" قصة لا نهايه لها"
ينتابنى شعور عجيب بأننى أسقط ..
ككتلة ثقيلة تهوى فى حفرة بلا قرار و صداع ..
صداع عظيم يجتاح رأسى ..
حاولت فتح عينى لأكتشف أن جفنى كتلتان صلدتان ..
وصمت ثقيل من حولى ..
لاصوت سوى صوت أنفاسى البطيئة
( أين أنا ؟ .. من أنا ؟ )
ضباب كثيف يجثم على ذاكرتى و يحجبها تماماً ..
ببطء فتحت عينى فشعرت بعدة وخزات ما لبثت أن تلاشت ..
الرؤية مختلطة و الصداع اللعين يعصف برأسى ..
مجهود جبار بذلته لأعتدل جالساً بعد أن أعلنت عضلاتى الصدأة عن وهنها ..
ببطء تصير الرؤية أوضح و يتلاشى الدوار و .. وشعرت به .
. جسماً ما يلتصق بمؤخرة رأسى ،
تحسست الموضع فتبينت ضمادة مما يشى بجرح ما ..
أرتدى ما يشبه منامة زرقاء خفيفة
و هذا يفسر تلك البرودة المحببة التى أشعر بها ..
الإضاءة خافتة و الغرفة ضيقة بحق ..
فقط السرير الملتصق بالحائط الذى أرقد فوقه
ثم مسافة قصيرة و حائط ..
هكذا ولا شىء آخر ، لا توجد نوافذ حتى ..
فقط عدة فتحات تهوية بالسقف .
فجأة انطلق صوت أزيز متصل ..
أجفلت و نظرت ناحية الصوت لأرى ماسورتين معدنيتين رفيعتين
انطلق من إحداهما سائل ما و استقر فى سلطانية معدنية أسفل الماسورة..
نهضت متجهاً ناحية المشهد لألاحظ وجود فتحة صغيرة
فى الأرض جوار الماسورتين ..
قربت السلطانية إلى أنفى ولكن السائل كان بلا رائحة ..
لزجاً ، دافئاً كان عندما مددت إصبعى السبابة لأحفر خندقاً داخله..
لعقت إصبعى ليصدمنى الطعم
الذى كان مزيجاً مقززاً من الملوحة و السكرية
ما هذا المكان؟ والأهم .. من أنا؟!
***
طقساً شتوياً صرفاً خاصة مع تلك الغيوم الكثيفة ..
مشهد لا ينقصه سوى بعض الأمطار ليكون لوحة رائعة
تعبر عن منتصف الشتاء .. العجيب
أن برودة الطقس هذه لا تعكس مطلقاً الجو المضطرب فى هذه المنطقة .
جمع غفير هو ..
البعض يحمل لافتات و البعض الآخر اكتفى بالجلوس فى أوضاع تمثيلية ..
الأنفاس المتلاحقة ، دقات القلب المتسارعة .. مشاعر اجتاحتهم جميعاً
وعلى مقربة منهم كان جمعاً أخراً ..
جمعاً بدا على أفراده الصرامة و التنظيم و إن كان أقل من الجمع الاول ..
مشهد ليس غريباً على أى حال .. مجرد مظاهرة صامتة أخرى..
***
دوى صوت الإنفجار عنيفاً ليستيقظ مفزوعاً
وقد صار قلبه بين ضلوعه كالبهلوان ..
تمالك روعه بعد لحظات و مسح وجهه بكفيه مطلقاً سبة خافتة ..
ضغط زر إطفاء المنبه بجواره كى لا يتكرر ذلك الصوت المزعج ثانيأً ..
من بين كل الأصوات الموجودة بالمنبه لم يختر إلا صوت الإنفجار ..
طريقة عجيبة هى فى الإستيقاظ و لكنها تناسب أمثاله عموماً
من أصحاب النوم الثقيل .
. أزاح الأغطية وبدأ فى ممارسة طقوس الصباح المعتادة ..
لم يمض الكثير من الوقت قبل أن ينطلق بسيارته وسط الشوارع المزدحمة
رغم عشرات الكبارى والمحاور التى بنيت مؤخراً
إلا أن الإزدحام مازال آفة المدينة الأبدية ..
