعد أن دمرت مئات المدن والقرى وقتل فيها وجرح سبعون ألف ألف شخص .
لكن ناساً فى الشرقين الأوسط والأقصى حصلوا على هذا اللقب دون أن يخوضوا حرباً أو يعانوا ضرباً .
فى البلاد المحترمة يصعد الأفراد من السفوح إلى القمم والعرق يتصبب من جبينهم، والإرهاق والتفكير يلاحقانهم بين آن وآخر .
.. وعلى هذا السنن البائس تجرى أمور العرب .
أما فى البلاد المتخلفة فإن ناساً يصلون إلى الذرى دون جهد يذكر اللهم إلا جهد الملق لملاك السلطة والاستعداد لخدمة الأهواء !!
وقديماً نظر البحترى إلى واحد من هؤلاء جعله " الخليفة " قائداً، وهو لا يصلح لقيادة ولا ريادة فقال :
ويكاد من شبه العذارى
فيه أن تبدو نهوده
ناطوا بمعقد خصره
سيفاً ومنطقة تؤوده
جعلوه قائد عسكر
ضل الرعيل ومن يقوده
فهل هذا اللون من الخلائق ترشحه مواهبه لهدف كبير ؟
وهل هؤلاء القادة " بالتعيين " لا بالخصائص " النفسية والعقلية " هم الذين يقودون العرب فى معركة البقاء !!
ألا ما أكثر الألقاب التى تمنح فى البلاد العربية .
وعرفت مديراً أجنبياً لمصنع كبير، قيل لى فى وصف إدارته :
" تراه جوالاً بين الآلات والمكاتب مغبر الجبين بتراب العمل وعرقه، ملوث الثياب بالزيوت والشحوم التى تسقط عليه وهو تحت آلة يعالجها، أو فى طريق وعرة إلى مهمة ثقيلة !! "
فتذكرت شكوى أحد المربين وهو يصف لى بعض الشباب فى بلادنا العربية، قال : إنهم يبغون مكتباً أنيقاً يجلسون إليه و" تليفوناً " يثرثرون فيه، ونمطاً من العيش لا يضنى ولا يقلق .
قلت : والله هذه أخلاق الهزيمة الضياع، وأصحابها هم عللنا المقعدة، وأما الرجال المعنيون بالعمل الحق، الحمالون لأعبائه الثقال فهم أصل النصر والتقدم !!
إننى أغوص فى بحر من الحيرة والأسف حين أرى عظماء العالم على جانب رائع من دماثة الخلق، ولطف المعاشرة، وسهولة الطبع وقلة التكلف، على حين ترى المتسولين من موائدهم متعجرفين متعاظمين كأنهم أتوا بالديب من " ذيله " كما يقول العوام فى أمثالهم .
إن بناة التاريخ من سلفنا الصالح كانوا يتميزون بخلقين :
ـ عظم الكفاءة .
ـ ونكران الذات .
ذلك ما استفادوه من إيمانهم الوثيق بالإسلام .
قدرة ملحوظة فى مجالات النشاط الإنسانى، وإخلاص لله يدفع أحدهم إلى الجود بما عنده : " وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى " ( الليل : 19 )
والغريب أن الخلف الطالح جاء على الضد فهو مكشوف العجز فى جنبات الدنيا مادياً وأدبياً وهو طالب شهرة يجرى وراءها كالطفل الغرير، ويريد أن يرمقه الناس بالتجلة على غير شىء !
إن خصومنا لم يخرقوا العادات فيما يفعلون ويتركون، لقد رأيتهم منطقيين فى شتى أحوالهم .
