الباب الثالث
ماذا يريدون ؟
إذا أراد إخواننا الأقباط أن يعيشوا كأعدادهم من المسلمين فأنا معهم فى ذلك، وهم يقاربون الآن مليونين ونصف، ويجب أن يعيشوا كمليونين ونصف من المسلمين ..
لهم ما لهم من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات، أما أن يحاولوا فرض وصايتهم على المسلمين، وجعل أزِمَّة الحياة الاجتماعية والسياسية فى أيديهم فلا ..
إذا أرادوا أن يبنوا كنائس تسع أعدادهم لصلواتهم وشعائرهم الدينية فلا يعترضهم أحد .. أما إذا أرادوا صبغ التراب المصرى بالطابع المسيحى وإبراز المسيحية وكأنها الدين المهيمن على البلاد فلا ..
إذا أرادوا أن يحتفظوا بشخصيتهم فلا تمتهن وتعاليمهم فلا تجرح فلهم ذلك، أما أن يودوا " ارتداد " المسلمين عن دينهم، ويعلنوا غضبهم إذا طالبنا بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتعميم التربية الدينية فهذا ما لا نقبله ..
إن الاستعمار أوعز إلى بعضهم أن يقف مراغماً للمسلمين، ولكننا نريد تفاهماً شريفاً مع ناس معقولين ..
إن الاستعمار أشاع بين من أعطوه آذانهم وقلوبهم أن المسلمين فى مصر غرباء، وطارئون عليها، ويجب أن يزولوا، إن لم يكن اليوم فغداً .
وعلى هذا الأساس أسموا جريدتهم الطائفية " وطنى " !
ومن هذا المنطلق شرع كثيرون من المغامرين يناوش الإسلام والمسلمين، وكلما رأى عودة من المسلمين إلى دينهم همس أو صرخ : عاد التعصب، الأقباط فى خطر !!
ولا ذرة من ذلك فى طول البلاد وعرضها، ولكنها صيحات مريبة أنعشها وقواها " بابا شنودة " دون أى اكتراث بالعواقب .
وقد سبقت محاولات من هذا النوع أخمدها العقلاء، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتابات القمص " سرجيوس " الذى احتفل " البابا شنودة " أخيراً بذكراه .
ففى العدد 41 من السنة 20 من مجلة المنارة الصادر فى 6 / 12 / 1947 كتب هذا القمص تحت عنوان : " حسن البنا يحرض على قتال الأقليات بعد أن سلح جيوشه بعلم الحكومة " : يقول :
" نشرنا فى العدد السابق تفسير الشيخ " حسن البنا " لآية سورة التوبة قوله : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " ( التوبة : 29 ) ..
" قال : وقد قال الفقهاء، وتظاهرت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة : أن القتال فرض عين إذا ديست أرض الإسلام، أو اعتدى عليها المعتدون من غير المسلمين، وهو فرض كفاية لحماية الدعوة الإسلامية وتأمين الوطن الإسلامى، فيكون واجباً على من تتم بهم هذه الحماية وهذا التأمين ..
" .. وليس الغرض من القتال فى الإسلام إكراه الناس على عقيدة، أو إدخالهم قسراً فى الدين، والله يقول : " لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى " ( البقرة : 256 ) كما أنه ليس الغرض من القتال كذلك الحصول على منافع دنيوية أو مغانم دينية، فالزيت والفحم والقمح والمطاط ليست من أهداف المقاتل المسلم الذى يخرج عن نفسه وماله ودمه لله بأن له الجنة " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً فى التوراة والإنجيل والقرآن " ( التوبة : 111 ) ..
" حكم قتال أهل الكتاب : ..
" وأهل الكتاب : ( يقاتلون كما يقاتل المشركون تماماً، إذا اعتدوا على أرض الإسلام، أو حالوا دون انتشار دعوته .. ) ..
" الرد : للشيخ ( حسن البنا ) أسلوبه الخاص فى الكتابة والتفسير وفى الفتاوى، ويعرف بالأسلوب المائع إذ يترك دائماً الأبواب مفتوحة، ليدخل متى شاء فى ما أراد دون أن يتقيد أو يمسك، ومن آيات ميوعته أنه يقول أن القتال يكون فرض عين إذا ديست أرض الإسلام، أو اعتدى عليها المعتدون من غير المسلمين، دون أن يبين أو يحدد ما هى أرض الإسلام أو الوطن الإسلامى : هل هى الحجاز فقط أم هى كل بلد من بلاد العالم يكون فيها المسلمون أغلبية أو أقلية أو متعادلين ؟ ..
" وكان فى عدم تحديده لأرض الإسلام أو الوطن الإسلامى ماكراً سيئاً ؛ ليكون حراً فى إعلان القتال على من يشاء من المستضعفين من المسيحيين واليهود الذين يقوى على محاربتهم فى أى بلد كان، وكان أحرى به أن يقولها كلمة صريحة أن أرض الإسلام هى الحجاز، أى الأرض التى نشأ عليها الإسلام ـ أى الدين الإسلامى ـ وليست البلاد التى يعيش فيها المسلمون فى العالم . وسواء كانت أرض الإسلام أو وطن الإسلام هى الحجاز أم هى كل بلد من بلاد العالم يعيش فيه المسلمون، فلا يمكن العمل بما يقول به الشيخ ( حسن البنا ) بأن القتال فرض عين أو فرض كفاية على المسلمين إذا ديست أرض الإسلام أو اعتدى عليها المعتدون من غير المسلمين " .
وأنا أسأل أى قارئ اطلع على تفسير " حسن البنا " : هل اشتم منه رائحة تحريض على الأقباط أو اليهود ؟
وأسأل أى منصف قرأ الرد عليه : هل وجد فيه إلا التحرش والرغبة فى الاشتباك دون أدنى سبب ؟
إن هذا القمص المفترى لا يريد إلا شيئاً واحداً : إبعاد الصفة الإسلامية عن مصر، واعتبار الحجاز وحده وطناً إسلامياً . أما مصر فليست وطناً إسلامياً لأن سكانها المسلمين فوق 92 % من جملة أهلها .
ولماذا تنفى الصفة الإسلامية عن مصر مع أن هذه الصفة تذكر لجعل الدفاع عنها فريضة مقدسة ؟
هذا ما يسأل عنه القمص الوطنى، والذين احتفلوا بذكراه بعد ربع قرن من وفاته ..
إن الدفاع عن مصر ضد الاستعمار العالمى ينبغى أن تهتز بواعثه وأن تفتر مشاعره .. !!
لقد كانت مصر وثنية فى العصور القديمة، ثم تنصر أغلبها، فهل يقول الوثنيون المصريون لمن تنصر : إنك فقدت وطنك بتنصرك ؟
ثم أقبل الإسلام فدخل فيه جمهور المصريين، فهل يقال للمسلم : إنك فقدت وطنك بإسلامك ؟
ما هذه الرقاعة ؟!
بيد أن الحملة على الإسلام مضت فى طريقها، وزادت ضراوة وخسة فى الأيام الأخيرة، ثم جاء " الأنبا شنودة " رئيساً للأقباط، فقاد حملة لا بد من كشف خباياها، وتوضيح مداها ؛ حتى يدرك الجميع : مم نحذر ؟ وماذا نخشى ؟
وما نستطيع السكوت، ومستقبلنا كله تعصف به الفتن، ويأتمر به سماسرة الاستعمار .