ساعة مملة قضاها فى الشوارع المختنقة قبل أن يصل لمقر الجريدة .
هناك داخل المبنى الضخم المفعم بالحركة قابله أحدهم
مخبراً إياه أن رئيس التحرير يريده بمكتبه ..
لم يكن من هواة التخمينات ولكن لِمَ يشعر أن الأمر ليس جيداً؟!
***
فترة لا بأس بها قضيتها أدور حول نفسى فى تلك الغرفة الضيقة ،
و الصداع قد اختفى مخلفاً طنيناً كأسراب نحل تمرح داخل رأسى ..
فى النهاية لم أجد بداً من الجلوس أرضأ مستندا إلى الحائط
مازالت حياتى ضائعة خلف ذلك الجدار من الضباب المخيم على ذاكرتى ..
برهة من الوقت مرت غرقت فيها ببحر الخواء ..
ألم .. أشعر به يتسلل حثيثاً فى معدتى ..
ذلك السائل الكريه مؤكد هو السبب .. أين أنا؟
من جديد يعاودنى ذلك السؤال ..
فى غمرة بحثى عن هويتى نسيت تماماً ذلك السؤال ..
حقا ما هذا المكان؟
ولأول مرة أفطن أننى لم أرَ أى كائن حى منذ فتحت عينى ..
نهضت متطلعاً الغرفة من حولى ..
هل هى مستشفى؟ ..
كيف أترك وحيداً هكذا إن كانت كذلك وكيف تكون الغرفة بلا باب
بلا باب؟ ..
من جديد أواصل ملاحظاتى العبقرية المبكرة جداً ..
الغرفةفعلاً بلا باب ..
أربعة جدران وسرير و ماسورتان غبيتان ..
كيف دخلت الغرفة إذن؟
نظرت إلى الجدران فانتابنى شعور عجيب
وكأنها ترمقنى ساخرة من مدى غبائى ..
هناك باب فى مكان ما .. لم أتجسده فى الغرفة ببساطة
تحسست الجدار المواجه لى كان بارداً ، أملساً كالمعدن
بل هو معدن بالفعل .. جدار معدنى .. أو .. أو باب معدنى ..
باب و جدار فى وقت واحد
نظام معقد يذكرنى بالـ .. بالسجون
نعم .. من قد يبنى غرفة كهذه إلا إذا كان المبنى سجناً ..
غرفة بباب مخبأ لا يفتح من الداخل كى يحجز وراءه الوحوش الآدمية
ماذا عن الجرح فى مؤخرة رأسى؟ ..
ظلام .. فجأة يكسو الغرفة ظلام بهيم ..
ابتسمت و شبح الفهم قد بدأ يغزو ملامحى
كأى سجن يستحق لقبه هذا هو ميعاد النوم
حيث تُطفأ الأنوار و تجبر على النوم المبكر
استلقيت على الفراش محدقاً فى الظلام
سابحاً فى خواطرى الأشد ظلمة
إذن فأنا مجرم؟ ..
بعد كل هذا تضح مثل هذه الحقيقة القاسية؟
ترى ما هى جريمتى؟ .. أم جرائمى؟
الصداع بدأ ينسل إلى رأسى إنسلالاً وكأن هذا هو ما ينقصه بعد ساعات من التفكير ..
الأفضل أن أسارع بالنوم قبل أن تشتد حدة الصداع
عجيب هذا .. أن أكون مجرماً ــ وربما خطيراًــ وأخشى شيئاً تافهاً كالصداع
لو أستطيع قتله لصرت مشهوراً بحق
المجرم الذى قتل الصداع ..
ربما يُعفى عنى وقتها باعتبارى
قدمت أفضل خدمـه لجريدتي...
***
مازال الوضع مضطرباً والكل مشدودون كالأوتار
المتظاهرون لسان حالهم يقول : ( كفانا صمتاً) ،
وعناصر الامن بعصيهم ودروعهم يترقبون ما سيفعله هؤلاء المشاغبون ـ
ـ من وجهة نظرهم ــ
أحدهم وقف عن بعد يراقب المشهد بمعطفه الأسود الطويل
والنظرة البوليسية إياها تطل من عينيه ..
ملامحه الصارمة وكأنها تقول
( خلقت لهذا العمل ولاشىء سواه)
كلها مظاهر تؤكد أنه المسؤول هنا ..
