اعجزت أن تكون كعجوز بني إسرائيل ؟
الحمد لله الذي يرفع بالهمة من شاء إلى بلوغ القمة ،
والصلاة والسلام على أمضى الناس عزيمة ،
وأقوى الخلق إرادة ،
وأشهد أن لا إله إلا الله ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه ،
أما بعد :
إن الهمم العالية كنوز غالية
يمتن بها المنان على من يشاء من بني الإنسان ،
فطوبى لمن أولاه مولاه تلك الهمة العالية
والعزيمة الوثابة
والإرادة الماضية ،
فما آفة المحق إلا التردد والتذبذب ،
والتخاذل والفتور ،
والرضى بتوافه الأشياء
ومحقرات الأمور !
والمتتبع لنصوص الوحي الشريف ،
يرى كيف أن هذا الدين القويم
يربى في قلوب أتباعة تلك الهمم
لتصل بهم لعالي القمم
ومعالي القيم ،
فإذا سألتم الله الجنة ،
فاسألوه الفردوس الأعلى !
فهل تأملت هذا الدرس ؟
وربيت به النفس ؟
فعن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ
قال :
أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعرابياً فأكرمه ،
فقال له : " ائتنا " ،
فأتاه ،
فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :
" سل حاجتك " .
قال : ناقة نركبها ، وعنز يحلبها أهلي ،
فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :
" أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل ؟! "
قالوا :
يا رسول الله !
وما عجوز بني إسرائيل ؟
قال :
" إنَّ موسى ـ عليه السلام ـ لما سارَ ببني إسرائيل من مصر ؛
ضَلّوا الطريق ،
فقال : ما هذا ؟
فقال علماؤهم : إنَّ يوسفَ ـ عليه السلام ـ لمّا حضره الموتُ ؛
أخذ علينا موثقاً من الله ،
أن لا نخرجَ من مصر حتّى ننقلَ عظامَه معنا ـ أي بدنه ،
وهو من باب إطلاق الجزء ويراد به الكل ،
فالأنبياء لا تأكل الأرض أجسادهم
كما صح بذلك الخبر عن خير البشر ـ
قال : فمن يعلمُ موضع قبره ؟
قال : عجوز من بني إسرائيل ،
فبعث إليها ،
فقال : دلَّيني على قبر يوسفَ ،
قالت : حتى تعطيني حُكمي .
قال : وما حكمكِ ؟
قالت : أكونُ معك في الجنة ،
فكره أن يعطيها ذلك ،
فأوحى اللهُ إليه أن أعطها حكمَها ،
فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقعِ ما ،
فقالت : انضبوا هذا الماء ،
فأنضبوه ،
فقالت : احفروا ،
فحفروا ،
فاستخرجوا عظامَ يوسف ،
فلما أقلّوه إلى الأرض ؛
فإذا الطريقُ مثل ضوء النهار "
السلسة الصحيحة ـ للألباني (313)
وصحيح موارد الظمآن (2/452) (2064) .
أرأيت الفرق الواسع
والبون الشاسع
بين من يريد عنزاً يحلبها وناقة يركبها ،
وبين من تريد مرافقة الرسول في الجنة ؟!
إنها الهمة العالية ،
وفقط !
فإلى متى يرضى الكثير منا بضعف الهمة ،
وفتور العزيمة ،
ويرضى من الغياب بالإياب ،
ومن الغنيمة بالسلامة ؟!
متى نرى في الأمة المسلمة الجم الغفير
والعدد الكثير
الذين يحملون الهم لضخامة الهمم ؟!
وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي يقول :
" إنما الناس كإبل مائة ،
لا تكاد تجد فيها راحلة "
( صحيح البخاري ، من حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه )
وأخيراً :
أجبني ،
ولا تلتفت لغيرك ،
فإنما أخاطبك أنت دون سواك ؛
ما هي أمانيك ؟
وأحلامك ؟
وطموحاتك ؟
إلى أين تريد الوصول ؟
هل همتك في الثرى أم أنها محلقة في السماء كالثريا ؟
هل تقنع من المعالي باليسير ؟
هل ترضى بالدون ؟
فالحقيقة الدقيقة هي ؛
أن تكون أو لا تكون !!!
مثل عجوز بني اسرائيل