تابع
مواعظ قصيره لابن الجوزي
31- النظر النظر إلى العواقب ،
فإن اللبيب لها يراقب ،
أين تعب من صام الهواجر ؟
و أين لذة العاصي الفاجر ؟
فكأن لم يتعب من صابر اللذات ،
و كان لم يلتذ من نال الشهوات .
32- حبس بعض السلاطين
رجلاً زماناً طويلا ثم اخرجه
فقال له :
كيف وجدت محبسك ؟
قال :
ما مضى من نعيمك يوم
إلا و مضى من بؤسي يوم ،
حتى يجمعنا يوم
33- جبلت القلوب
على حب من أحسن إليها ،
فواعجباً ممن لم ير محسناً
سوى الله عز وجل
كيف لا يميل بكليته إليه .
34- إحذر نفار النعم
فما كل شارد بمردود ،
إذا وصلت إليك أطرافها
فلا تُنفر أقصاها بقلة لشكر .
35- اجتمعت كلمة إلى نظرة
على خاطر قبيح و فكرة ،
في كتاب يًحصي حتى الذرة ،
و العصاة عن المعاصي في سكرة ،
فجنو من جِنى ما جنوا ،
ثمار ما قد غرسوه .
36- يا هذا !
ماء العين في الأرض حياة الزرع ،
و ماء العين على الخد حياة القلب .
37- يا طالب الجنة !
بذنب واحد أُخرج ابوك منها ،
أتطمع في دخولها
بذنوب لم تتب عنها !
إن امرأً تنقضي بالجهل ساعاته ،
و تذهب بالمعاصي أوقاته ،
لخليق ان تجري دائماً دموعه ،
و حقيق أن يقل في الدجى هجوعه .
38- أعقل الناس محسن خائف ،
و أحمق الناس مسئ آمن .
39- لا يطمعن البطال في منازل الأبطال ،
إن لذة الراحة لا تنال بالراحة ،
من زرع حصد و من جد وجد ،
فالمال لا يحصل إلا بالتعب ،
و العلم لا يُدرك إلا بالنصب ،
و اسم الجواد لا يناله بخيل ،
و لقب الشجاع
لا يحصل إلا بعد تعب طويل .
40- كاتبوا بالدموع
فجائهم الطف جواب ،
اجتمعت أحزان السر على القلب
فأوقد حوله الأسف
و كان الدمع صاحب الخبر فنم .
41- كيف يفرح بالدنيا
من يومه يهدم شهره ،
و شهره يهدم سنته ،
و سنته تهدم عمره ،
كيف يلهو من يقوده عمره إلى اجله ،
وحياته على موته .
42- إخواني :
الدنيا في إدبار ،
و اهلها منها في استكثار ،
و الزارع فيها غير التقى
لا يحصد إلا الندم .
43- ويحك !
أنت في القب محصور
إلى ان ينفخ في الصور ،
ثم راكب أو مجرور ،
حزين او مسرور ،
مطلق او مأسور ،
فما هذا اللهو و الغرور !
44- بأي عين تراني
يا من بارزني و عصاني ،
بأي وجه تلقاني ،
يا من نسي عظمة شاني ،
خاب المحجوبون عني ،
و هلك المبعدون مني .
45- يا هذا
زاحم باجتهادك المتقين ،
و سر في سرب أهل اليقين ،
هل القوم إلا رجال
طرقوا باب التوفيق ففتح لهم ،
و ما نياس لك من ذلك .
46- ألا رُب فرح بما يؤتى
قد خرج اسمه مع الموتى ،
ألا رُب معرض عن سبيل رشده ،
قد آن أوان شق لحده ،
ألا رُب ساع في جمع حطامه ،
قد دنا تشتيت عظامه ،
ألا رُب مُجد في تحصيل لذاته ،
قد آن خراب ذاته
47- يا مضيعاً اليوم تضييعه أمس ،
تيقظ ويحك فقد قتلت النفس ،
و تنبه للسعود فإلى كم نحس ،
و احفظ بقية العمر ،
فقد بعت الماضي بالبخس .
