كم كنت أنظر اليها وأتأملها بشوق
ما أجملها وما أحلاها وما أعظمها وما أبهاه
هو بحر ليس كالبحار ..
بحر عميق عظيم مترامي بلا نهاية ..
لايصل الى نهايته أحد ..
لأنه لا حد له ولا طرف ..
يمتزج فيه الجمال والجلال والصفاء والبهاء ..
اذاً لاتقولو بحر بل قولو محيط ..
ليس بهذا كله ..
هو شيء فوق هذا وأعظم من هذا
آه لو أبحرتُ فيه ..
اه لو خضتُ فيه ..
آه لو أشرفتُ على شيء من جماله وعظمته وسره ..
آه لو أدركتُ شيئاً من أسراره ..
مرة وأنا كنتُ أتأمله
وأطلق العنان للعقل والروح والقلب في عظمته وبهائه ..
مرت بي سفينة على رأسها قبطان..
عرف ما أريد وما أحلم به ..
قال لي :
أتحبها يا رجل ؟؟
قلت : أجل والله كثيراً
قال : اذاً هيا تعال معي لتبحر معي ..
تعال لأعرفك عليه ..
تعال لأريك بعض مافيه لأن ادراك كله محال ..
فيه عوالم وأسرار ومعارف وأنوار ..
لو أدركتها أدركت سعادة أبدية ولذة..
هنالك الروح والريحان والسعادة والأمان ..
هنالك يجتمع العاشقون ويرتاح المحبون ..
فيه روحهم وريحانهم وجنتهم وسعادتهم ..
تعال هيا يافتى لتدركهم وتدرك ما أدركوه ..
تعال معي في السفينة
فأنا نوحي الهوية
أصنع الفلك للعاشقين من أمثالك ليبحروا فيها ..
ثم بعد أن تجري بعناية ورعاية
ستستقر في النهاية
وتستوي على جودي ما تصبو اليه
ونهاية ما تحلم بالوصول اليه ....
أسعد كل الطالبين من أمثالك
وأحمل عنك كل عنائك وبلائك
فأسعد بسعادتك
وأفرح لفرحك
وأهنأ بتحقق خلودك ..
كانت لحظة غامرة ..
غمرتني فيها السعادة ..
الحلم سيتحقق أخيراً
والأماني سوف تصبح حقائق ..
ها قد وجدت الدليل الذي سيوصلني الى عشقي ..
أعطيته يدي وقلت له :
تفضل استلم نفسي وقلبي وروحي ..
قال : لكن الغور عميق والأمواج عاتية
وسوف تواجه الكثير مما يعيقك
ولن تستطيع التغلب على ذلك كله الا بالصدق والعزيمة
فهل تستطيع الصبر معي ؟..
قلت له : ((ستجدني ان شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمرا ))..
قال : اذاً هيء نفسك للابحار
فالسير لحبِك أوشك على الانطلاق والابحار قريب ..
وبدأت الابحار معه
وكنت متحمساً متعطشاً
قطعت يسيراً من الطريق ..
كانت بداية مشرقة ..
ورحلة مشوقة
لاحت في بداياتها بشائر أفراحي ونجاحي
وزوال همومي وأتراحي ..
لكن سرعان ما بدأت الأمواج تتعالى وتتدافع ..
قلت: لا يهم ..
ازدادت قوتها وكثرت لطماتها ..
شعرت بشيء من التعب والضيق ..
لكنني لم أستسلم ولم أضعف ..
اشتدت حدتها وعصفت بي أنواؤها ..
لأول مرة أحسست بالضعف الشديد ..
رجعت لنفسي هل أستمر ؟؟
لماذا لا أرتاح قليلاً وأعود لحياتي ونفسي
عدت لنفسي قليلاً
وكان خطأ عمري أن عدت لنفسي للحظة واحدة
فوجد فيها غريمي أربه
ولقي فيها طلبه ..
قال لي : مالك ومال هذا التعب ؟؟
لماذا ترمي بنفسك للمصاعب
وتعرض ذاتك للأهوال والمصائب ؟؟!!
الطريق طويل والمسير مديد
والمفاوز كثيرة والأمواج عاتية ..
ستتعب نفسك وترهقها وتزهقها
أرح نفسك وانظر وراءك ..
أترى هناك ؟؟
هناك حدائق جميلة
تقضي فيها وقتك
وتريح فيها نفسك
فيها لذة عظيمة
حيث لاتعب ولانصب ..
طاوعت موسوسي
فامتد طرفي لتلك الجنان الزائفة ..
رأيت أناساً يلهون ويلعبون ..
.. يتمتعون بأنواع من الطعام والشراب ..
في ظلال وأزهار يشمونها يقطفونها يعبثون بها ..
