من الصفات الحميدة
والأخلاق الفاضلة
التي حث عليها الإسلام
التوبة
فباب التوبة والاستغفار مفتوح للعبد ما لم يغرغر
وهى عطية من الله تعالى
أعطاها لعبيدة حتى يعودوا إلى حظيرة الإيمان .
معنى التوبة:
=======
أصل التوبة
العودة والرجوع والإنابة إلى الله
قال أبو منصور
: أصل تاب عاد إلى الله ورجع وأناب
وشرعاً :
قال محمد الصديقي:
أحسن ما قيل في معناها
هو الرجوع من البعد عن الله
إلى القرب إليه سبحانه وتعالى
وهذا التعريف
مطابق لما قاله الإمام الغزالي
من أن التوبة هي
الرجوع عن الطريق المبعد عن الله
المقرب إلى الشيطان.
وقال الإمام الغزالي:
وكثيراً ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم.
ولعل الإمام الغزالي
قد أخذ هذا المفهوم من حديث
رواه ابن حبان بسنده
عن أنس بن مالك رضي الله عنه
حين سأله حميد الطويل:
أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الندم توبة؟
قال:
نعم
ففي هذا الحديث
بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الندم توبة
وفي هذا دلالة على أهمية الندم في شروط التوبة
وليس التوبة نفسها
وقد قال ابن حجر:
أن الندم هو الركن الأعظم في التوبة
لا أنه التوبة نفسها.
وقد ذكر الإمام النووي شروط التوبة
بقوله:
فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله
لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أحدها أن يقلع عن المعصية.
والثاني أن يندم على فعلها.
والثالث أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي
فشرطها أربعة
هذه الثلاثة
وأن يتبرأ من حق صاحبها
فإن كانت مالاً أو نحوه رد إليه
وإن كان حد قذف ونحوه مكنه منه
أو طالب عفوه
وإن كان غيبة استحله منها.
الأمر بالتوبة:
وقد دلت الآيات والأحاديث على الأمر بالتوبة
وكفى بأهميتها أنه سبحانه وتعالى
قد خصص في القرآن الكريم
سورة أطلق عليها سورة التوبة.
ثم إننا إذا نظرنا إلى كتب الحديث
فلا يخلو كتاب من كتب الحديث من باب خص بالتوبة
أو ذكرت فيه التوبة
وهذا إن دل على شئ فهو يدل على أهميتها
بل هي أول الطريق للوصول إلى مرضاة الله
لأنها تعبر عن جانب التخلية
الذي هو مقدم على جانب التجلية.
ومن الآيات التي دلت على الأمر بالتوبة.
قوله تعالى:
(وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).
فهذا أمر من الله بالتوبة
لعل التائب يكون من المتقين المفلحين
وقوله:
(يأيها الذين آمنوا توبا إلى الله توبة نصوحاً
عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم
ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار).
ففي هذه الآية أمر الله المؤمنين بالتوبة
والمراد بالتوبة هنا هو التوبة الصادقة الجازمة
التي تشتمل على شروط التوبة التي سبق ذكرها
وقوله تعالي
حكاية عن نبينا عليه الصلاة والسلام مع قومه:
(وان استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً).
هنا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم
قومه بالاستغفار ثم بالتوبة
وقد اختلف في توجيه توسيط (ثم) بينهما
مع أن الاستغفار بمعنى التوبة في العرف.
وتتخلص أقوال العلماء في هذا إلى:
أن الاستغفار هو ترك المعصية
والتوبة هي الرجوع إلى الطاعة
والإخلاص فيها والاستمرار عليها.
كان الاستغفار هو التوبة من ذنب قد مضى
وأن التوبة هي الاستغفار من ذنب يقع من الشخص
إما حالاً
وإما مالاً.
أن أصل معنى الاستغفار
طلب الغفران أي الستر
وأن معنى التوبة الرجوع
ويطلق الأول على طلب ستر الذنب من الله
والعفو عنه
والثاني على الندم عليه مع العزم على عدم العودة.
وهذا الأخير هو الأقرب إلى الصواب .
وقد بين الرسول عن ربه
أن بابه دائماً مفتوح بقبول توبة التائب
بالليل وبالنهار
فمن ذلك ما رواه مسلم بسنده
عن أبي موسى
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
’’إن الله عز وجل يبسط يده بالليل
ليتوب مسئ النهار
ويبسط يده بالنهار
ليتوب مسئ الليل
حتى تطلع الشمس من مغربها‘‘.