تقرير رهيب
كنت في الإسكندرية، في مارس من سنة 1973، وعلمت ـ من غير قصد ـ بخطاب ألقاه البابا شنودة في الكنيسة المرقصية الكبرى، في اجتماع سرى، أعان الله على إظهار ما وقع فيه .
وإلى القراء ما حدث، كما نقل مسجلا إلى الجهات المعنية : (المخابرات)
" بسم الله الرحمن الرحيم ..
" نقدم لسيادتكم هذا التقرير لأهم ما دار في الاجتماع بعد أداء الصلاة و التراتيل : ..
" طلب البابا شنودة من عامة الحاضرين الانصراف، ولم يمكث معه سوى رجال الدين وبعض أثريائهم بالإسكندرية، وبدأ كلمته قائلاً : إن كل شئ على ما يرام، ويجري حسب الخطة الموضوعة، لكل جانب من جوانب العمل على حدة، في إطار الهدف الموحد، ثم تحدث في عدد من الموضوعات على النحو التالي : ..
" أولا : عدد شعب الكنيسة : ..
" صرح لهم أن مصادرهم في إدارة التعبئة والإحصاء أبلغتهم أن عدد المسيحيين في مصر ما يقارب الثمانية مليون ( 8 مليون نسمة )، وعلى شعب الكنيسة أن يعلم ذلك جيداً، كما يجب عليه أن ينشر ذلك ويؤكده بين المسلمين، إذ سيكون ذلك سندنا في المطالب التي سنتقدم بها إلى الحكومة التي سنذكرها لكم اليوم ..
" والتخطيط العام الذي تم الاتفاق عليه بالإجماع، والتي صدرت بشأنه التعليمات الخاصة لتنفيذه، وضع على أساس بلوغ شعب الكنيسة إلى نصف الشعب المصري، بحيث يتساوى عدد شعب الكنيسة مع عدد المسلمين لأول مرة منذ 13 قرنا، أي منذ " الإستعمار العربي والغزو الإسلامي لبلادنا " على حد قوله، والمدة المحددة وفقاً للتخطيط الموضوع للوصول إلى هذه النتيجة المطلوبة تتراوح بين 12 ـ 15 سنة من الآن ..
" ولذلك فإن الكنيسة تحرم تحريماً تاماً تحديد النسل أو تنظيمه، وتعد كل من يفعل ذلك خارجاً عن تعليمات الكنيسة، ومطروداً من رحمة الرب، وقاتلاً لشعب الكنيسة، ومضيعاً لمجده، وذلك باستثناء الحالات التي يقرر فيها الطب و الكنيسة خطر الحمل أو الولادة على حياة المرأة، و قد اتخذت الكنيسة عدة قرارات لتحقيق الخطة القاضية بزيادة عددهم : ..
" 1 ـ تحريم تحديد النسل أو تنظيمه بين شعب الكنيسة ..
" 2 ـ تشجيع تحديد النسل وتنظيمه بين المسلمين ( خاصة وأن أكثر من 65 % [!] من الأطباء والقائمين على الخدمات الصحية هم من شعب الكنيسة ) ..
" 3 ـ تشجيع الإكثار من شعبنا، ووضع حوافز ومساعدات مادية ومعنوية للأسر الفقيرة من شعبنا ..
" 4 ـ التنبيه على العاملين بالخدمات الصحية على المستويين الحكومي و غير الحكومي كي يضاعفوا الخدمات الصحية لشعبنا، وبذل العناية والجهد الوافرين، وذلك من شأنه تقليل الوفيات بين شعبنا ( على أن نفعل عكس ذلك مع المسلمين ) ..
" 5 ـ تشجيع الزواج المبكر وتخفيض تكاليفه، وذلك بتخفيف رسوم فتح الكنائس ورسوم الإكليل بكنائس الأحياء الشعبية ..
" 6 ـ تحرم الكنيسة تحريماً تاماً على أصحاب العمارات والمساكن المسيحيين تأجير أي مسكن أو شقة أو محل تجاري للمسلمين، وتعتبر من يفعل ذلك من الآن فصاعداً مطروداً من رحمة الرب ورعاية الكنيسة، كما يجب العمل بشتى الوسائل على إخراج السكان المسلمين من العمارات والبيوت المملوكة لشعب الكنيسة، وإذا نفذنا هذه السياسة بقدر ما يسعنا الجهد فسنشجع و نسهل الزواج بين شبابنا المسيحي، كما سنصعبه و نضيق فرصه بين شباب المسلمين، مما سيكون أثر فعال في الوصول إلى الهدف، و ليس بخافٍ أن الغرض من هذه القرارات هو انخفاض معدل الزيادة بين المسلمين و ارتفاع هذا المعدل بين شعبنا المسيحى ..
" ثانياً : اقتصاد شعب الكنيسة : ..
" قال شنودة : إن المال يأتينا بقدر ما نطلب وأكثر مما نطلب، وذلك من مصادر ثلاثة : أمريكا، الحبشة، الفاتيكان، ولكن ينبغي أن يكون الاعتماد الأول في تخطيطنا الاقتصادي على مالنا الخاص الذي نجمعه من الداخل، وعلى التعاون على فعل الخير بين أفراد شعب الكنيسة، كذلك يجب الاهتمام أكثر بشراء الأرض، و تنفيذ نظام القروض و المساعدات لمن يقومون بذلك لمعاونتهم على البناء، وقد ثبت من واقع الإحصاءات الرسمية أن أكثر من 60 % من تجارة مصر الداخلية هي بأيدي المسيحيين، وعلينا أن نعمل على زيادة هذه النسبة ..
" وتخطيطنا الاقتصادي للمستقبل يستهدف إفقار المسلمين ونزع الثروة من أيديهم ما أمكن، بالقدر الذي يعمل به هذا التخطيط على إثراء شعبنا، كما يلزمنا مداومة تذكير شعبنا والتنبيه عليه تنبيها مشدداً من حين لآخر بأن يقاطع المسلمين اقتصادياً، وأن يمتنع عن التعامل المادي معهم امتناعاً مطلقاً، إلا في الحالات التي يتعذر فيها ذلك، ويعني مقاطعة : المحاميين ـ المحاسبين ـ المدرسين ـ الأطباء ـ الصيادلة ـ العيادات ـ المستشفيات الخاصة ـ المحلات التجارية الكبيرة و الصغيرة ـ الجمعيات الاستهلاكية أيضا ( ! )، وذلك مادام ممكنا لهم التعامل مع إخوانهم من شعب الكنيسة، كما يجب أن ينبهوا دوماً إلى مقاطعة صنّاع المسلمين وحرفييهم والاستعاضة عنهم بالصناع و الحرفيين النصارى، و لو كلفهم ذلك الانتقال و الجهد و المشقة ..
" ثم قال البابا شنودة : إن هذا الأمر بالغ الأهمية لتخطيطنا العام في المدى القريب و البعيد ..
" ثالثاً : تعليم شعب الكنيسة : ..
