الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
باب في أحكام المواريث :
===============
إن موضوع المواريث موضوع مهم وجدير بالعناية ،
فقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم -
على تعلمه وتعليمه في أحاديث كثيرة :
- منها : قوله - صلى الله عليه وسلم - :
" تعلموا الفرائض ، وعلموها الناس ؛ فإنها نصف العلم ،
وهو ينسى ، وهو أول علم ينزع من أمتي ".
رواه ابن ماجه ،
وفي رواية :
فإني امرؤ مقبوض ،
وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن ،
حتى يختلف اثنان في الفريضة ،
فلا يجدان من يفصل بينهما "،
رواه أحمد والترمذي والحاكم ..
وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - ،
فقد أُهمل هذا العلم ونُسي ؛
فلا وجود لتعليمه في المساجد إلا نادرا ،
ولا في مدارس المسلمين إلا في بعض الجهات التعليمية
على شكل ضعيف لا يفي بالغرض
ولا يضمن بقاء هذا العلم ..
فيجب على المسلمين أن يهبوا لإحياء هذا العلم
والحفاظ عليه
في المساجد
والمدارس
والجامعات ؛
فإنهم بأمس الحاجة إليه ،
وسيسألون عنه ..
وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال :
"العلم ثلاثة ،
وما سوى ذلك فضل :
آية محكمة ،
وسنة قائمة ،
وفريضة عادلة "..
وعن عمر - رضي الله عنه - :
" تعلموا الفرائض ؛ فإنها من دينكم " ،
وقال عبد الله :
" من تعلم القرآن ؛ فليتعلم الفرائض " ..
ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - عن الفرائض :
إنها نصف العلم أن للإنسان حالتين :
حالة حياة ،
وحالة موت .
وفي الفرائض معظم الأحكام المتعلقة بالموت ،
بينما يتعلق باقي العلم بأحكام الحياة ،
وقيل :
صارت نصف العلم ؛
لأنها يحتاج إليها الناس كلهم ،
وقيل في معناه غير ذلك ،
والمهم أن في ذلك توجيها للاهتمام بهذا العلم ..
ويسمى هذا العلم بالفرائض ،
جمع فريضة،
مأخوذ من الفرض ،
وهو التقدير ؛
لأن أنصباء الورثة مقدرة ؛
فالفريضة نصيب مقدر شرعا لمستحقه ،
وعلم الفرائض هو العلم بقسمة المواريث
من حيث فقه أحكامها
ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها ..
ويتعلق بتركة الميت خمسة حقوق :
====================
فيبدأ بمؤنة تجهيزه من ثمن كفن
ومؤنة تغسيله
وأجرة حفر قبره ،
ثم تقضى منها ديونه ،
سواء كانت لله
كالزكوات
والكفارات
والنذور
والحج الواجب
أو كانت للآدميين،
ثم تخرج وصاياه ؛
بشرط أن تكون في حدود الثلث فأقل ،
ثم يقسم الباقي بعد ذلك بين الورثة حسبما شرعه الله - عز وجل - ،
يقدم أصحاب الفروض ،
فإن بقي شيء ،
فهو للعصبة على ما سيأتي بيانه ..
ولا يجوز تغيير المواريث عن وضعها الشرعي
وذلك كفر بالله - عز وجل - ،
قال الله تعالى :
" تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ "
قال الإمام الشوكاني - رحمه الله -
في " تفسيره " الايه" والإشارة بقوله : ( تلك )
إلى الأحكام المتقدمة ( يعنى : في المواريث ) ،
وسماها حدودا ؛
لكونها لا تجوز مجاوزتها ولا يحل تعديها ،
" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ "
في قسمة المواريث وغيرها من الأحكام الشرعية
كما يفيده عموم اللفظ ؛
" يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ "
إلى أن قال :
" وأخرج ابن ماجه عن أنس ؛
قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" من قطع ميراث وارثه ؛
قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة "
انتهى ..
فمن تصرف في المواريث عن مجراها الشرعي ،
فورَّث غير وارث ،
أو حرم الوارث من كل حقه أو بعضه ،
أو ساوى بين الرجل والمرأة في الميراث ؛
كما في بعض الأنظمة القانونية الكفرية ؛
مخالفا بذلك حكم الله في جعله للذكر مثل حظ الأنثيين ؛
فهو كافر مخلد في النار والعياذ بالله ،
إلا أن يتوب إلى الله قبل موته ..
إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون النساء والصغار من الميراث ،
ويجعلونه للذكور الكبار الذين يركبون الخيل ويحملون السلاح ،
فجاء الإسلام بإبطال ذلك ،
وقال الله تعالى :
" لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ
وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ
مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا " ،
وهذا لدفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء والصغار ،
وفي قوله تعالى :
" يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ "
وفي قوله :
" وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ "
إبطال لما عليه بعض الجاهليات المعاصرة
من تسوية المرأة بالرجل في الميراث
محادة لله ورسوله وتعديا لحدود الله ،
فالجاهلية القديمة منعت المرأة من الميراث بالكلية ،
والجاهلية المعاصرة أعطتها ما لا تستحقه ،
ودين الإسلام أنصفها وأكرمها وأعطاها حقها اللائق بها ،
فقاتل الله الكفار والمنافقين والملحدين الذين
" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ
وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " ..
أسباب الإرث وبيان الورثة :
===============
الإرث هو انتقال مال الميت إلى حي بعده حسبما شرعه الله ..
وله أسباب ثلاثة :
===========
أولها : الرحم :
أي : القرابة ،
وهم قرابة النسب ،
قال الله تعالى :
" وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ "
سواء قربت القرابة من الميت أو بعدت ،
إذا لم يكن دونها من يحجبها .
وتشمل أصولا وفروعا وحواشي :
فالأصول هم الآباء والأجداد وإن علوا بمحض الذكور ،
والفروع هم الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا ،
والحواشي هم الإخوة وبنوهم وإن نزلوا
والأعمام وإن علوا وبنوهم وإن نزلوا .
والثاني :
النكاح :
وهو عقد الزوجية الصحيح ،
ولو لم يحصل به وطء ولا خلوة ؛
لعموم قوله تعالى :
" وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ "
إلى قوله :
" وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ " .
ويتوارث بعقد الزوجية الزوجان من الجانبين ؛
فكل منهما يرث الآخر للآية الكريمة ،
ويتوارث به الزوجان أيضا في عدة الطلاق الرجعي ؛
لأن الرجعية زوجة ،
وقولهم :
" عقد الزوجية الصحيح " :
يخرج به العقد غير الصحيح ؛
فلا توارث بالنكاح الفاسد ؛
لأن وجوده كعدمه .
والثالث :
ولاء العتاقة ؛
وهو عصوبة ،
سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق ،
ويورث بها من جانب واحد فقط ،
فالمعتق يرث عتيقه دون العكس ،
ويخلف المعتق من بعده عصبته بالنفس دون العصبة بالغير أو مع الغير .
والدليل على التوريث بالولاء قوله - صلى الله عليه وسلم - :
" الولاء لحمة كلحمة النسب "،
رواه ابن حبان في " صحيحه "
والحاكم وصححه ،
فشبه الولاء بالنسب ،
والنسب يورث به ؛
فكذا الولاء ،
وهذا بالإجماع ،
وفي " الصحيحين " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
: " إنما الولاء لمن أعتق " .
أقسام الورثة باعتبار الجنس :
=================
الورثة ينقسمون باعتبار الجنس إلى ذكور وإناث
والوارثون من الذكور عشرة :
- الابن وابنه
وإن نزل بمحض الذكور ؛
لقوله تعالى :
" يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ "
وابن الابن يعد ابنا ؛
لقوله تعالى :
" يَابَنِي آدَمَ "
" يَابَنِي إِسْرَائِيلَ " .
- والأب وأبوه
وإن علا بمحض الذكور ؛
كأبي الأب وأبي الجد ؛
لقوله تعالى :
" وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ "
والجد أب ،
وقد أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - السدس .
- والأخ مطلقا ،
سواء كان شقيقا أو لأب أو لأم ؛
لقوله تعالى :
" يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ
إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ
وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ
"الآية ؛
فهذه في الأخوة لغير الأم ،
وقال في الأخوة لأم :
" وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ".
- وابن الأخ لغير أم ،
أما ابن الأخ لأم ؛
فلا يرث ؛
لأنه من ذوي الأرحام .
- والعم لغير أم وابنه وإن نزل بمحض الذكور ؛
لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
" ألحقوا الفرائض بأهلها ؛
فما بقي ؛ فلأولى رجل ذكر " .