اتجه إليه أحد الضباط الصغار
وقال فى صوت بدت المهابة فيه :
( هل نبدأ يا سيدى؟)
رد دون أن ينظر إليه :
( لا , طالما لم يبدءوا الهتاف بعد .. )
***
اتجه به المصعد إلى الطابق الأخير
فى سرعة حتى شعر وكأنه يشاركه فضوله
خطوات قليلة اجتاز بها الدهليز
إلى أن وصل إلى مكتب رئيس التحرير
شد قامته وقرع الباب فى هدوء
فأتاه الصوت من الداخل يسمح له بالدخول ..
صافحه رئيس التحرير محيياً ودعاه للجلوس
رمقه لحظات مضيقاً عينيه ثم سأله :
( هل طالعت عدد اليوم؟ )
أومأ برأسه نفياً وهو يقول :
( لا, ليس بعد)
ناوله رئيس التحرير جريدة مطوية قائلاً :
( ها هو ذا .. هناك شىء ما أريدك أن تراه)
تساءل كالمخاطب نفسه عما هناك وبدأ يقلب صفحات الجريدة .. لا جديد
قصف .. مظاهرات .. اتفاقيات تُـعقد وأخرى تُـنقد
وكأنه فيلم يعاد عرضه كل يـ.. ولكن لحظة ..
توقف عند إحدى الصفحات وتعلقت عيناه بالأحرف العريضة المكتوبة
بدلاً من مقاله اليومى
( يعتذر عن الكتابة اليوم
و سيستكمل قريباً بإذن الله )
انتابته الدهشة وطلت من عينيه
وهو يسأل رئيس التحرير :
( ولكنى لم أعتذر عن الكتابة وسلمت المقال أمس )
رد بهدوء :
(أعلم , كان المقال غير صالحاً للنشر .. فاضطررت إلى حذفه)
انعقد حاجباه و تسائل :
( مـاذا؟! .. غير صالح للنشر؟! )
رد رئيس التحرير بنفس الهدوء
ونبرة الصوت الواثقة :
( صدقنى .. حاولوا فى قسم المراجعة حذف بعض الفقرات
وتخفيف البعض ولكنه بدا فى النهاية مشوهاً )
بدأ الأنفعال يعرف طريقه إلى نبرات صوته وهو يقول :
( منذ متى و قسم المراجعة له علاقة بما يكتب فى المقالات ؟؟ ..
وماذا يعنى حذف بعض القفرات؟ .. ظننت أن اسم الجريدة هو الحرية ..)
رد رئيس التحرير بسرعة :
( الحرية وليس الإنتحارية ..
اسمع يا (محسن) ..
مقالاتك تروقنى بحق ولكن زادت حدتها فى الآونة الاخيرة ..
أنت تعلم إلام قد يقودك هذا ..
مقالاتك سوف تقضى عليك وعلى الجريدة ..
قد تكون الحادثة إياها مازالت تؤثر عليك ،
علماء النفس يقولون أن الإنسان قد يندفع و يتهور أحياناً
لرغبته فى الخلاص من حياته بطريق غير مباشر نتيجة اليأس و الإحباط ..
سأعطيك إجازة وفكر فى كلامى بهدوء )
نهض قائلاً ببرود :
( اعتبرها إجازة مفتوحة )
واندفع كسهم طائش خارجاً من الغرفة ..
تحرك ككتلة من الغضب متجاهلاً أحد السمجين
الذى قابله بابتسامة بلهاء ملقياً دعابة ما ..
***
من جديد يعاودنى ذلك الشعور بالسقوط ..
سقوط هادىء ممل كورقة شجر تغوص فى اللانهاية ..
أزحت الغطاء الرمادى كئيب المنظر متثائباً
وبدت أحداث أمس بعيدة وكأنه قد مضى عليها دهر .
مازلت لا أتقبل بعد فكرة كونى مجرماً
مازال أمامى ساعات من التفكير و عصر الذهن
صوت الأزيز ينطلق ليبعثر أفكارى ..
إنه السائل المقزز من جديد ..
