سيرة بنى حبيب (الجزء الثالث )
الخميس 22 من مايو 2014
ولد حبيب بن أحمد الوائلى السعدى الجذامى في منتصف القرن الحادى عشر الهجرى في قرية شطب إلى الجنوب الشرقى لمدينة أسيوط و تبعد عنها نحو خمسة كيلومترات ...و بالتقريب عام 1050هجرية و هو ما يوافق 1640 ميلادية تقريبا ...
و فى نحو الثلاثين من عمره (فى الغالب عام 1080 هجرية) رحل إلى الشمال ...فقدكانت سمة القبائل العربية الترحال ...فهم بطبيعتهم يحبون الحرية ...و يألفون البيئة البدوية التى ترتبط بالرعى و الكلأ ...و لم تكن تستهويهم حياة الفلاحة او الزراعة ...و أكثر ما كان يستهويهم هو الصيد أو الرعى أو تربية قطعان الإبل و الماشية و الخيول ...
تلك الطبيعة البدوية الخشنة أثرت في تكوين شخصية جدنا : حبيب بن أحمد ....لذا فقد جمع أمره وارتحل مع أخيه شرارة صوب الشمال الواعد ...حيث كانت تسيقه آمال و طموحات ... و من يقرأ تاريخ القبائل العربية يجد أنهم ارتحلوا شمالا و جنوبا و غربا عدة مرات ...أي ان حياتهم يندر أن تستقر في مكان محدد .
لا أدرى كم استغرق حبيب في رحلته حتى استقر في دجوى ...ربما يكون قد استغرق عاما أو بعض عام ...و ربما استغرق عدة أعوام ...لكن المحصلة التى تذكرها الكتب أنه استقر في دجوى في أواخر القرن الحادى عشر الهجرى ...
كما لا أدرى كم كان عدد الذين ارتحلوا معه ...و بالطبع هناك من تخلف منهم في الطريق ....فإن من عادتهم الترحال في قوافل منظمة ...و يستقرون لبعض الوقت في محطات على الطريق ...يقضون فيها بعضا من الوقت للراحة والتزود بالماء و الغذاء اللازم لإكمال الرحلة ...و الحقيقة أنهم لم يقصدوا هدفا أو مكانا بعينه ...و إنما يرتحلون لأماكن يختارونها في وقتها ...
اختار حبيب موفع دجوى بمنتهى الإتقان ...و لم لا و هى على شاطىء النيل العظيم (فرع دمياط)...و لكنها ليست ببعيد عن فرع رشيد أيضا ...ثم إن هذا الموقع بالذات تتميز أرضه بخصوبة عالية ...و تتنوع فيه المحاصيل و الفواكه ...فلا تجد شيئا من الخضروات أو الفواكه إلا و هو متاح و متتيسر للزراعة في الصيف أو في الشتاء ... كما أن هذا المكان يسهل منه التحكم في المجرى الملاحى للنيل ...و سأرفق لكم خريطة للمكان توضح ذلك (1) ....
وكلمة : دجوى (و يقال أيضا : دجوة ) كما تقول كتب اللغة تعني : العيش الرغيد ...و قد أسموها هكذا تعبيرا عن حياتهم الجديدة (الرغيدة) في موطنهم الجديد ...و لا ادرى من اختار هذا الاسم ...و سأبحث عنه و أوافيكم به ...
هاجر حبيب من قريته شطب و ترك خلفه حياة القسوة و الشظف ...ووجد في دجوى العيش الرغيد الذى كان يحلم به ....فسرعان ما اشتهر أمره ...و ذاع صيته بين القبائل العربية التى كانت تملأ الافق في القليوبية و الشرقية و خصوصا بنى سعد و بنى حرام (ابناء عمومته) و عرب الصوالحة و عرب بلى و الترابين و الهنادى و غيرهم من قبائل العرب الأخرى ...
كان حبيب أسمر البشرة و لكنها سمرة مشربة بالحمرة ...كما كان طويل القامة قوى البنيان جسيما ... مهاب الطلعة قويما ...شديد الفراسة والذكاء فهيما ...يقرا أفكار الناس من أعينهم ...و له طرائق في الفراسة لا تخطئ ...و له فطنة في البشر دائما تصيب ..
واشتهر حبيب بأنه الفارس المغوار ...الذى لا يشق لا غبار ...وورث أبناؤه هذه الصفات من بعده ...و توارثتها الأجيال جيلا بعدجيل ...و من الجميل أن نقرأ أن سالم بن حبيب كان يقوم هو و فرسه في الحرب بألف فارس ...و من شابه أباه فما ظلم ...فقد ورث الفروسية عن أبيه ...
واشتهر حبيب بالجود و الكرم ...و هى صفات فطم عليها ...و تناقلتها الجينات الوراثية للأجيال من بعده ....فحدث و لا حرج عن الذبائح التى يذبحها لضيوفه كل مساء ...و حدث و لا حرج عن المئات الذين يشاركونه طعام الغداء ...و حدث إن شئت كيف تأتيه فاكهة الصيف في فصل الشتاء ...و فاكهة الشتاء دائما عنده دون انقضاء ...