" قال البابا شنودة : إنه يجب فيما يتعلق بالتعليم العام للشعب المسيحي الاستمرار في السياسة التعليمية المتبعة حالياً مع مضاعفة الجهد في ذلك، خاصة و أن بعض المساجد شرعت تقوم بمهام تعليمية كالتي نقوم بها في كنائسنا، الأمر الذي سيجعل مضاعفة الجهد المبذول حالياً أمراً حتمياً حتى تستمر النسبة التي يمكن الظفر بها من مقاعد الجامعة وخاصة الكليات العملية . ثم قال : إني إذ أهنئ شعب الكنيسة خاصة المدرسين منهم على هذا الجهد وهذه النتائج، إذ وصلت نسبتنا في بعض الوظائف الهامة والخطيرة كالطب والصيدلة والهندسة وغيرها أكثر من 60% (!) إني إذ أهنئهم أدعو لهم يسوع المسيح الرب المخلص أن يمنحهم بركاته و توفيقه، حتى يواصلوا الجهد لزيادة هذه النسبة في المستقبل القريب ..
" رابعاً : التبشير : ..
" قال البابا شنودة :كذلك فإنه يجب مضاعفة الجهود التبشيرية الحالية، إذ أن الخطة التبشيرية التي وضعت بنيت على أساس هدف اتُّفق عليه للمرحلة القادمة، وهو زحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم والتمسك به، على ألا يكون من الضروري اعتناقهم المسيحية، فإن الهدف هو زعزعة الدين في نفوسهم، وتشكيك الجموع الغفيرة منهم في كتابهم وصدق محمد، ومن ثم يجب عمل كل الطرق واستغلال كل الإمكانيات الكنسية للتشكيك في القرآن و إثبات بطلانه و تكذيب محمد ..
" وإذا أفلحنا في تنفيذ هذا المخطط التبشيري في المرحلة المقبلة، فإننا نكون قد نجحنا في إزاحة هذه الفئات من طريقنا، و إن لم تكن هذه الفئات مستقبلاً معنا فلن تكون علينا ..
" غير أنه ينبغي ان يراعي في تنفيذ هذا المخطط التبشيري أن يتم بطريقة هادئة لبقة وذكية ؛ حتى لا يكون سبباً في إثارة حفيظة المسلمين أو يقظتهم ..
" وإن الخطأ الذي وقع منا في المحاولات التبشيرية الأخيرة ـ التي نجح مبشرونا فيها في هداية عدد من المسلمين إلى الإيمان و الخلاص على يد الرب يسوع المخلص (!) ـ هو تسرب أنباء هذا النجاح إلى المسلمين، لأن ذلك من شأنه تنبيه المسلمين و إيقاظتهم من غفلتهم، و هذا أمر ثابت في تاريخهم الطويل معنا، و ليس هو بالأمر الهين، ومن شأن هذه اليقظة أن تفسد علينا مخططاتنا المدروسة، وتؤخر ثمارها وتضيع جهودنا، ولذا فقد أصدرت التعليمات الخاصة بهذا الأمر، وسننشرها في كل الكنائس لكي يتصرف جميع شعبنا مع المسلمين بطريقة ودية تمتص غضبهم وتقنعهم بكذب هذه الأنباء، كما سبق التنبيه على رعاة الكنائس والآباء والقساوسة بمشاركة المسلمين احتفالاتهم الدينية، وتهنئهم بأعيادهم، وإظهار المودة والمحبة لهم ..
" وعلى شعب الكنيسة في المصالح و الوزارات والمؤسسات إظهار هذه الروح لمن يخالطونهم من المسلمين . ثم قال بالحرف الواحد : ..
" إننا يجب أن ننتهز ما هم فيه من نكسة ومحنة لأن ذلك في صالحنا، ولن نستطيع إحراز أية مكاسب أو أي تقدم نحو هدفنا إذا انتهت المشكلة مع إسرائيل سواء بالسلم أو بالحرب " ..
" ثم هاجم من أسماهم بضعاف القلوب الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على مجد شعب الرب و الكنيسة، وعلى تحقيق الهدف الذي يعمل له الشعب منذ عهد بعيد، وقال إنه لم يلتفت إلى هلعهم، و أصر أنه سيتقدم للحكومة رسمياً بالمطالب الواردة بعد، حيث إنه إذا لم يكسب شعب الكنيسة في هذه المرحلة مكاسب على المستوى الرسمي فربما لا يستطيع إحراز أي تقدم بعد ذلك ..
" ثم قال بالحرف الواحد : وليعلم الجميع خاصة ضعاف القلوب أن القوى الكبرى في العالم تقف وراءنا ولسنا نعمل وحدنا، ولا بد من أن نحقق الهدف، لكن العامل الأول والخطير في الوصول إلى ما نريد هو وحدة شعب الكنيسة و تماسكه و ترابطه .. و لكن إذا تبددت هذه الوحدة و ذلك التماسك فلن تكون هناك قوة على وجه الأرض مهما عظم شأنها تستطيع مساعدتنا ..
" ثم قال : ولن أنسى موقف هؤلاء الذين يريدون تفتيت وحدة شعب الكنيسة، وعليهم أن يبادروا فوراً بالتوبة وطلب الغفران والصفح، وألا يعودوا لمخالفتنا ومناقشة تشريعاتنا وأوامرنا، والرب يغفر لهم
( وهو يشير بذلك إلى خلاف وقع بين بعض المسئولين منهم،
إذ كان البعض يرى التريث وتأجيل تقديم المطالب المزعومة إلى الحكومة ) ..
" ثم عدد البابا شنودة المطالب التي صرح بها بأنه سوف يقدمها رسمياً إلى الحكومة : ..
" 1 ـ أن يصبح مركز البابا الرسمي في البروتوكول السياسي بعد رئيس الجمهورية وقبل رئيس الوزراء ..
" 2 ـ أن تخصص لهم 8 وزارات ( أى يكون وزراؤها نصارى ) ..
" 3 ـ أن تخصص لهم ربع القيادات العليا في الجيش والبوليس ..
" 4 ـ أن تخصص لهم ربع المراكز القيادية المدنية، كرؤساء مجالس المؤسسات والشركات والمحافظين ووكلاء الوزارات والمديرين العامين ورؤساء مجالس المدن ..
" 5 ـ أن يستشار البابا عند شغل هذه النسبة في الوزارات و المراكز العسكرية و المدنية، و يكون له حق ترشيح بعض العناصر و التعديل فيها ..
" 6 ـ أن يسمح لهم بإنشاء جامعة خاصة بهم، وقد وضعت الكنيسة بالفعل تخطيط هذه الجامعة، و هي تضم المعاهد اللاهوتية الكليات العملية و النظرية، وتمول من مالهم الخاص ..
" 7 ـ يسمح لهم بإقامة إذاعة من مالهم الخاص ..
" ثم ختم حديثه بأن بشّر الحاضرين، وطلب إليهم نقل هذه البشرى لشعب الكنيسة، بأن أملهم الأكبر في عودة البلاد والأراضي إلى أصحابها من " الغزاة المسلمين " قد بات وشيكاً، وليس في ذلك أدنى
غرابة ـ في زعمه ـ وضرب لهم مثلاً بأسبانيا النصرانية التي ظلت بأيدي " المستعمرين المسلمين " قرابة ثمانية قرون (800 سنة )، ثم استردها أصحابها النصارى، ثم قال وفي التاريخ المعاصر عادت أكثر من بلد إلى أهلها بعد أن طردوا منها منذ قرون طويلة جداً ( واضح أن شنودة يقصد إسرائيل ) وفي ختام الاجتماع أنهى حديثه ببعض الأدعية الدينية للمسيح الرب الذي يحميهم و يبارك خطواتهم " .
بين يدى هذا التقرير المثير لا بد من كلمة، إن الوحدة الوطنية الرائعة بين مسلمى مصر وأقباطها يجب أن تبقى وأن تصان، وهى مفخرة تاريخية، ودليل جيد على ما تسديه السماحة من بر وقسط .