صحيح أنه سىء المذاق ،
صحيح أننى لا أدرى طبيعته
ولكنه يعطى شعوراً بالشبع على أية حال
اتجهت إلى الماسورة الثانية و ضغطت سطحها ليسيل خيط الماء الرفيع ..
عجيب هذا السجن كل شىء يدار فيه بنظام دقيق للغاية و آلية ..
سجن آلى على ما ..
ماذا؟!! .. لمحة خاطفة برقت فى سماء عقلى ..
( سجن آلى) ..
تعود تلك الشرارة لتضىء فى جزء من الثانية .
. نبضات قلبى تتسارع و كأنها تخوض سباقاً محموماً ..
( سجن آلى )
.. هذه الكلمة مرتبطة بشىء ما ..
شىء ما أراد التحرر من الضباب المخيم على ذاكرتى ..
شىء ما انقبض قلبى له
ضربت جبهتى براحتى عدة مرات وكأنى أنفض ذلك الضباب اللعين
بدوت كالممسوس وأنا أدور حول نفسى وأتقافز كالحشرات
سجن آلى .. سجن آلى .. سجن آ ..
اصطدمت الكلمة بعقلى فجأة ..
نعم هى ( مناطق العزل)
***
مرت ساعة منذ غادر مبنى الجريدة
وسار بسيارته على غير هدى إلى أن توقف فى النهاية
فوق إحدى الكبارى ..
ترجل من السيارة ووقف يتأمل وكأنه يشاهد حياته على صفحة الماء الهادىء
حياته التى ظن أنها توقفت بوفاة والديه فى ذلك الحادث الأليم
ليكتشف بعدها ببساطة أن الحياة لا تتوقف أبداً
وإنما تحولت إلى فاصل طويل من الوحدة والكآبة والإحباط والملل ..
وها هو يكتشف أن حتى آراءه لا يستطيع التعبير عنها ..
لابد من ذلك الجلاد الذى لا يتورع عن وأد أفكاره وتمزيق آراءه
وربما سحقه هو أيضاً إذا لم يتوقف ..
ركب سيارته من جديد واتجه إلى حيث لا يدرى ..
***
( مناطق العزل)
.. سطعت الكلمة بعقلى لتسيل بعدها المعلومات
وقد بدأ الضباب يخف قبضته قليلاً عن ذاكرتى ..
نعم هذا يفسر كل شىء ..
مناطق العزل ..
المعتقلات الإلكترونية التى تتحكم بها الحواسب المركزية العملاقة
زنانزين تحت الأرض ولاشىء آخر
مناطق العزل التى تنكر السلطات أى وجود لها
ولكن الجميع يعلم ويصمت ..
مناطق العزل
التى تنتهى علاقة الشخص بالعالم الخارجى
بمجرد دخوله لها ويصير حبيس الجنون قبل القضبان .
قد أكون مراقب الآن كأى فأر تجارب ..
أكاد أرى ذلك العالم فى عويناته الدقيقة ومعطفه الأبيض
وهو يدون ملاحظاته عن ذلك الأبله
الذى يدور حول نفسه فى الغرفة أمامه
شبح ابتسامة خلقها الأسى تكونت قبل أن تتلاشى فى سرعة ..
ةما الذى أتى بى إلى هنا إلا إذا كنت ..
معتقل سياسى !! ..
***
لم يتحرك بالسيارة كثيراً قبل أن يوقفه مشهد المظاهرة الصامتة .
. واصطدم بعقله ذلك الخبر الذى عرفه منذ أيام
عن تنظيم مظاهرة ضد صدور أحد القوانين ..
ركن السيارة وترجل متجهاً نحو الجمع الكبير
ليجد البعض وقد رفعوا لافتات استنكار و البعض استلقى فى أوضاع تمثيلية
ليعبر عن موت الحرية..
على البعد عناصر الأمن فى حالة تأهب
وكاميرات الصحف ووكالات الأنباء موزعة فى كل مكان ..
صاح موجهاً كلامه للجميع :
( لِمَ الصمت؟!)
سؤال لا يحتاج إجابة فأقصى ما قد يصلوا إليه هو تنظيم مظاهرة صامتة
أبعد من ذلك قد تكون عواقبه وخيمة ..
اتجهت إليه الأنظار ..
البعض تمتم بكلام غير مفهوم ،
و البعض رمقه بتعجب ولم يدر ماذا يقول ..