ففي هذا الحديث
بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم
بأن الله دائماً يغفر ذنوب عباده إذا تابوا
ليلاً كانت التوبة أم نهاراً.
والمراد ببسط اليد قبول التوبة
قال الإمام الغزالي:
"وبسط اليد كناية عن طلب التوبة
– والطالب وراء القابل –
فرب قابل ليس بطالب
ولا طالب إلا وهو قابل".
وإنما ورد لفظ بسط اليد
لأن العرب إذا رضى أحدهم عن الشئ
بسط يده لقبوله
وإذا كرهه
قبضها عنه
فخوطبوا بأمر حسي يفهمونه.
وحتى لا يشعر أحد باليأس أو بالقنوط
متوهماً أن أحداً من الناس معصوم من الخطأ والذنب
إذا زلت به قدمه
بين ذلك الرسول فيما رواه مسلم
بسنده عن أبي أيوب الأنصاري
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم
لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم".
هنا بين الرسول صلى الله عليه وسلم
أنه لو كانت هذه الأمة كلها لا تذنب
لجعل الله أمة أخرى تذنب ثم تتوب فيغفر الله لهم
فهذا يدل على شدة أمره بالتوبة
لأن في التوبة إظهار العبد افتقاره دائماً إلى مولاه
فكلما تعثر في الطريق
فزلت به خطاه
لجأ إلى الله سبحانه وتعالى ضارعاً راجياً
فيحس بأنه عبد مفتقر إلى الله الغفور الرحيم
وليس المراد من الحديث
الأمر بفعل الذنوب
ولكن يقصد منه توضيح لطبيعة البشر
التي زودت بالشهوات والعقل معاً
فإذا اقترف الذنب فليرجع وليتب إلى ربه عز وجل
فإنه عفو غفور لمن تاب.
وتوبة العبد لربه لا تنقص من جانب الربوبية شيئاً
بل بين الرسول صلى الله عليه وسلم
أن الله عز وجل يفرح بتوبة العبد
فرحاً أشد من الرجل الذي لقى راحلته
وهو في اشد الحاجة إليها
فقد روى البخاري بسنده.
عن عبد الله بن مسعود
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً
وبه مهلكة ومعه راحلته عنده".
وفي رواية مسلم عن أنس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه
من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة
فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه
فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها
وقد أيس من راحلته"
فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده
فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح:
اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطا من شدة الفرح".
قال ابن رجب:
هذا على ما يتصوره المخلوق من الفرح.
قبول توبة العبد من الله:
دلت النصوص الكثيرة على أن الله يقبل توبة العبد.
قال تعالى:
(فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح
فإن الله يتوب عليه
إن الله غفور رحيم).
وقال أيضاً:
(فخلف من بعدهم خلف
أضاعوا الصلاة
واتبعوا الشهوات
فسوف يلقون غيا
إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً
فأولئك يدخلون الجنة
ولا يظلمون شيئاً).
والتوبة تخلص المسلم من التعلق بالدنيا
لأن الإنسان بطبعه ميال إلى حب المال
والحرص عليه
ولن يخلصه من هذا الحرص والجشع إلا بتوبته
فقد روى البخاري بسنده
عن ابن عباس رضي الله عنهما يقول:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" لو كان لابن آدم وأديان من مال
لابتغى ثالثاً
ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب
ويتوب الله على من تاب".
فقوله يتوب الله على من تاب
صريح بقبول توبة العبد أيضاً
ما رواه البخاري بسنده
عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر
يدخلان الجنة
يقاتل هذا في سبيل الله
فيقتل
ثم يتوب الله على القاتل
فيستشهد".
هنا يبين الرسول صلى الله عليه وسلم
رجلين يقاتلان
فقتل أحدهما الآخر
فكلاهما في الجنة
وذلك لأن الأول قاتل في سبيل الله
فقتل فدخل الجنة
فأما الثاني أنه بعد أن قتل الأول أسلم وحسن إسلامه
وقاتل في سبيل الله فاستشهد
ومعنى الضحك هنا الرضا
ومما يستنبط من هذا الحديث
أن الله يقبل توبة العبد الكافر إذا أسلم.