ونحن ندرك أن الصليبية تغص بهذا المظهر الطيب وتريد القضاء عليه، وليس بمستغرب أن تفلح فى إفساد بعض النفوس وفى رفعها إلى تعكير الصفو ..
وعلينا ـ والحالة هذه ـ أن نرأب كل صدع، ونطفئ كل فتنة، لكن ليس على حساب الإسلام والمسلمين، وليس كذلك على حساب الجمهور الطيب من المواطنين الأقباط .
وقد كنت أريد أن أتجاهل ما يصنع الأخ العزيز " شنودة " الرئيس الدينى لإخواننا الأقباط، غير أنى وجدت عدداً من توجيهاته قد أخذ طريقه إلى الحياة العملية .
الحقائق تتكلم
ـ فقد قاطع الأقباط مكاتب تنظيم الأسرة تقريباً .
ـ ونفذوا بحزم خطة تكثير عددهم فى الوقت الذى تنفذ فيه بقوة وحماسة سياسة تقليل المسلمين .. وأعتقد أن الأقباط الآن يناهزون ثلاثة ملايين أى أنهم زادوا فى الفترة الأخيرة بنسبة ما بين 40 %، 50 % !!
ـ ثم إن الأديرة تحولت إلى مراكز تخطيط وتدريب ـ خصوصاً أديرة وادى النطرون التى يذهب إليها بابا الأقباط ولفيف من أعوانه المقربين، والتى يستقدم إليها الشباب القبطى من أقاصى البلاد لقضاء فترات معينة وتلقى توجيهات مريبة ..
ـ وفى سبيل إضفاء الطابع النصرانى على التراب المصرى، استغل الأخ العزيز " شنودة " ورطة البلاد فى نزاعها مع اليهود والاستعمار العالمى لبناء كنائس كثيرة لا يحتاج العابدون إليها ـ لوجود ما يغنى عنها ـ فماذا حدث ؟
لقد صدر خلال أغسطس وسبتمبر وأكتوبر سنة 1973 خمسون مرسوماً جمهورياً بإنشاء 50 كنيسة، يعلم الله أن أغلبها بنى للمباهاة وإظهار السطوة وإثبات الهيمنة فى مصر .
وقد تكون الدولة محرجة عندما أذنت بهذا العدد الذى لم يسبق له مثيل فى تاريخ مصر ..
لكننا نعرف المسئولين أن الأخ العزيز " شنودة " ! لن يرضى لأنه فى خطابه كشف عن نيته، وهى نية تسىء إلى الأقباط والمسلمين جميعاً ..
وقد نفى رئيس لجنة " تقصى الحقائق " أن يكون هذا الخطاب صادراً عن رئيس الأقباط .
ولما كان رئيس اللجنة ذا ميول " شيوعية " وتهجمه على الشرع الإسلامى معروف، فإن هذا النفى لا وزن له، ثم إنه ليس المتحدث الرسمى باسم الكنيسة المصرية ..
ومبلغ علمى أن الخطاب مسجل بصوت البابا نفسه ومحفوظ ويوجد الآن من يحاول تنفيذه كله .
نحن نريد الحفاظ على وحدة مصر الوطنية
ونحن نناشد الأقباط العقلاء أن يتريثوا وأن يأخذوا على أيدى سفهائهم وأن يبقوا بلادنا عامرة بالتسامح والوئام كما كان ديدنها من قرون طوال ..
وإذا كانت قاعدة " لنا ما لكم وعلينا ما عليكم " لا تقنع، فكثروا بعض ما لكم، وقللوا بعض ما عليكم شيئاً ما، شيئاً معقولاً، شيئاً يسهل التجاوز عنه والتماس المعاذير له !!
أما أن يحلم البعض بإزالتنا من بلدنا، ويضع لذلك خطة طويلة المدى، فذلك ما لا يطاق، وما نرجو عقلاء الأقباط أن يكفونا مؤونته، ونحن على أتم استعداد لأن ننسى .. وننسى ..
الباب الرابع
الإسلام وجماعة الإخوان
انتسبت لجماعة الإخوان فى العشرين من عمرى، ومكثت فيها قرابة سبع عشرة سنة، كنت خلالها عضواً فى هيئتها التأسيسية، ثم عضواً فى مكتب الإرشاد العام ..
وشاء الله أن يقع نزاع حاد بينى وبين قيادة الجماعة، انتهى بصدور قرار يقضى بفصلى وفصل عدد آخر من الأعضاء .
وبعد عدة شهور من ذلك الحدث صدر قرار حكومى بحل الجماعة كلها والإجهاز على جميع أنشطتها .
وأريد أن أكون منصفاً، فإن الزعم بأن جميع الإخوان أشرار سخف وافتراء، والزعم بأن الجماعة كلها كانت معصومة من الخطأ غرور وادعاء ..
وليس ذلك ما يعنينى هنا، إنما الذى يعنينى أمر آخر هو الأهم والأخطر، عند الله وعند الناس، أمر الإسلام نفسه .
قال لى أحد الناس : ليذهب الإخوان إلى الجحيم !
قلت له : اسمع، مصاير الناس بيد الله وحده، وليذهب من شاء إلى الجحيم .. لكن هل يذهب الإسلام إلى الجحيم معهم ؟
قال : لا .
قلت : دعنى من العناوين ولنتحدث فى الموضوع . هل نترك كتاب ربنا وسنة نبينا أم نتشبث بهما ونحرص عليهما ؟
فأجاب بعد تريث : لا نترك ديننا !
قلت : هل ننفذ من ديننا ما نحب ونهمل ما نكره، أم نطيع الله فى كل ما أمر به ونهى عنه ؟ إن هناك نصوصاً فى الكتاب والسنة معطلة محكوماً عليها بالموت، ونصوصاً أخرى تنفذ جزئياً ولا يؤذن بتطبيقها على وجه كامل، فهل تبقى هذه الأوضاع أم ينبغى إصلاحها ؟
قال : لكن هذا ما يقوله الإخوان المسلمون !!
قلت له : دعنى من جماعة الإخوان، فقد نفضت يدى من العناوين، أنا أتحدث عن الإسلام نفسه، وعن المنحدر الذى وقع فيه، وعن الأمة الكسيرة التى تنتمى إليه، ألم نتفق على ضرورة التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا ؟
قال : بلى !!
قلت : وذاك ما نريد أن نتعاون على بلوغه، ونرسم الخطة المثلى لتحقيقه !
ولعلك ترى معى بعد ذلك أن الانتساب للإسلام ليس جريمة، وأن الجريمة هى تشويه نهجه وإنكار هديه وترك أعدائه أحراراً فى النيل منه ..
قال : أشعر أنك تجرنى بدهاء إلى جماعة الإخوان !!
قلت له : يا أخى تخل عن هذه العقدة التى تحكمك .. إننى أريد أن أعمل للإسلام الذى رفع علمه خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفه على مواريثه أبو بكر وعمر وعثمان وعلى .. هذا المصحف المهجور فى دواوين السلطة، وفى أرجاء المجتمع، نريد أن نؤنس وحشته ونرفع شعاره .
دعنى من أى تجمع حدث فى هذا العصر، ولننس الأشخاص الذين اشتهروا، ولنطو صحائفهم بما فيها من خطأ وصواب ولنعمل للإسلام وحده ..
