تعبر الأمثال الشعبية كغيرها من المظاهر الفلكلورية عن الفكر والاتجاه الشعبي، حيال ظواهر وممارسات تعتمد على طقوس وأساليب ومعتقدات شعبية أو خرافية، تكشف الخبايا النفسية لكل شعب .. وهي أيضا قوانين اجتماعية شبه ملزمة يخضع لها الجميع بصورة عامة خاصة الطبقة الشعبية..
والمرأة مظلومة دائما، حتى في الموروثات الشعبية التي بلورت المرأة لتصبح " أضحوكة" تستهزئ بها الأمثال الشعبية المتوارثة، والتي تقتنع بها المجتمعات اقتناعا تاما بصورة قد تجعلها منهجاً للحياة !!
والتساؤل الآن هو هل الأمثال الشعبية ظلمت المرأة فعلا ؟ أم أن البعض منها قد يكون حقيقيّا ؟.. نترك الحكم في ذلك للتجارب الشخصية!!
سوق الحلاوة جبر وادلعوا الوحشين
ومن الملاحظ أن الأمثال الشعبية شملت كل الجوانب الحياتية ولم تنس أي ناحية منها، وفيما يخص المرأة فهي شملت المرأة الجميلة والقبيحة ، المتزوجة والمطلقة، الخايبة والشاطرة .
نحن لا نجني على الأمثال الشعبية ونتهمها بسلبيتها في جميع الأحوال، فهناك الأمثال المنصفة بعض الشيء، ولكن مع كل أسف تعمدت هذه الأمثال تشويه صورة المرأة، فالمرأة الجميلة تصورها الأمثال الشعبية وكأنها دمية جميلة بلا روح، و إن كانت تحث الرجال على طلب الزوجة الجميلة، وإن لم تكن كذلك يكون من الأفضل عدم التفكير في الارتباط أساساً فيقول المثل:"إن عشقت اعشق قمر، وإن سرقت اسرق جمل" ويرادف هذا المعنى "اعشق غزال وإلا ...فضها"، ولأن الجمال يسبق الغنى فـ "تغور العورة بفدانها".
كما تحث هذه الأمثال على الزواج من المرأة الجميلة حتى ولو كان الزوج لا يملك قوت يومه، فالجمال يغني عن الأكل والشرب "خد الحلو واقعد قباله.. وإن جعت شاهد جماله"، وفي مقارنة بين الجميلة والدميمة يقول المثل: "الحلوة حلوة ولو قامت من النوم، والوحشة وحشة ولو استحمت كل يوم" وفي تمني الدميمة لأن تكون جميلة وبيضاء ليرضي عنها الرجال من منطلق أن الرجال يحبونها بيضاء، ويقبلون على الزواج منها يقول المثل:" ياريتني يا أمه كنت بيضه وبضب، أصل البياض يا أمه عند الرجال يتحب"
وقد يكون الجمال في القِصر والقبح في الطول:"جوز القصيّرة يحسبها صغيّرة"؛ لأن كبر السن لا يظهر على القصيرة !! كما يتغير جمال الجسد بتغير السن، فيقول مع العمر "البنات بسبع وجوه" وهذا هو الجمال النسبي؛ نظراً لارتباطه بالجسد، ولكن في مثل آخر تمتدح المرأة الطويلة:" الطويلة تقضي حاجتها، والقصيرة تنده جارتها!"
بالرغم من أنه لا توجد هناك امرأة غير جميلة لكن الأمثال لها رأي آخر، فالمرأة غير الجميلة أو المتواضعة المظهر لم تنج من لسان الأمثال، فلا تسلم جلسات النميمة النسائية على إحدى النساء المتواضعات الجمال "إيش تعمل الماشطة في الوش العكر"، ولكن أعتقد أن الأمر اختلف الآن والبركة في (السيليكون والكولاجين) لينطبق عليها المثل " لبس البوصة تبقى عروسه". وإن كان من المفروض أن يتحول المثل الآن إلى " احقن البوصة تبقي عروسه !!" ليتوافق مع روح العصر صناعي الجمال في كل شيء، والعينة بينة في كل مكان أينما تذهب تجد الوجوه المنفوخة والصدور الممتلئة، ويعيش السيلكون.
أما أبشع وصف للفتاة الدميمة فهو " تبقى عوره وبنت عبد ودخلتها ليلة الحد" أي العورة القبيحة لا تحتاج إلى إعلان وفرح وتهاني بل الأفضل لها الزواج في صمت، ويرادفه في المعنى " العرْس بزوبعة والعروسة ضفدعة".