وقفت أنظر اليهم
فاستزلتني الأمارة لمشاركتهم
فقاسمتهم شيئاً من طعامهم وشرابهم ..
لهوت قليلاً معهم ..
لكن هذا القليل كان في حساب العمر كثير ..
اذ الوقت يمر كالبرق ..
شعرت بشيء من اللذة
لكنها كانت زائفة زائلة سرعان ما تنقضي ..
ياللحسرة والألم ..
والفوت والندم ..
آه لقد أضعت عمري فيما لا طائل منه !!
انتبهت سريعاً وعدت الى عشقي وحبي ..
كم ابتعدت عنك وانشغلت عنك ..
أحسست بأن ماكنت فيه أمام عظمته وجماله
ليس سوى وهم وسراب وخيال وعذاب ..
واشتد ألمي وندمي ..
رآني القبطان وأنا على هذه الحالة
فاستنهضني وابتسم ..
وقال لي : لاتيئس ولا تندم ..
تعال وحاول مرة أخرى
فاليأس ليس له عند المحبين نصيب
وليس هو من العاشقين بقريب ..
عدت للابحار معه من جديد
وجددت العزم والأمل ..
لكني لقيت مالقيته في المرة الأولى .
عاودت الكرة من جديد
وعادت تلك الحدائق الخادعة لتتزين أمامي من جديد
أتوهم أني سأرتاح فيها
وفي كل مرة أندم !
آه منك أيتها النفس
كم أمرتني فأطعتك
وكم خدعتني وأوهمتني فطاوعتك .. ؟؟
الى متى وأنت توهميني وتغرين بي وتخذليني ؟؟
قالت لي : (
( هل أدلك على شجرة السعادة ولذة الخلد التي لاتبلى ))
هكذا كان النداء منها ..
فيا للندامة ويا للحسرة !!
أي سعادة وأي خلد ..
ان هي الا عذاب وفناء وضنك وضيق وهم .
كان قبطاني في كل مرة أقع فيها
ينظر الي بين الحين والآخر ..
نظراته كلها شفقة ..
كلها رحمة ..
كلها حسرة على ما أضعت من عمري دون أن أبلغ ما أريد ..
دائماً أسمع صوته في أذني وهو يناديني في كل مرة :
(( يابني اركب معنا ولاتكن مع الغافلين ..
هذا هو مركب سلامتك
وذاك هو بحر عشقك فلم تتخلف عنه )) ..
أراه في السفينة يبحر دائماً بعيداً عميقاً
ومعه أناس أعرفهم جيداً ..
يالهناهم لقد وصلوا ..
الى أين لا أدري ! ..
لكنهم وصلوا الى مايريدون أو الى بعض مايريدون ..
يالهناهم ويا لفوزهم وحظهم العظيم ..
ويا لتعاسة نفسي وهواي وحظي .
كم جلست أبكي وأبكي على ما مضى من عمري
دون الوصول لحلمي وعشقي ..
كم جلست أنعي نفسي وموتي ..
هذا هو الموت بعينه ..
أجل والله لا معنى للموت الا هذا ..
وتلك هي الحياة بعينها
أيها العشق الأبدي
كم من أناس مضوا من غير أن يعرفوك ..
دون أن يصلوا اليك ..
دون أن يطلبوك حتى
وكم من أناس عشقوك وأخلصوا في طلبك
فمضوا يبحرون عباب بحرك
غير عابئين بما يجدون في سبيلك ..
حتى وصلوا الى شاطئ أنسك وقربك ..
أما أنا فلا حظ لي منك الا حلمي ومحبتي ..
أحبك لكنني لم أبحر ولم أخض
ولم أجد لنفسي في سبيلك عزما .
وبعد ......
الى متى أيتها النفس ؟؟
هل سيبقى الحلم حلماً دون أن يتحقق ؟؟
هل ستبقين تعادوين الكرة تلو الكرة ثم تنكصين ؟؟
آآه ثم آآه
ماذا بقي منك
وهذا الشيب قد غزاك ؟؟
ووهن الكبر قد اعتراك ؟؟
الى متى أبقى بعيداً عن حبي وعشقي ؟؟ ..
ومازال القبطان حياً يبحر ويبحر ويبحر
ومعه العاشقون المخلصون .
هل لك حظ من تحقيق الحلم قبل أن ينقضي الأجل ؟؟
أم ستموت موت الجهلاء
فلا نامت أعين الجبناء !!
مازال الأمل موجود
والرجاء ممدود ..
ومازال قبطاني يناديني ..
وعشقي يجاذبني ..
وهواي يخدعني ..
وموسوسي يغريني
لكنني مهما ابتعدت وخُذلت
سأبقى أحاول وأحاول
فربما يوماً أصل ..
سأبقي أحبكِ وأحبك وأحبكِ ..