فسكت متردداً حائراً .
قلت له : اسمع، إن هناك قوماً يكرهون الإسلام ذاته ويخدمون بكراهيته القوى الثلاث التى تجمعت ضده اليوم:
الشيوعية، الصهيونية، الصليبية، وهؤلاء يريدون أن يجعلوا من كلمة " الإخوان " سيفاً مصلتاً على عنق كل مخلص له عامل فى حقله، وأنا أرفض هذا الخلط ..
إن إرهاب المجاهدين فى سبيل الله بوصفهم إخواناً، ووضع العوائق أمام النهضة الإسلامية بزعم أن ذلك منع لعودة الجماعة المنحلة، إن هذا وذاك خيانة عظمى، وارتداد عن الملة ..
لقد أصبح التجمع على الإسلام ضرورة حياة فى وجه اليهود الذين احتلوا أجزاء حساسة من أرضنا، ويوشك أن تكون لهم وثبة أخرى ربما كانت نحو عواصمنا وبقية مقدساتنا، فاصطياد الريب لهذا التجمع لا أستطيع وصفه إلا بأنه عمل لمصلحة بنى إسرائيل ..
إن الخطة التى وضعت لمحاربة جماعة الإخوان لا يسوغ أن تستفل لمحاربة الله ورسوله .
ويسوءنى أن الذين رسموا هذه الخطة يحاولون أن يقضوا بها على الدين نفسه، والفرق واضح بين دين له قداسته ونفر من الناس لهم خطؤهم وصوابهم .
تقرير يفضح النيات المبيتة للإسلام
اقرأ معى هذا التقرير .. :
تقرير اللجنة المؤلفة برياسة السيد " زكريا محيى الدين " رئيس الوزراء فى حينه، بشأن القضاء على تفكير الإخوان، بناء على أوامر السيد الرئيس بتشكيل لجنة عليا، لدراسة واستعراض الوسائل التى استعملت، والنتائج التى تم التوصل إليها، بخصوص مكافحة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة، ولوضع برنامج لأفضل الطرق التى يجب استعمالها فى مكافحة الإخوان بالمخابرات، والمباحث العامة، لبلوغ هدفين :
أ ـ غسل مخ الإخوان من أفكارهم .
ب ـ منع عدوى أفكارهم من الانتقال إلى غيرهم .
اجتمعت اللجنة المشكلة من :
1 ـ سيادة رئيس مجلس الوزراء
2 ـ السيد / قائد المخابرات العامة
3 ـ السيد / قائد المباحث الجنائية العسكرية
4 ـ السيد / مدير المباحث العامة
5 ـ السيد / مدير مكتب السيد المشير عبد الحكيم عامر
وذلك فى مبنى المخابرات العامة بكوبرى القبة، وعقدت عشرة اجتماعات متتالية وبعد دراسة كل التقارير والبيانات والإحصائيات السابقة، أمكن تلخيص المعلومات المجتمعة فى الآتى :
1 ـ تبين أن تدريس التاريخ الإسلامى فى المدارس للنشء بحالته القديمة يربط السياسة بالدين فى لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر ويتتابع ظهور معتنقى الأفكار الإخوانية .
2 ـ صعوبة واستحالة التمييز بين أصحاب الميول والنزعات الدينية وبين معتنقى الأفكار الإخوانية، وسهولة وفجائية تحول الفئة الأولى إلى الفئة الثانية بتطرف أكبر .
3 ـ غالبية أفراد الإخوان عاش على وهم الطهارة، ولم يمارس الحياة الجماعية الحديثة، ويمكن اعتبارهم من هذه الناحية " خام " .
4 ـ غالبيتهم ذوو طاقة فكرية وقدرة تحمل ومثابرة كبيرة على العمل، وقد أدى ذلك إلى اطراد دائم وملموس فى تفوقهم فى المجالات العلمية والعملية التى يعيشون فيها وفى مستواهم الفكرى والعلمى والاجتماعى بالنسبة لأندادهم رغم أن جزءاً غير بسيط من وقتهم موجه لنشاطهم الخاص بدعوتهم المشئومة .
5 ـ هناك انعكاسات إيجابية سريعة تظهر عند تحرك كل منهم للعمل فى المحيط الذى يقتنع .
6 ـ تداخلهم فى بعض، ودوام اتصالهم الفردى ببعض وتزاورهم، والتعارف بين بعضهم البعض يؤدى إلى ثقة كل منهم فى الآخر ثقة كبيرة .
7 ـ هناك توافق روحى، وتقارب فكرى وسلوكى يجمع بينهم فى كل مكان حتى ولو لم تكن هناك صلة بينهم .
8 ـ رغم كل المحاولات التى بذلت منذ عام 1936 لإفهام العامة والخاصة بأنهم يتسترون وراء الدين لبلوغ أهداف سياسية إلا أن احتكاكهم الفردى بالشعب يؤدى إلى محو هذه الفكرة عنهم، رغم أنها بقيت بالنسبة لبعض زعمائهم .
9 ـ تزعمهم حرب العصابات سنة 1948 والقتال سنة 1951 رسب فى أفكار بعض الناس صورهم كأصحاب بطولات وطنية عملية، وليست دعائية فقط، بالإضافة إلى أن الأطماع الإسرائيلية والاستعمارية والشيوعية فى المنطقة لا تخفى أغراضها فى القضاء عليهم .
10 ـ نفورهم من كل من يعادى فكرتهم جعلهم لا يرتبطون بأى سياسة خارجية سواء كانت عربية أو شيوعية أو استعمارية، وهذا يوحى لمن ينظر فى ماضيهم أنهم ليسوا عملاء .
وبناء على ذلك رأت اللجنة أن الأسلوب الجديد فى المكافحة يجب أن يشمل أساساً بندين متداخلين وهما :
أ ـ محو فكرة ارتباط الدين الإسلامى بالسياسة .
ب ـ إبادة تدريجية مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم فصلاً من معتنقى الفكرة .
ويمكن تلخيص أسس الأسلوب الواجب استخدامه لبلوغ هذين الهدفين فى الآتى :
أولاً : سياسة وقائية عامة :
1 ـ تغيير مناهج تدريس التاريخ الإسلامى والدين فى المدارس وربطها بالمعتقدات الاشتراكية كأوضاع اجتماعية واقتصادية وليست سياسية . مع إبراز مفاسد الخلافة خاصة زمن العثمانيين وأن تقدم الغرب السريع إنما كان عقب هزيمة الكنيسة وإقصائها عن السياسة .
2 ـ التحرى الدقيق عن رسائل وكتب ونشرات ومقالات الإخوان المسلمين فى كل مكان ثم مصادرتها وإعدامها .
3 ـ يحرم بتاتاً قبول ذوى الإخوان وأقربائهم حتى الدرجة الثالثة فى القرابة من الانخراط فى السلك العسكرى أو البوليس أو السياسة، مع سرعة عزلة الموجودين من هؤلاء الأقرباء من هذه الأماكن أو نقلهم إلى الأماكن الأخرى فى حالة ثبوت ولائهم .
4 ـ مضاعفة الجهود المبذولة فى سياسة العمل الدائم على إفقاد الثقة بينهم وتحطيم وحدتهم بشتى الوسائل، وخاصة عن طريق إكراه البعض على كتابة تقارير عن زملائهم بخطهم، ثم مواجهة الآخر بما معها مع العمل، على منع كل من الطرفين من لقاء الآخر أطول فترة ممكنة لنزيد هوة انعدام الثقة بينهم .