- والزوج ؛
لقوله تعالى :
" وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ " .
- والعاشر ذو الولاء ،
وهو المعتِق أو من يحل محله ،
لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
" الولاء لحمة كلحمة النسب "
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
" وإنما الولاء لمن أعتق " .
والوارثات من النساء سبع :
===============
- البنت وبنت الابن وإن نزل أبوها بمحض الذكور ؛
لقوله تعالى :
" يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ
وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ " .
- والأم والجدة ؛ لقوله تعالى :
" فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ "
وعن بريدة مرفوعا :
" للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم " ،
رواه أبو داود .
- والأخت مطلقا شقيقة أو لأب أو لأم ؛
لقوله تعالى :
" وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ "
ولقوله تعالى :
" إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ "
إلى قوله :
" فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ " .
- والزوجة ،
لقوله تعالى :
" وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ " ...
الآية .
- والمعتقة ،
لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
" إنما الولاء لمن أعتق " .
هذه جملة الوارثين من الذكور والإناث .
وعند التفصيل يبلغ الرجال خمسة عشر
وتبلغ الإناث عشرا ، و
يعرف ذلك بالتأمل والرجوع إلى المصادر .
والله تعالى أعلم .
أنواع الورثة باعتبار الإرث :
==============
والورثة باعتبار الإرث ثلاثة أنواع
نوع يرث بالفرض ،
ونوع يرث بالتعصيب ،
ونوع يرث لكونه من ذوي الأرحام .
فصاحب الفرض :
هو الذي يأخذ نصيبا مقدرا شرعا لا يزيد إلا بالرد ولا ينقص إلا بالعول .
والعصبة : هم الذين يرثون بلا تقدير .
- وذوو الأرحام هم الذين يرثون عند عدم أصحاب الفروض غير الزوجين وعدم العصبات .
وذوو الفروض عشرة أصناف :
الزوجان ،
والأبوان ،
والجد ،
والبنات ،
وبنات الابن ،
والأخوات من كل جهة ،
والأخوة من الأم ذكورا وإناثا .
________________________________________________________
ميراث الأزواج والزوجات :
=============
للزوج النصف مع عدم الولد وولد الابن ،
والربع مع وجوب الولد أو ولد الابن :
لقوله تعالى :
" وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ
فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ " .
وللزوجة فأكثر الربع مع عدم الفرع الوارث ،
والثمن مع وجوده :
لقوله تعالى :
" وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ " .
والمراد بالفرع الوارث أولاد الميت وأولاد بنيه .
ميراث الآباء والأجداد :
==============
ولكل من الأب والجد :
السدس فرضا مع ذكور الولد وولد الابن ؛
لقوله تعالى :
" وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ".
ويرث الأب والجد بالتعصيب مع عدم الولد وولد الابن ،
لقوله تعالى :
" فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ "،
فأضاف الميراث إلى الأبوين الأب والأم ،
وقدَّر نصيب الأم ،
ولم يقدر نصيب الأب ،
فكان له الباقي تعصيبا .
ويرث الأب والجد بالفرض والتعصيب معا
مع إناث الأولاد وأولاد البنين ،
لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
" ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " ؛
أي :
فلأقرب رجل من الميت ، والأب هو أقرب ذكر بعد الابن وابنه .
فتلخص أن للأب ثلاث حالات :
================
الحالة الأولى :
يرث فيها بالفرض فقط ،
وذلك مع وجود ابن الميت لصلبه أو ابن ابنه وإن نزل .
والحالة الثانية :
يرث فيها بالتعصيب فقط مع عدم الولد وولد الابن .
والحالة الثالثة :
يرث فيها بالفرض والتعصيب معا
مع وجود الإناث من ولد الميت أو من ولد ابنه .
والجد مثل الأب في مثل هذه الحالات ؛
لتناول النصوص له إذا عدم الأب ،
ويزيد الجد على الأب حالة رابعة ،
وهي ما إذا وجد معه إخوة أشقاء أو لأب ،
فقد اختلف في هذه الحالة :
هل يكون فيها مثل الأب يحجب الإخوة أو لا يحجبهم
ويشاركونه في الميراث ويكون كواحد منهم يتقاسمون المال
أو ما أبقت الفروض على كيفيات معروفة في هذا الباب ؛
لأن الجد والإخوة تساووا في الإدلاء بالأب ؛
فالجد أبوه ،
والإخوة أبناؤه ،
فيتساوون في الميراث ؛
كما ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة ؛
كعلي ،
وابن مسعود ،
وزيد بن ثابت ،
وهو قول الإمام مالك والشافعي
وصاحبي أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه ،
واستدلوا بأدلة وتوجيهات وأقيسة كثيرة مذكورة في الكتب المطولة .