48- عينك مطلقة في الحرام ،
و لسانك منبسط في الآثام ،
و لأقدامك على الذنوب إقدام ،
و الكل مثبت في الديوان .
49- كانوا يتقون الشرك و المعاصي ،
و يجتمعون على الأمر بالخير و التواصي ،
و يحذرون يوم الأخذ بالأقدام و النواصي ،
فاجتهد في لحاقهم ايها العاصي ،
قبل ان تبغتك المنون .
50- أذبلوا الشفاه
يطلبون الشفاء بالصيام ،
و أنصبوا لما انتصبوا
الأجساد يخافون المعاد بالقيام ،
و حفظوا الألسنة
عما لا يعني عن فضول الكلام ،
و اناخوا على باب الرجا
في الدجى إذا سجى الظلام ،
فأنشبوا مخاليب طمعهم
في العفو ،
فإذا الأظافير ظافرة .
51- يا مقيمين سترحلون ،
يا غافلين عن الرحيل ستظعنون ،
يا مستقرين ما تتركون ،
أراكم متوطنين تأمنون المنون
52- وعظ أعرابي ابنه فقال :
أي بني
إنه من خاف الموت بادر الفوت ،
و من لم يكبح نفسه عن الشهوات
أسرعت به التبعات ،
و الجنة و النار أمامك .
53- يا له من يوم لا كالأيام ،
تيقظ فيه من غفل و نام ،
و يحزن كل من فرح بالآثام ،
و تيقن أن أحلى ما كان فيه أحلام ،
واعجباً لضحك نفس البكاء أولى بها .
54- إن النفس إذا أُطمعت طمعت ،
و إذا أُقنعت باليسير قنعت ،
فإذا أردت صلاحها
فاحبس لسانها عن فضول كلامها ،
و غُض طرفها عن محرم نظراتها ،
و كُف كفها عن مؤذي شهواتها ،
إن شئت ان تسعى لها في نجاتها .
55- علامة الاستدراج :
العمى عن عيوب النفس ،
ما ملكها عبد إلا عز ،
و ما ملكت عبداً غلا ذل .
56- ميزان العدل يوم القيامة
تبين فيه الذرة ،
فيجزى العبد على الكلمة
قالها في الخير ،
و النظرة نظرها في الشر ،
فيا من زاده من الخير طفيف ،
احذر ميزان عدل لا يحيف .
57- سمع سليمان بن عبدالملك
صوت الرعد فانزعج ،
فقال له عمر بن عبد العزيز :
يا أمير المؤمنين
هذا صوت رحمته فكيف بصوت عذابه ؟
58- يا من أجدبت أرض قلبه ،
متى تهب ريح المواعظ فتثير سحاباً ،
فيه رعود و تخويف ،
و بروق و خشية ،
فتقع قطرة على صخرة القلب
فيتروى و يُنبت .
59- قال بعض السلف :
إذا نطقت فاذكر من يسمع ،
و إذا نظرت فاذكر من يرى ،
و إذا عزمت فاذكر من يعلم .
60- قال سفيان الثوري يوماً لأصحابه :
أخبروني لو كان معكم
من يرفع الحديث
إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشئ ؟
قالوا :
لا ،
قال ،
فإن معكم من يرفع الحديث إلى الله عز وجل .
61- كلامك مكتوب ،
و قولك محسوب ،
و انت يا هذا مطلوب ،
و لك ذنوب و ما تتوب ،
و شمس الحياة قد اخذت في الغروب
فما أقسى قلبك من بين القلوب .
والله لانها من اعظم واغلي العظات التي سمعتها
وهي عندي اغلي من الذهب والماس
واغلي من كنوز الدنيا كلها
فهل من مستفيد