5 ـ بعد دراسة عميقة لموضوع المتدينين من غير الإخوان، وهم الذين يمثلون " الاحتياطى " لهم وجد أن هناك حتمية طبيعية عملية لالتقاء الصنفين فى المدى الطويل، ووجد أنه من الأفضل أن يبدأ بتوحيد معاملتهم بمعاملة الإخوان قبل أن يفاجئونا كالعادة باتحادهم معهم علينا .
ومع افتراض احتمال كبير لوجود أبرياء منهم إلا أن التضحية بهم خير من التضحية بالثورة فى يوم ما على أيديهم .
ولصعوبة واستحالة التمييز بين الإخوان والمبتدئين بوجه عام فلا بد من وضع الجميع ضمن فئة واحدة ومراعاة ما يلى :
أ ـ تضييق فرص الظهور والعمل أمام المتدينين عموماً فى المجالات العلمية والعملية .
ب ـ محاسبتهم بشدة وباستمرار على أى لقاء فردى أو زيارات أو اجتماعات تحدث بينهم .
جـ ـ عزل المتدينين عموماً عن أى تنظيم أو اتحاد شعبى أو حكومى أو اجتماعى أو طلابى أو عمالى أو إعلامى.
د ـ التوقف عن السياسة السابقة فى السماح لأى متدين بالسفر للخارج للدراسة أو العمل حيث فشلت هذه السياسة فى تطوير معتقداتهم وسلوكهم، وعدد بسيط جداً منهم هو الذى تجاوب مع الحياة الأوربية فى البلاد التى سافروا إليها . أما غالبيتهم فإن من هبط منهم فى مكان بدأ ينظم فيه الاتصالات والصلوات الجماعية أو المحاضرات لنشر أفكاره .
هـ ـ التوقف عن سياسة استعمال المتدينين فى حرب الشيوعيين واستعمال الشيوعيين فى حربهم بغرض القضاء على الفئتين، حيث ثبت تفوق المتدينين فى هذا المجال، ولذلك يجب أن نعطى الفرص للشيوعيين لحربهم وحرب أفكارهم ومعتقداتهم، مع حرمان المتدينين من الأماكن الإعلامية .
و ـ تشويش الفكرة الشائعة عن الإخوان فى حرب فلسطين والقتال وتكرار النشر بالتلميح والتصريح عن اتصال الإنجليز بالهضيبى، وقيادة الإخوان، حتى يمكن غرس فكرة أنهم عملاء للاستعمار فى أذهان الجميع .
ز ـ الاستمرار فى سياسة محاولة الإيقاع بين الإخوان المقيمين فى الخارج وبين الحكومات العربية المختلفة وخاصة فى الدول الرجعية الإسلامية المرتبطة بالغرب، وذلك بأن يروج عنهم فى تلك الدول أنهم عناصر مخربة ومعادية لهم وأنهم يضرون بمصلحتها، وبهذا تسهل محاصرتهم فى الخارج أيضاً .
ثانياً :
استئصال السرطان الموجود الآن، وبالنسبة للإخوان الذين اعتقلوا أو سجنوا فى أى عهد من العهود يعتبرون جميعاً قد تمكنت منهم الفكرة كما يتمكن السرطان فى الجسم ولا يرجى شفاؤه، ولذا تجرى عملية استئصالهم كالآتى :
المرحلة الأولى :
إدخالهم فى سلسلة متصلة من المتاعب تبدأ بالاستيلاء أو وضع الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم، ويتبع ذلك اعتقالهم وأثناء الاعتقال تستعمل معهم أشد أنواع الإهانة والعنف والتعذيب على مستوى فردى ودورى حتى يصيب الدور الجميع ثم يعاد وهكذا .
وفى نفس الوقت لا يتوقف التكدير على المستوى الجماعى بل يكون ملازماً للتأديب الفردى .
وهذه المرحلة إذا نفذت بدقة ستؤدى إلى :
بالنسبة للمعتقلين :
اهتزاز الأفكار فى عقولهم وانتشار الاضطرابات العصبية والنفسية والعاهات والأمراض بينهم .
بالنسبة لنسائهم :
سواء كن زوجات أو أخوات أو بنا فسوف يتحررن ويتمردن لغياب عائلهن، وحاجتهن المادية قد تؤدى لانزلاقهن .
بالنسبة للأولاد :
تضطر العائلات لغياب العائل ولحاجتها المادية إلى توقيف الأبناء عن الدراسة وتوجيههم للحرف والمهن، وبذلك يخلو جيل الموجهين المتعلم القادم ممن فى نفوسهم أى حقد أو أثر من آثار أفكار آبائهم .
المرحلة الثانية :
إعدام كل من ينظر إليه بينهم كداعية، ومن تظهر عليه الصلابة سواء داخل السجون أو المعتقلات أو بالمحاكمات، ثم الإفراج عنهم بحيث يكون الإفراج عنهم على دفعات، مع عمل الدعاية اللازمة لكى تنتشر أنباء العفو عنهم ليكون ذلك سلاحاً يمكن استعماله ضدهم من جديد فى حالة الرغبة فى إعادة اعتقالهم .
وإذا أحسن تنفيذ هذه المرحلة مع المرحلة السابقة فستكون النتائج كما يلى :
1 ـ يخرج المعفو عنه إلى الحياة فإن كان طالباً فقد تأخر عن أقرانه، ويمكن أن يفصل من دراسته ويحرم من متابعة تعليمه .
2 ـ إن كان موظفاً أو عاملاً فقد تقدم زملاؤه وترقوا وهو قابع مكانه .
3 ـ إن كان تاجراً فقد أفلست تجارته، ويمكن أن يحرم من مزاولة تجارته .
4 ـ إن كان مزارعاً فلن يجد أرضاً يزرعها حيث وقعت تحت الحراسة أو صدر قرار استيلاء عليها .
وسوف تشترك الفئات المعفو عنها جميعها فى الآتى :
1 ـ الضعف الجسمانى والصحى، والسعى المستمر خلف العلاج والشعور المستمر بالضعف المانع من أية مقاومة .
2 ـ الشعور العميق بالنكبات التى جرتها عليهم دعوة الإخوان وكراهية الفكرة والنقمة عليها .
3 ـ انعدام ثقة كل منهم فى الآخر، وهى نقطة لها أهميتها فى انعزالهم عن المجتمع وانطوائهم على أنفسهم .
4 ـ خروجهم بعائلاتهم من مستوى اجتماعى أعلى إلى مستوى اجتماعى أدنى نتيجة لعوامل الإفقار التى أحاطت بهم .
5 ـ تمرد نسائهم وثورتهن على تقاليدهم، وفى هذا إذلال فكرى ومعنوى لكون النساء فى بيوتهن يخالف سلوكهن أفكارهم، ونظراً للضعف الجسمانى والمادى لا يمكنهم الاعتراض .
6 ـ كثرة الديون عليهم نتيجة لتوقف إيراداتهم واستمرار مصروفات عائلاتهم .
النتائج الإيجابية لهذه السياسة هى :
1 ـ الضباط والجنود الذين يقومون بتنفيذ هذه السياسة سواء من الجيش أو البوليس سيعتبرون فئة جديدة ارتبط مصيرها بمصير هذا الحكم القائم حيث يستشعرون عقب التنفيذ أنهم ( أى الضباط والجنود ) فى حاجة إلى نظام الحكم القائم ليحميه من أى عمل انتقامى قد يقوم به الإخوان للثأر .