لم يكن حبيب و اهله أو إخوته يمتهنون الزراعة ...و إنما كان لديهم من الدواب و الأنعام ما يملأ الأفق ..
ارتبط اسم حبيب بن احمد الوائلى باسم دجوى ...و لم لا و هو الذى أسسها واختار موقعها ...و هو بالتالى أول من أعمرها ...بل إننى قرأت في بعض الكتب من يسميه : حبيب الدجوى ...بل إن الكثير من مشاهير بنى حبيب قد ارتبط اسمهم ياسم دجوى و منهم الشيخ الأزهرى و العلامة الشهير يوسف الدجوى فهو في الأصل من بنى حبيب و اسمه يوسف بن أحمد بن نصر بن سويلم بن حبيب الدجوى (من ذرية سويلم بن حبيب ...و بهذا نعلم أن سويلم كان لديه ولد اسمه : نصر و ربما مات في حياة ابيه سويلم ) ...
و كان دواره يعج بالوافدين من جميع الأجناس و الأعراق ...فلم يكن يخلو مجلسه كل ليلة من القادمين للاحتكام إليه في المنازعات ...او المخاصمات ... أو القادمين بالمراسلات من الشمال او الجنوب ...أو من العلماء و المماليك ...و كثرا ما يخصص أوقاتا محدودة لذوى الحوائج و أرباب الصنائع و الفلاحين .
بزغ نجم حبيب و هو شاب قد استوى (فوق الأربعين)...و أصبح شيخا لعرب القليوبية ... و كانت لشيخ العرب كلمة نافذة في القبائل العربية و كانت له سطوة بالغة ...فلا ينعقد أمر و لا ينفض مجلس أو ينعقد إلا بإشارة منه ...و تذكر كتب التاريخ أن ذلك كان في مطلع القرن الثالث عشر الهجرى أي عام 1100 هجرية تقريبا ...
لكن حادثة رهيبة ذكرتها كتب التاريخ حدثت لحبيب و بلدته الحبيبة دجوى في عام 1094 هجرية ...و هذه الحادثة هى تخريب جنود المماليك لدجوى و تسويتها بالأرض ...فما أبقوا فيها حجرا و لا شجرا ...و لا أبقوا دوابا و لا أخشابا ...حتى أن بعض المؤرخين يعتبرونها من الحوادث العشر العظام في التاريخ الإسلامى ...و البعض قارنها بضرب الحجاج للكعبة المشرفة بالمنجنيق ...إذا ان جنود المماليك أطلقوا الرصاص و الذخيرة عل المبانى و الجدران ...و محو دجوى تماما من على وجه الأرض ...فلم يبق فيها حجر فوق حجر ...و سأرفق لكم ما قاله الجبرتى حول تخريب المماليك لدجوى لاحقا (2).
لا يتوفر عندى الكثير من المعلومات الدقيقة عن حياته بالارقام ...و لكن تقديراتى الشخصية أن حادثة تدمير المماليك لدجوى كانت و حبيب ملء السمع و البصر (و عمره كان بين الاربعين و الخامسة و الاربعين تقريبا) ...و سأحاول أن أستشهد ببعض ما روته كتب التاريخ عن هذه الحادثة العظيمة ...
كانت حادثة تدمير دجوى لها وقع عظيم على حبيب و أولاده ...و اعتقد أن ولده سالما كانا صبيا يافعا دون الثامنة عشر ... و لكنه على الأقل قد راى ما آلت إليه الأحوال لبلدته التى لم يعنرها أحد منذ آدم عليه السلام ..
تركت هذه الحادثة عند حبيب وولده سالما و اخيه شرارة شيء من الكراهية للمماليك ...و أصبحت تصرفاتهم بعدها تتسم بالشراسة و العنف تجاههم ...فقد ايقنوا أنهم يعيشون في مجتمع أشبه بمجتمع الغابات ...فإن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ...
كانت تلك الفترة من تاريخ مصر مليئة بالأحداث و الفوضى ...فكانت حوادث القتل بين أمراء المماليك تحدث يوميا ...و كان امراء المماليك يستعينون بالعربان لينصروهم ...فهؤلاء قاسمية ..و هؤلاء فقارية ...و كان الصراع بين القاسمية و الفقارية من المماليك لا يهدأ ابدا ...و هو من اشد فترات التاريخ المملوكى دموية ...و اكثر فترات التاريخ المصرى فوضوية ...
هل كان حبيب يطمح إلى إعلان دولة مستقلة بعيدا عن المماليك ؟؟؟
هل كان حبيب ثائرا ضد الظلم و ضد طغاة المماليك ؟؟
هل كان حبيب انتهازيا يسعى للسلطة ؟؟
هذا ما سنعرفه في الأسبوع القادم بإذن الله
أنتظر أسئلتكم واستفساراتكم و سأرد عليها قدر الإمكان بإذن الله
وفقكم الله و السلام عليكم
مهندس /مسعد حبيب ABO HABIB