أما نحن فقد هبطنا عن المستوى العادى ولم نكن منطقيين فى تصرفاتنا ومن وراء هذا الخلل الجسيم البعثيون والقوميون الذين نفثوا سمومهم فى كل شىء فقد جرءوا العرب على قطع نسبهم إلى الإسلام ثم جرءوهم على اطراح عقائده وفضائله، ثم وثبوا على الحكم عقب انقلابات مصطنعة لا تتصل بالشعوب العربية من قريب أو بعيد، ثم أخذوا يتعسفون السير نحو أغراضهم على حطام من الداخل وإن كان الظاهر مزوقاً كانت النكبة ..
فهل تعلم العرب من هزائمهم المترادفة أن يثوبوا إلى رشدهم ؟
كلا .. ولقد راقبت الانقلابات التى وقعت فى أرجاء العالم الإسلامى وأزعجنى أنها وقعت لمحاربة عوج، وإقرار خير، فإذا العوج بعدها يزيد والخير ينكمش ..
واهتبل أعداء الإسلام الفرصة فضاعفوا أرباحهم فى بلاده، وإيهانهم لقضاياه حتى لكأنهم كانوا مع هذه الانقلابات على موعد !!
ففى أفريقيا حيث حيكت مؤامرات ماكرة لسحق الإسلام وطى أعلامه رأينا ديننا الجريح يدوخ تحت ضربات موجعة يفقد بعدها الكثير من تراثه وسلطانه وكرامته ..
ونشأ عن ذلك ـ فى أقرب البقاع علينا ـ أن ضاع السودان الجنوبى بجرة قلم وتحقق حلم الصليبية العالمية التى تسعى وراءه من خمسين سنة، فكسبت 250 ألف ميل مربع من الأرض .
وتاحت فرصة غريبة لعشر السكان المسيحى أن يتحكم فى البقية الضائعة ويمحو منه الإسلام .
وسنرى كم ستكسب " إسرائيل " من هذا التصرف .
إن أغلب الانقلابات التى حدثت رتب وظائف الدولة العليا والوسطى على أساس أهدرت فيه الكفاءات إهداراً مزعجاً ..
وتصور معيداً فى كلية يصبح عميدها، أو كاتباً فى محكمة يصبح رئيسها، لكن هكذا تجرى الأمور فى غيبة الدين والدنيا معاً .
لقد أبى المتنبى الذهاب إلى الأندلس، لأنه أدرك تفاهة حكامها من ضخامة الألقاب التى يحملونها، وكأن الرجل يصف أحوال العرب فى عصرنا هذا لا فى عصره هو عندما قال :
فى كل أرض وطئتها أمم
يقودها عبد كأنها غنم !
إن العرب الآن يخوضون معركة بقاء أو فناء ..
وفى غيبة الإيمان وتقاليده وشمائله عن مجتمعاتهم نمت أخلاق أخرى لا تصلح بها حياة ولا تضمن بها أخرى .
ومن الخير أن يتحسسوا هذا البلاء فى صفوفهم فيحسموه .
إن الحقائق تفرض نفسها طوعاً أو كرهاً مهما تجاهلناها، وعندما يكون الشعب شكلاً لا موضوع له فهو صفر .
وعندما يكون الرؤساء أوراقاً مالية ليس لها غطاء نقدى محترم فهم عملة زائفة، قد تروج بين المغفلين، ولكن إلى حين ..
على العرب أن يعيدوا تشكيل نفوسهم وصفوفهم ومتقدميهم ومتأخريهم وفق القانون الإلهى العتيد " ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب . من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً " ( النساء : 123 ) .
ـ ما يفعل الله للعرب إذا كان خصومهم يحترمون كلام أنبيائهم ورؤساء العرب يستهينون بكلام نبيهم ؟
ـ ما يفعل الله للعرب إذا كان خصومهم فى كل ميدان يقودهم أقدرهم وأشجعهم، أما قادة العرب فأخلاط من الناس فرضتهم فى أماكنهم حظوظ سيئة ؟
ـ ما يفعل الله للعرب إذا كانوا يهزلون وخصمهم جاد ؟
لا بد من إعادة النظر فى شأننا كله، وإلا حقت علينا كلمة ربك .
]