2 ـ إثارة الرعب فى نفس كل من تسول له نفسه القيام بمعارضة فكرية للحكم القائم .
3 ـ وجود الشعور الدائم بأن المخابرات تشعر بكل صغيرة وكبيرة وأن المعارضين لن يستتروا وسيكون مصيرهم أسوأ مصير .
4 ـ محول فكرة ارتباط السياسة بالدين الإسلامى .
انتهى ويعرض على السيد الرئيس جمال عبد الناصر
إمضاء
السيد / رئيس مجلس الوزراء
السيد / قائد المخابرات
السيد / قائد المباحث الجنائية العسكرية
السيد / مدير المباحث العامة
السيد / شمس بدران
أوافق على اقتراحات اللجنة .
جمال عبد الناصر
هذا تقرير ردىء، وقع فى الخلط الذى حذرنا منه، ونلاحظ عليه ثلاثة أمور :
ـ أن الخصومة بلغت حد اللدد والعنت، وسنؤخر الحديث فى حقيقة ما وقع إلى آخر هذا الفصل .
ـ أن عاطفة التدين أمست موضع اتهام، وأن المتدينين جملة لا يرتاح إليهم .
ـ أن باب المسخ والتحريف الإسلامى نفسه انفتح على مصراعيه، والمتأمل فى أسماء واضعى التقرير يرى أن أغلبهم يسارى النزعة، وهم فى السجون الآن لمحاولات آثمة ارتكبوها ضد حركة التصحيح التى قادها الرئيس أنور السادات ..
لقد اتجه الهدم إذن إلى أعمدة الفكر الإسلامى نفسه، وانفسح المجال أمام كل أفاك ليقول ما عنده وهو آمن، على حين احتبست أصوات المؤمنين فى حلوقهم .
ولم يتحرك فى ميدان الدين كله إلا واحد من رجلين : إما مسلم منحرف يضر الإسلام ولا ينفعه، أو نصرانى ذكى اهتبل الفرصة فامتد إلى ما قصرت عنه آمال أسلافه من ألف عام ..
وظهر المسلمون وكأنهم فى أعقاب غارة عاتية أكلت الأخضر واليابس .
ولنشرع فى إيضاح الأمور التى لاحظناها على التقرير الآنف بادئين بآخرها الذى يمس التاريخ الإسلامى .
صور من الهجوم على الإسلام ذاته، تحقير الماضى، تزوير التاريخ
ظهرت حركة تحقير " للماضى " وصرف للشباب عنه وعن القيم التى يحتويها .
ترجم الدكتور زكى نجيب محمود عن ذلك فى مقال نشرته جريدة " الأهرام " جاء فيه أن بناء الإنسان العربى فى العصر الحديث لا يجوز أن يعتمد على ما كان أى على قال فلان وروى علان .. !!
من المقصود بهذا الكلام المرسل ؟
من الذين يعتمدون على القول والرواية فى مجتمعنا ؟
إن الرجل يطلب فى إجمال ترك القرآن والسنة، وإذا لم يصرح بذلك فلأنه حدد هدفه وصرح به فى مقال آخر عندما أوصى بقراءة كتاب " رأس المال " لكارل ماركس .
ونحن المسلمين تعلمنا فى كتابنا احترام " الحقيقة " بغض النظر عن زمان ماض أو قادم، فلا الحقيقة يشينها أنها من نتاج الأوائل، ولا الخرافة يزكيها أنها من إنتاج المعاصرين ..
ومن بيع الماء للسقائين ـ كما يقول العامة ـ أن ينصح ناصح الإسلام والمسلمين بعدم التعويل على الماضى عند وزن الحقائق، كيف والقرآن الكريم يعيب المقلدين الجامدين فيقول :
" وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون " ( المائدة : 104 )
ولكن الماضى يعاب يوم يكون أمجاد الإسلام وهداياته، ويترك ليؤثر فى الكيان الدولى يوم يكون إقامة لإسرائيل وإحياء لترهات العهد القديم !!
أما الدكتور " فؤاد زكريا " فيربط بين تقديس الماضى والنظام الإقطاعى فيقول : " إن زمام السيطرة فى هذا المجتمع يقع فى قبضة أناس يتجهون بحكم وضعهم الاجتماعى إلى تكريم الأسلاف والإشادة بماضيهم، فلذلك الإقطاعى الكبير يدين بثروته ونفوذه فى معظم الأحيان للوراثة ..
" وهكذا فإن أمجاده كلها مرتبطة بالماضى، وكل قيمة للحاضر إنما تستمد ـ فى نظره ـ من علاقته بهذا الماضى . ولما كان الأعيان الإقطاعيون هم المسيطرين فى هذا المجتمع فإن طرق تفكيرهم وقيمهم الأخلاقية هى التى تنتشر وتطبع صورتها على المجتمع ككل ! ..
" ومن هنا تتعلق الأذهان فى مثل هذا المجتمع بالماضى، وتنظر إلى المستقبل بعين الارتياب، بل إنها لا ترضى عن الحاضر ذاته إلا بقدر ما يكون انعكاساً للماضى .. " .
إننى تحيرت فى بواعث هذا الكلام، هل الشكوى من التعلق بالماضى تعود إلى تشبث الملاك الكبار والصغار بوسائل عقيمة فى الإنتاج ؟
واقع بلادنا ينطق بغير هذا .
إذن ما القصد من مهاجمة الماضى ورفض امتداده فى الحاضر ؟
ومضيت فى قراءة كتاب " الجوانب الفكرية للنظم الاجتماعية " الذى ألفه الدكتور " فؤاد زكريا " فإذا هو يتحدث عن تأثير المصالح الإقطاعية فى التصورات الدينية فيقول إنها " أسهمت بدورها فى تشكيل عقول الأفراد بصورة مميزة : تلك هى إدخال نوع من التفاوت أو التسلسل فى المراتب فى المجال الروحى ذاته . فهناك مجتمعات تتصور الألوهية عالية مترفعة عن عالم البشر، وتقيم نوعاً من تدرج المراتب بين هذه الألوهية وعام الناس، فبعد الله يأتى الأنبياء والقديسون، ثم كبار الكهنة ورجال الدين، ويندرج الترتيب بعد ذلك حتى يصل آخر الأمر إلى الإنسان العادى . ولا بد فى الارتقاء إلى كل مرحلة من هذه المراحل من المرور بالمراحل السابقة، أى أن الإنسان العادى لا يستطيع مثلاً أن يتقرب إلى الله أو يحظى بالشفاعة من أحد القديسين إلا عن طريق الكاهن الذى يتوسط بينه وبينهم ..
" بالتدرج وتفاوت المراتب أن هناك نظرات أخرى إلى الدين تختفى فيها هذه الحواجز، ويشيع فيها التقارب بين الله والإنسان !! إذ يعد الله قريباً من البشر مستجيباً ومعيناً لهم، بل إن بعض المذاهب الدينية تؤكد حلول الله فى العالم، وإمكان اتحاد الإنسان به إذا هو ارتقى إلى مستوى معين من الروحانية !! هذه الفكرة الأخيرة ترتبط بنظرة أكثر ديمقراطية إلى المجتمع ..