وما رواه مسلم بسنده
عن أبي سعيد الخدري
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً
فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب
فأتاه فقال:
أنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة؟؟
فقال:
لا
فقتله فكمل به مائة
ثم سأل عن أعلم أهل الأرض
فدل على رجل عالم
فقال:
أنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟
فقال: نعم
ومن يحول بينه وبين التوبة؟
انطلق إلى أرض كذا وكذا
فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم
ولا ترجع إلى أرضك
فإنها أرض سوء
فانطلق
حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت
فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب:
أنه لم يعمل خيراً قط
فأتاهم ملك في صورة آدمي
فجعلوه بينهم فقال:
قيسوا بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو له
فقاسوه
فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد
فقبضته ملائكة الرحمة.
هنا بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم
بأن الله يقبل توبة العبد
ولو كانت ذنوبه كثيرة وكبيرة
ويدخل الجنة بسبب توبته
وإن لم يعمل خيراً قط غير التوبة
ويؤيد هذا الحديث قوله تعالى:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
وما رواه مسلم أيضاً بسنده
عن أبي ذر
عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما روى عن ربه عز وجل في حديث طويل
جاء فيه قوله تعالى على لسان نبيه:
(يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار
وأنا أغفر الذنوب جميعاً
فاستغفروني أغفر لكم.
ففي هذا الحديث
بيان من الله بأنه يغفر جميع ذنوب عباده إذا تابوا
وفي صحيح ابن حبان:
"يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار
وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي".
وما رواه الترمذي بسنده
عن أنس بن مالك قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
قال الله تبارك وتعالى:
(يا ابن آدم
إنك ما دعوتني ورجوتني
غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي
يا ابن آدم
لو بلغت ذنوبك عنان السماء
ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي
يا ابن آدم
إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا
ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً
لأتيتك بقرابها مغفرة".
ففي هذا الحديث أيضاً
بيان من الله سبحانه وتعالى
بأنه يغفر ذنوب عباده
إذا استغفروا وتابوا ولو كثرت.
والتوبة من الذنوب مأمور بها
ولو كانت الذنوب صغيرة
فقد روى ابن حبان بسنده
عن عائشة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:
"يا عائشة
إن كنت الممت بذنب فاستغفري الله
وتوبي فإن العبد إذا أذنب
ثم يستغفر الله غفر الله له".
وبين الرسول صلى الله عليه وسلم
أن الله لا يمل من قبول توبة عباده حتى يملوا
فقد ذكر الهيثمي
فيما رواه الطبراني في الكبير والأوسط
عن عقبة ابن عامر
" أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال:
يا رسول الله أحدنا يذنب
قال:
يكتب عليه
قال
ثم يستغفر منه ويتوب
قال:
يغفر له ويتاب عليه
قال:
فيعود فيذنب: فيكتب عليه
قال:
ثم يستغفر منه ويتوب
قال:
يغفر له ويتاب عليه
ولا يمل الله حتى تملوا".
فالمؤمن مطالب أن يكون طاهر النفس دائماً
فكما أنه مطالب بطهارة الظاهر من النجس
مطالب كذلك بطهارة الباطن
ولقد صور الرسول الذنب الذي يرتكبه المسلم
بأنه يترك نقطاً سوداء في قلب المسلم
وكلما كثرت الذنوب كثرت النقط
حتى يكون قلبه أسود قاتماً
فلا تزول هذه النقط إلا بالاستغفار والتوبة
فإذا استغفر وتاب سقل قلبه
فقد روى الترمذي بسنده
عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن العبد إذا أخطأ خطيئة
تكتب في قلبه نكتة سوداء
فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه"
وإن عاد زبد فيها
حتى تعلوا قلبه
وهو الذي ذكر الله :
"كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون".
فالمؤمن دائماً يراجع ويحاسب نفسه
ويرى ذنبه كأنه جبل فوق رأسه
يخاف أن يقع عليه
فقد روى البخاري بسنده
عن عبد الله بن مسعود قال:
"إن المؤمن يرى ذنوبه
كأنه قاعد تحت جبل
يخاف أن يقع عليه
وأن الفاجر يرى ذنوبه
كذباب مر على أنفه
فقال به هكذا".
هنا يبين ابن مسعود
أن المؤمن يغلب عليه الخوف
لقوة ما عنده من الإيمان
فلا يأمن العقوبة بسببها
من خلال هذه النصوص
يتبين لنا أن المؤمن مأمور بالتوبة في كل حين
لاسيما حين يذنب فحينئذ لك تجب عليه
وأن الله يقبل توبة العبد ويغفر ذنوبه
كبيرة كانت أم صغيرة
وأن الكافر إذا أسلم غفرت ذنوبه.