والقول الثاني :
أن الجد يسقط الإخوة كما يسقطهم الأب ،
وذهب إلى ذلك
أبو بكر الصديق
وابن عباس
وابن الزبير ،
وروي عن عثمان
وعائشة
وأبي بن كعب
وجابر
وغيرهم ،
وهو قول الإمام أبي حنيفة ،
ورواية عن الإمام أحمد ،
واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية
وابن القيم
والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع ،
ولهم أدلة كثيرة ،
وهذا القول أقرب إلى الصواب من القول الأول ،
والله أعلم .
ميراث الأمهات :
=========
للأم ثلاث حالات :
الحالة الأولى :
ترث فيها السدس ،
وذلك مع وجود الفرع الوارث من أولاد الميت أو أولاد بنيه ،
أو مع وجود اثنين فأكثر من الإخوة ؛
لقوله تعالى :
" وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ "
إلى قوله تعالى :
" فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ " .
الحالة الثانية :
ترث فيها الثلث ،
وذلك مع عدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين ،
وعدم الجمع من الإخوة والأخوات ؛
لقوله تعالى :
" فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ
فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ " .
الحالة الثالثة :
ترث فيها ثلث الباقي
إذا اجتمع زوج
واب
وأم
أو زوجة
وأب
وأم ،
وتسمى هاتان المسألتان بالعمريتين ؛
لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قضى فيهما
أن للأم ثلث الباقي بعد الموجود من الزوجين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
" وقوله أصوب ؛
لأن الله إنما أعطى الأم الثلث إذا ورثه أبواه ؛
يعني : في قوله تعالى :
" فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ "
والباقي بعد فرض الزوجين
هو ميراث الأبوين يقتسمانه كما اقتسما الأصل ،
وكما لو كان على الميت دين أو وصية
فإنهما يقتسمان ما بقي أثلاثا " .
ميراث الجدة :
=========
المراد بالجدة هنا الجدة الصحيحة ،
وهي كل جدة أدلت بمحض الإناث ؛
كأم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص ؛
وكأم الأب وكل جدة أدلت بمحض الذكور ؛
كأم أبي الأب وأم أبي أبي الأب ،
أو أدلت بإناث إلى ذكور ،
كأم أم الأب ، وأم أم أم أبي الأب ،
أما الجدة المدلية بذكور إلى إناث
كأم أبي الأم وأم أبي أم الأب فهذه لا ترث ؛
لأنها من ذوي الأرحام .
فضابط الجدة الوارثة هي من أدلت بإناث خلص أو بذكور خلص
أو بإناث إلى ذكور ،
وضابط الجدة غير الوارثة هي :
من أدلت بذكور إلى إناث ،
وبعبارة أخرى :
من أدلت بذكر بين أنثيين هي إحداهما .
ودليل توريث الجدة السنة والإجماع :
- فأما السنة ؛
فمنها حديث قبيصة بن ذؤيب ؛
قال :
" جاءت الجدة إلى أبي بكر ، فسألته ميراثها ،
فقال :
ما لك في كتاب الله شيء ،
وما علمت لك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ،
فارجعي حتى أسأل الناس .
فسأل الناس ،
فقال المغيرة بن شعبة :
حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس .
فقال :
هل معك غيرك ؟
فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة ،
فأنفذه لها أبو بكر
" قال : "
ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر ،
فسألته ميراثها ،
فقال : ما لك في كتاب الله شيء ،
ولكن هو ذاك السدس ،
فإن اجتمعتما فهو بينكما ،
وأيكما خلت فهو لها " .
رواه الخمسة إلا النسائي ،
وصححه الترمذي .
وعن بريدة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
" جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم "
رواه أبو داود ،
وصححه ابن السكن ، وابن خزيمة ، وابن الجارود .