" والدليل على أن هذه النظرة إلى الدين انعكاس لنظام اجتماعى يتسم بالديمقراطية على حين أن فكرة تسلسل المراتب من الأعلى إلى الأدنى كانت البشرى لأنها لا ترتكز على تأكيد الفوارق فى المرتبة بين الموجودات .. وبالفعل سادت هذه النظرة فى العصور التى كانت أقرب إلى روح مقترنة بالفوارق التى هى أولى خصائص المجتمع
الإقطاعى .. " .
أى أن الدين قد يكون إنتاجاً إقطاعياً أو إنتاجاً ديمقراطياً !! فحيث توجد فوارق بين الله والناس فالدين اختراع الإقطاعيين، أما حيث تقل الفوارق ويمكن أن يتحد الإنسان مع الله فالدين اختراع الديمقراطيين !!
هذه هى فكرة أستاذ فلسفة عن الدين يقدمها لطلابه فى كلية آداب عين شمس .
فما تكون إذن تصورات الأطفال والبله عن حقائق الأديان ؟؟
ظاهر أن الدكتور شيوعى، وأن حديثه الغامض عن الماضى وتقديس الأسلاف إنما هو لصرف الطلاب المسلمين عن النهر الذى يستقون منه، لأن منابعه هناك فى الماضى القديم .
هل الأمانة العلمية تقتضى تدريس الباطل وحده ؟ أم يدرس الحق والباطل معاً ويترك للطلاب حرية الموازنة والاختيار .
لكن أساتذة الفلسفة الذين ذكرناهم هنا لم يجشموا أنفسهم عبء الاطلاع على الفكر الإسلامى فى مظانه المعروفة وانطلقوا فى طريقهم يدمرون مستقبل أمة وهم آمنون .
بل لعلهم كانوا يفعلون ذلك وهم ينفذون خطة مرسومة، ويرقبون من ورائها الرضا والانتفاع .
وشعبة أخرى حاذت هذه الشعبة الفلسفية فى نبذ الماضى . علام تقوم ؟ تقوم على تزوير التاريخ الإسلامى والسيرة النبوية أجمع ابتداء من دولة الخلافة إلى يوم الناس هذا ..
وهدف هذه الشعبة الفكرية إبراز " محمد " إنساناً عادياً، أو قائد انقلاب اقتصادى يسارى على نحو ما صنع أو حاول أن يصنع " جيفارا " .
وقد كتب السيد عبد الرحمن الشرقاوى ـ وهو شيوعى معروف ـ سيرة على هذا النسق حشاها بالدس والتدليس العلمى وتوجيه الأحداث بعنف فى غير مسارها .
وأصدرت مجلة الأزهر عدداً يحتوى جملة مقالات فضحت هذه السيرة السيئة، وحذرت منها دون جدوى .
وقد تعرض السيرة الشريفة من خلال نظرات استشراقية واتهامات تبشيرية من غير كشف لتهافت هذه النظرات والاتهامات .
ولا بأس أن يعرض الفتح الإسلامى، وكأن العرب أسراب جراد منطلق فى الأودية اليانعة ليأتى على ما فيها .. أما تحريرهم للشعوب المسترقة وتحطيمهم للقوتين العظيمتين المنتفختين بالجبروت والاستعلاء فهذا ما لا يقال ؟!
وقد ينسب للعرب ـ امتناناً عليهم ـ أنهم نقلوا حضارة الأقدمين إلى العصور الوسطى، أما أنهم أصحاب حضارة مقدورة ورسالة هادية ومدنية راقية فلا ..
وفى كلية آداب عين شمس كان التاريخ يدرس على هذا النحو !!
مساكين طلابنا الذين راحوا ضحية هذا الإرهاب الفكرى فى مرحلة " جأر " فيها الضلال " وخرس " فيها الحق !!
كتب أخونا " على عبد العظيم " هذا التقرير عن كتاب ألفه الدكتور " عبد المنعم ماجد " وأسماه " التاريخ السياسى للدولة العربية " ننشر نصه كاملاً لما له من دلالة . قال :
" المؤلف من أعضاء هيئة التدريس بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وكان عليه أن يقدر المسئولية وأن يرعى الأمانة العلمية، وأن يعتمد فى أبحاثه ودراساته على المراجع التاريخية الأصلية التى عاصر مؤلفوها الأحداث أو نقلوها بأمانة عمن عاصرها وشارك فى أحداثها، ولكنه اعتمد على المبشرين والمستشرقين المتعصبين الذين تمتلئ قلوبهم بالأحقاد المتوارثة على الإسلام والمسلمين والذين أعمتهم العصبية الحمقاء فأضلتهم سواء السبيل ..
" ومن الغريب أنه يسرد آراءهم دون مراجعة أو تمحيص، وينقلها كأنها حقائق ثابتة، ويلقنها لتلاميذه ويلزمهم بها كأنها أحكام صحيحة لا تحتمل البحث أو الجدال، وليس هذا شأن الأساتذة الجامعيين الذين يرعون الأمانة ويقدرون المسئولية ويتحرون الحقائق من مصادرها الأصيلة، ويراجعون أنفسهم مراجعة دقيقة قبل إصدار الأحكام الحاسمة التى تشوه التاريخ العربى وتلطخ القيم الإسلامية العليا بأبشع الأكاذيب والمفتريات ..
" ولو كان الأمر مقصوراً على كتاب يؤلفه صاحبه ويحشوه بما يشاء من آراء المنحرفين المتعصبين لهان الأمر، ولكنه كتاب جامعى مفروض على طلبة الكلية فرضاً منذ سنوات يتلقاه الطلبة عن أستاذهم واثقين به ليرددوا ما فيه ـ بعد ذلك ـ على عشرات الآلاف من تلاميذهم فى التعليم العام عاماً بعد عام " .
والمؤلف يعلم أن هناك مستشرقين منصفين، درسوا الحضارة الإسلامية والتاريخ العربى دراسة علمية عميقة بعيدة عن الهوى والتعصب، وأنصفوا العرب والمسلمين، وعززوا آراءهم بالأدلة الحاسمة والبراهين القاطعة معتمدين على الآثار الإسلامية الباقية والتراث العربى الخالد، ولكن المؤلف تحاماهم جميعاً واستباح لنفسه أن يسرد آراء المتعصبين الحاقدين دون دليل أو برهان كأنه يشفى غليلاً فى نفسه أو يشيع ما حملته طبيعته من بواعث الهدم والتدمير، ومن الخير أن نسوق بعض الأحكام التى ملأ بها الكاتب صفحات كتابه دون نقد أو تمحيص :
أولاً :
صفحة 60، 61 من الجزء الأول : " كان بعض الأعراب يذبحون الكلاب كقبيلة أسد أو يأكلون لحوم الناس كقبيلة هذيل .. كما أن بعض الأعراب كانوا يأكلون الحيات والعقارب والجعلان والخنافس أو حتى القمل " .
ثانياً :
يذكر المؤلف فى صفحة 94، 95 أن تاريخ ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم غير معروف بالضبط، ويتشكك فى ربطه بعام الفيل، ويوحى بأن ذلك ناشىء عن محاولة الربط بين مولده وهذا الحادث القومى بالنسبة لقريش، ومن الغريب أن يعتمد فى ذلك على معجم البلدان لياقوت، وهو كتاب متأخر ويعتبر من الكتب الجغرافية لا التاريخية، كما يعتمد على ثلاثة مراجع فرنسية، يفعل هذا على حين يترك المصادر التاريخية المتقدمة الأصيلة مثل تاريخ الطبرى وسيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد وفتوح البلدان والروض الأ