وقت التوبة:
يتضح مما سبق أن التوبة مطلوبة
في كل حين
خصوصاً حين يقترف العبد الذنب
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم
بين أوقات عدم قبول التوبة ومن تلك الأوقات:
حين تطلع الشمس من المغرب
فقد سبق آنفاً ما رواه مسلم بسنده
عن أبي موسى
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله عز وجل
يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل
حتى تطلع الشمس من مغربها".
وطلوع الشمس من المغرب
إحدى علامات الساعة الكبرى
وروى مسلم أيضاً بسنده
عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها
تاب الله عليه".
بعد الغرغرة
فقد روى الترمذي بسنده
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"
أي أن الله يقبل توبة العبد ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم
يعني ما لم يتيقن الموت
وفي هذا المعنى ما رواه ابن حبان بسنده
عن أبي ذر رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الله يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب
قيل وما يقع الحجاب؟
قال:
أن تموت نفس وهي مشركة".
يفهم من هذين الحديثين
أن التوبة لا تقبل بعد الموت
أو بعد معاينة الموت
مصداق ذلك قوله تعالى:
(وليست التوبة للذين يعملون السيئات
حتى إذا حضر أحدهم الموت
قال إني تبت الآن) .
من هنا يتبين أن التوبة
لابد أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها
وقبل الغرغرة.
فضائل التوبة
وأثر ذلك على تكوين المجتمع الفاضل:
وقد دلت الآيات
والأحاديث على فضائل التوبة ومنها:
1- أن الله يبدل سيئات التائبين حسنات.
فقد قال الله تعالى:
(إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً
فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) .
وقد ذهب العلماء في معنى قوله:
(يبدل الله سيئاتهم حسنات)
إلى مذاهب:
منهم من قال:
والمراد بالسيئات والحسنات
ملكتهما لأنفسهما
أي يبدل الله عز وجل بملكه السيئات
ودواعيها في النفس
ملكة الحسنات
بأن يزيل الأولى
ويأتي بالثانية.
ومنهم من قال:
"معنى ذلك أن تمحي السيئات نفسها يوم القيامة
من صحيفة أعمالهم ويكتب بدلها الحسنات.
والظاهر أن هذا الأخير هو الأقرب إلى الصواب
لأن الآية في مقام الجزاء الآخرة
فلننظر إلى قوله تعالى
الذي قبل هذه الآية:
(ومن يفعل ذلك يلق أثاما
يضاعف له العذاب يوم القيامة
ويخلد فيه مهانا) .
ثم قال تعالى: (إلا من تاب .... ) الآية.
إن التائبين في محبة الله ورضاه.
فقد قال تعالى:
(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) .
إن التائبين هم المفلحون.
فقد قال تعالى:
(فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً
فعسى أن يكون من المفلحين).
صفحة التائبين بيضاء لا ذنب فيها.
فقد روى ابن ماجه بسنده
عن أبي عبيد الله بن عبد الله عن أبيه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"التائب من الذنب كمن لا ذنب له"
فقد ثبت أن من أحب أن تسره صحيفته
فليكثر من الاستغفار
فقد ذكر الهيثمي
فيما رواه الطبراني في الأوسط
عن الزبير
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من أحب أن تسره صحيفته
فليكثر فيها من الاستغفار).
إن التوابين خير الخطائين.
فقد روى الترمذي بسنده
عن انس رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"
من خلال هذه النصوص
يتبين أن المجتمع الذي تعود أفراده على التوبة
والرجوع إلى الله هو المجتمع المفلح
وهو كذلك المجتمع الذي يكون في محبة الله ورضوانه.
توبة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم
أسوة حسنة لأمته
قال الله تعالى:
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) .
والرسول صلى الله عليه وسلم لما أمر أمته بالتوبة
جعل نفسه قدوة لهم في هذا الأمر الشديد الأهمية
فقد روى مسلم بسنده
عن أبي بردة قال:
سمعت الأمر المزني
وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
يحدث ابن عمر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يأيها الناس توبوا إلى الله
فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة
وفي بعض الروايات أكثر من سبعين مرة"
وكلتا الروايتين
تدلان على كثرة توبته صلى الله عليه وسلم
مع أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
وكانت توبته صلى الله عليه وسلم
لزيادة علو منزلته عند الله
ولإظهار العبودية والافتقار والشكر لمولاه عز وجل
ومع ذلك فهي تعليم لأمته أيضاً.
رزقنا الله جميعا حب التوبه وجعلنا من التوابين المتطهرين
امين .................. امين ................................ امين
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه وسلم