ويتبع هذا المثل أمثال متتابعة ومتتالية وصفت المرأة بالعمياء والعرجة والوحشة والقرعة، منتهى الإهانة للمرأة، وفي وصف القبح تقول الأمثال:" سوق الحلاوة جبر وادلعوا الوحشين"، "عميه وعرجه وكيعانها خارجه"،"ادلعي يا عوجه في السنين السوده".
وفي فصل الجمال عن الروح قال المثل:" يا وحشه كوني نِغْشه" أي تحاول أن تكون جميلة ومثيرة لتبدو بطريقة أو بأخرى جميلة في عيون زوجها ولو حتى بالروح، أو لتتمكن من الزواج أصلا !، ويقولون أيضاً:"القرعة تتعايق بشعر بنت أختها"،"عمشه وعامله مكحله" ،"على ما تتكحل العمشه، يكون السوق خرب".
والزوجة أيضا.
وتظهر المرأة في الأمثال الشعبية في صورة غريبة جداً، فهي لا تؤتمن على سر ولا يعتمد عليها من قبل الزوج "، فيقول المثل:"يا ويل من أعطى سلمراته يا طول عذابه وشتاته"، والمرأة لا يوثق بها، والرجل الذكي الذي لا يعطي لرأي زوجته أي أهمية "الراجل ابن الراجل اللي عمره ما يشاور مراته". وإذا كانت الأمثال تحذر من المرأة، فهي تحذر من الزواج أحياناً أو تؤكد أن الزوجة ليست بأحسن حالاً ممن هي دون زواج مثل "جت العازبه تشكى لقت المتجوزه بتبكي" ، "طلبوها اتعززت وفاتوها اتندمت"، ويا بخت من رضي عنها زوجها"، "اللي جوزها يقولها: يا عوره يلعبوا بيها الكورة، واللى يقولها: يا هانم يقفولها على السلالم"، " وادي قاعده .. راح النهار يا سعده"، كما أنه من الواضح أن الرجل لا يرضى أبداً :"إن حبوك يا ويلك وإن كرهوك يا ويلك"، و"كانت قاعده ومرتاحه .. جابت لها ( حاحه )"، "قبل ما تحبل حضرت الكمون..، وقبل ما تولد سمته مأمون"، "فتلة العويله ممدوده وطويله".
وبما أن الحماة مرأة فهي أيضاً لم تسلم .. فـ" الحما عما، ولو كانت ملاك"، ولكنها قد تفضل عن الزوجة في "بوس إيد حماتك ولا تبوس إيد مراتك "
حرية المرأة ضائعة حتى في الأمثال
"والنبي يا أمه ما تجوزينى غريب، دا الغربة تربه والبلاد بعيدة"، وصور القهر الذكوري تظهر في الأمثال المحببة للرجال مثل "اكسر للبت ضلع يطلعلها أربعة وعشرين" ،أي البنت تحتاج الشدة في التربية ولو بكسر ضلوعها، ودائماً ما يشبهون البنت بأمها وخاصة في التصرفات السيئة "اكفي القدرة علي فمها تطلع البنت لأمها" و" تكلم الفاجره تلهيك وتدهيك وتجيب اللي فيها فيك " و" آخد ابن عمي .. وأتغطى بكمي" وكأن الرجل ليس عليه أي غبار فهو المتلقي فقط وتصرفاته كلها مقبولة .
وركزت كذلك الأمثال على السمات السلبية ونظرت نظرة إدانة وتقليل من شأنها، مثل "البنت تجيب العار والمعيار والعدو لباب الدار"، والمرأة أقل شأناً من الذكر دائما مثل "بيت البنات خراب"، وهي ماكرة مثل "احذر عناد الرهبان وكيد النسوان وغضب السلطان" وهي ضعيفة القدرات العقلية، وعديمة القدرة على كتم الأسرار، وطماعة وحريصة وبخيلة مثل "ترميه بالحاره ولا تعطيه للجاره"، وعدوانية مثل " لا أنا منيًّحة ولا الناس بتعجبني" وغيورة مثل "لولا الغيرة ما حبلت النسوان".
وفي النهاية يجب أن ننظر للمرأة بصورة أكثر احتراماً، فهي (نصف) فاعل بالمجتمع، وإن كان المثل بيقول : "الست ست ولو ليها شنب والراجل راجل ولو له.. زنب !!