أطلق زفرة حارة وبكل حنقه ويأسه و انفعاله
كور قبضته ورفعها مطلقاً عبارة مسجوعة
لتردد وراءه عدة أصوات على استحياء ..
ردد العبارة ثانية ليزيد عدد الأصوات تدريجياً ..
ولم يدر من أين أتى ذلك الشخص الذى انحنى ورفعه فوق كتفيه .
.فقط شعر وكأنه قد تحول إلى شعلة أو آلة تهتف بلا انقطاع ..
وكأنه كان الفتيل الذى أشعل حماس الجميع ،
هتفوا ليشق هتافهم عنان السماء
وقد حولهم الغضب و الأدرينالين إلى قنابل
تحرك الجمع فى تحد ٍ واضح
إن لم يكن للسلطة فلأنفسهم على الأقل
وكأنهم يصرخون :
( لن يكبلنا الصمت بعد الآن )
وتأهب عساكر الأمن
ومن جهاز الإستقبال الصغير المثبت داخل خوذاتهم
جاءهم صوت أحد الضباط يأمرهم بمهام معينة
فتحركوا حثيثاً ليشكلوا سداً أمام السيل القادم ..
كان المشهد كالسيل حقاً ..
سيلاً من البشر اندفع ليرتطم بدروع العساكر ..
زاد المتظاهرون من الضغط على الدروع الشفافة لعساكر الامن
فى محاولة لفتح ثغرة و العبور .. إلى أين؟ ..
إلى حيث يصل هتافهم إلى كل الناس ..
إلى العالم أجمع
لا يهم
المهم أن هذا الجدار من العساكر
ذكرهم كثيراً بذلك الجدار الذى أحال حياتهم جحيماً ..
جدار الإستبداد
تعالى الهتاف إلى أقصى حد له ..
وزاد الضغط على الدروع إلى أن أتى الأمر إلى العساكر
عبر الأثير ليرن الصوت هادراً داخل خوذاتهم ويأمرهم بالسحق ..
لقد تمادى هؤلاء .. تمادوا كثيراً وصار تأديبهم أمراً قاطعاً ..
تحركت العصى المطاطية
لتضرب فى ضراوة وبلا هوادة ..
ىساد الهرج و المرج وتقهقر المتظاهرون ..
أحدهم يحاول جذب أحد العصى ليرد الضرب بمثله ..
آخر يعدو وقد تحول وجهه إلى كرة دامية ..
العساكر يلتفون حول بعض المنظاهرين الذين سقطوا و يوسعونهم ركلاً ..
مجموعة أخرى من المتحمسين
لا تدرى من أين جاءوا بهذه العصى المعدنية
دخلوا معركة مميتة مع بعض العساكر ..
عدة قنابل مسيلة للدموع ألقيت لتزيد الفوضى فوضى ..
كل ذلك فى مزيج رهيب لا يوصف من الأصوات ..
أصوات الصراخ و البكاء و العويل و تحطم العظام و السباب ..
مزيج جهنمى
وهو ..
فجأة وجد نفسه يسقط أرضاً
وقد اختفى الشخص الذى كان يحمله ..
دار دورة كاملة حول نفسه وقد بدا الأسى على وجهه واضحاً جلياً
كان صدره يعلو و يهبط فى سرعة
وبدا وكأنما الزمن قد توقف به ..
لا يدرى ماذا يفعل؟ .
. حتى وقعت عيناه عليه ..
أحد الأشخاص يزحف وقد لوث الدم وجهه
ويبدو أنه قد تلقى ضربة عاتية ..
أسرع نحوه وجثا على ركبتيه محاولاً مساعدته على النهوض فقط
ليتلقى عدة ضربات موجعة ..
وبلا رحمة استمرت الضربات المنهمرة على ظهره
و لأنها ضربات طائشة كان يجب أن تصيب إحداها ..
إصابة فى الهدف ..
فجأة شعر بذلك الألم الهائل يزلزل رأسه ..
الأصوات تختلط ومعها الرؤية ..
يزداد الامر صعوبة وقد صارت قدرته على الوقوف مستحيلة و ..
وجاء الإغماء الرحيم ..
وغادرت روحه جسده في مشهد لم يسبق له مثيل