فهذان الحديثان يفيدان استحقاق الجدة السدس ،
وهي - كما قال الصديق وعمر - رضي الله عنهما -
ليس لها في كتاب الله شيء ؛
لأن الأم المذكورة في كتاب الله مقيدة بقيود
توجب اختصاص الحكم بالأم الدنيا ،
فالجدة وإن سميت أما ؛
لم تدخل في لفظ الأم المذكورة في الفرائض ،
وإن دخلت في لفظ الأمهات في قوله تعالى :
" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ "
ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس ؛
فثبت ميراثها إذًا بالسنة .
وكذا ثبت ميراثها بإجماع العلماء ؛
فلا خلاف بين أهل العلم في توريث أم الأم ،
وأم الأب ،
واختلفوا فيما عداهما ؛
فورث ابن عباس وجماعة من العلماء الجدات وإن كثرن
إذا كن في درجة واحدة ؛
إلا من أدلت بأب غير وارث ؛
كأم أبي الأم ،
وورث بعضهم ثلاث جدات فقط هن
أم الأم
وأم الأب
وأم الجد أبي الأب
ويشترط لتوريث الجدة عدم وجود الأم ؛
لأن الجدة تدلي بها ،
ومن أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة ،
إلا ما استثني ،
وهذا بإجماع أهل العلم أن الأم تحجب الجدة من جميع الجهات .
كيفية توريث الجدات :
إذا انفردت واحدة من الجدات ،
ولم يكن دونها أم ؛
أخذت السدس كما سبق ،
ليس لها أكثر منه ،
والقول بأن لها الثلث عند عدم الولد وعدم الجمع من الإخوة كالأم
في ذلك قول شاذ لا يعوَّل عليه .
وإذا وجد جمع من الجدات :
فإن تساوين في الدرجة ؛
فإنهن يشتركن في السدس ؛
لأن الصحابة شركوا بينهن ؛
ولأنهن ذوات عدد ،
لا يشاركهن ذكر ،
فاستوى كثيرهن وواحدتهن كالزوجات ،
ولعدم المرجح لإحداهن .
ومن قربت منهن إلى الميت ؛
فالسدس لها وحدها ،
سواء كانت من جهة الأم أو من جهة الأب ،
وتسقط البعدى ؛
لأنهن أمهات يرثن ميراثا واحدا ،
فإذا اجتمعن مع اختلاف الدرجة ،
فالميراث لأقربهن .
وترث الجدة أم الأب مع وجود الأب ،
وترث الجدة أم الجد مع وجود الجد ،
ولا تسقط بمن أدلت في هذه الحالة ؛
على خلاف القاعدة :
أن من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة
؛ لما روى ابن مسعود - رضي الله عنه -
أنه قال في الجدة مع ابنها :
" إنها أول جدة أطعمها
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سدسا مع ابنها وابنها حي "
رواه الترمذي ،
والعلة في ذلك أنها لا ترث ميراث من أدلت به
حتى تسقط به إذا وجد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
" وقول من قال :
من أدلى بشخص سقط به :
باطل طردا وعكسا ،
باطل طردا بولد الأم مع الأم ،
وعكسا بولد الابن مع عمهم ،
وولد الأخ مع عمهم ،
وأمثال ذلك مما فيه سقوط شخص بشخص لم يدل به ،
وإنما العلة أنها ترث ميراثه ،
فكل من ورث ميراث شخص سقط به إذا كان أقرب منه ،
والجدات يقمن مقام الأم فيسقطن بها ،
وإن لم يدلين بها ، والله أعلم " .
في ميراث البنات :
===========
البنت الواحدة تأخذ النصف بشرطين :
الشرط الأول :
انفرادها عمن يشاركها من أخواتها .
والشرط الثاني :
انفرادها عمن يعصبها من إخوتها .
وذلك لقوله تعالى :
" يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ
وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ "
فقوله :
" وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً "
يؤخذ منه اشتراط انفرادها عمن يشاركها من أخواتها ،
وقوله تعالى :
" لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ "
يؤخذ منه اشتراط عدم المعصب .
وبنت الابن تأخذ النصف بثلاثة شروط :
الشرط الأول :
عدم المعصب لها ،
وهو أخوها ، أو ابن عمها الذي في درجتها .
والشرط الثاني :
عدم المشارك لها ؛
وهو أختها ، أو بنت عمها التي في درجتها .
والشرط الثالث :
عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها .
والبنات اثنتان فأكثر تأخذان الثلثين ،
وذلك بشرطين :
الشرط الأول :
أن يكن اثنتين فأكثر .
والشرط الثاني :
عدم المعصب ، وهو ابن الميت لصلبه ،
وذلك لقوله تعالى :
" يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ "
فاستفيد من قوله :
" لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ "
اشتراط عدم المعصب في ميراث البنات الثلثين ،
واستفيد من قوله تعالى :
" فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ "
اشتراط كونهن اثنتين فأكثر .
لكن قد أشكل لفظ :
" فَوْقَ اثْنَتَيْنِ "
في الآية الكريمة ؛
إذ ظاهره أن البنتين لا تأخذان الثلثين ،
وإنما تأخذه الثلاث فأكثر ؛
كما هو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -
والجمهور من أهل العلم على خلافه ،
وأن البنتين تأخذان الثلثين بدليل حديث جابر - رضي الله عنه -
قال :
" جاءت امرأة سعد بن الربيع
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنتيها من سعد ،
فقالت :
يا رسول الله ! هاتان ابنتا سعد بن الربيع ،
قتل أبوهما معك في أحد شهيدا ،
وإن عمهما أخذ مالهما ،
فلم يدع لهما مالا ،
ولا تنكحان إلا بمال .
فقال :
( يقضي الله في ذلك )
فنزلت آية الميراث ،
فأرسل رسول الله إلى عمهما ،
فقال :
( أعط ابنتي سعد الثلثين ،
وأمهما الثمن ،
وما بقي فهو لك "
رواه الخمسة إلا النسائي ،
وحسنه الترمذي ،
وهو يدل على أن للبنتين الثلثين ،
وهو نص في محل النزاع ،
وتفسير من النبي - صلى الله عليه وسلم -
لقوله تعالى :
" فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ "
وبيان لمعناها ،
لا سيما وأن سبب نزولها قصة ابنتي سعد بن الربيع ،
وسؤال أمهما عن شأنهما ،
وحين نزلت أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما .
ويجاب عن لفظة فَوْقَ اثْنَتَيْنِ
التي استدل بها من رأى عدم توريث البنتين الثلثين
حتى يكن ثلاثا فأكثر بأجوبة :
منها :
أن هذا من باب مطابقة الكلام بعضه لبعض
؛ لأنه سبحانه وتعالى قال :
" يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ "
فالضمير في ( كن )
مجموع يطابق الأولاد إن كان الأولاد نساء ؛
فاجتمع في الآية الكريمة ثلاثة أمور :
لفظ ( الأولاد )
وهو جمع ،
وضمير ( كن )
وهو ضمير جمع ،
و( نساء )
وهو اسم جمع ؛
فناسب التعبير بفوق اثنتين .
ومن الأجوبة عن هذا الإشكال :
أن الله تعالى جعل للذكر مثل حظ الأنثيين ،
فإذا أخذ الذكر الثلثين والأنثى الثلث ؛
علم قطعا أن حظ الأنثيين الثلثان ؛
لأنه إذا كان للواحدة مع الذكر الثلث ؛
فلأن يكون لها مع الأنثى الثلث أولى وأحرى ،
وهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى ،
فإذا كان سبحانه قد ذكر ميراث الواحدة نصا
وميراث الثنتين تنبيها ؛
فإن كلمة
" فَوْقَ اثْنَتَيْنِ "
تفيد أن الفرض لا يزيد بزيادة العدد ،
حتى ولو كن فوق اثنتين ،
والله أعلم .
وبنتا الابن مثل بنات الصلب في استحقاقهن الثلثين ،
سواء كانتا أختين أو بنتي عم متحاذيتين ؛
فتأخذان الثلثين قياسا على بنتي الصلب ؛
لأن بنت الابن كالبنت ،
لكن لا بد لهما من توفر ثلاثة شروط :
الشرط الأول :
أن يكن اثنتين فأكثر .
الشرط الثاني :
عدم المعصب ،
وهو ابن الابن ،
سواء كان أخا لهما ،
أو كان ابن عم لهما في درجتهما .
الشرط الثالث :
عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منهما من ابن صلب ،
او ابن ابن ،
أو بنات صلب ،
أو بنات ابن واحدة فأكثر ،
والله أعلم .
يتبع باذنه تعالى ..