النظـــــام الاقــــتــــصادي
في الإســــــلام
إعداد :
د/ مسفر بن علي القحطاني
الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
1423هــ / 2002م
تمهيد :
- تعريف الاقتصاد الإسلامي :
الاقتصاد في اللغة : مأخوذ من القصد وهو استقامة الطريق والعدل،والقصد في الشيء خلاف الإفراط ؛ وهو ما بين الإسراف والتقتير ( ).
أما في الاصطلاح : فهو " الأحكام والقواعد الشرعية التي تنظم كسب المال وإنفاقه وأوجه تنميته "
- وأحكام الاقتصاد الإسلامي تمتاز بأنها ثابتة ومتغيرة . فهي إذاً على نوعين :
الأول : الأحكام الثابتة :
وهي ما كانت ثابتة بأدلة قطعية أو راجعة إلى أصل قطعي في الكتاب أو السنة أو الإجماع كحرمة الربا ، وحل البيع ، كما في قوله تعالى : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة:275 ]، وكون الرجل له مثل حظ الأنثيين من الميراث كما في قوله تعالى لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ [النساء:11]، وحرمة دم ومال المسلم للحديث : (( إن الله قد حرم دماءكم وأموالكم ))( ). إلى غيرها من وجوب الواجبات ، وتحريم المحرمات ، وأحكام الحدود والمقدرات .
وتمتاز هذه الأحكام بأنها:لا تتغير ولا تتبدل مهما تغيرت الأزمنة والأمكنة ، كما أنها تتصف بصفة العموم والمرونة ؛ لتطبق على جميع الناس من غير عسر ولا مشقة ،فهي حاكمة لتصرفات الناس لامحكومة بهم .
الثاني : الأحكام المتغيرة :
وهي الثابتة بالأدلة الظنية في سندها أو في دلالتها والمتغيرة تبعاً لمقتضيات المصلحة . وهذه الأحكام قد تتغير أحكامها باختلاف أحوال النظر فيها . فهي خاضـعة لاجتـهاد العلماء وتغيرها بحسب المصلحة يختلف أحيانا بحسب الأشخاص و الأزمان والأمكنة ، فيجوز لولي الأمر المجتهد أو العلماء المجتهدين أن يختاروا من الأحكام ما يرونه مناسباً لمستجدات الحياة وفق مقاصد الشريعة المعتبرة ( ). ومن أمثلتها :
- تضمن الأجير المشترك -كما فعل علي بن أبى طالب- ما لم تقم بيّنة على أنه لم يتعد وقد كان الحكم قبل
ذلك بعدم تضمينهم ؛ لأن يدهم يد أمانة ويد الأمان غير ضامنة فلما جاء عهد علي –رضي الله عنه – ضمّنهم لاختلاف أحوال الناس وضياع الأمانة بينهم وقال : " لا يصلح للناس إلاّ ذلك " .
- إيقاف عمر صرف سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة معللاً ذلك بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان يعطيهم ليتألف قلوبهم و الإسلام ضعيف، أما وقد أعزّ الله دينه فلا حاجة لتأليفهم ، وقد أقرّه الصحابة على ذلك فكان إجماعاً . .
- والخراج على الأراضي المفتوحة عنوة . وما عدا ذلك من الأحكام مما لا يرجع إلى أصل قطعي أو ظني فهو باطل لأنه سيكون من الهوى واستحسان البشر، كتحليل الربا، وإباحة الرشوة وبيع الخمور ولحوم الخنزير كما يفعل للسياحة وغيرها .( )
- نشأة علم الاقتصاد الإسلامي :
من المقرر أن الإسلام نظم حياة الأفراد بما يحقق لهم مهمة الاستخلاف ،وعبودية الله عز وجل في الأرض ولم يدع مجالاً من مجالات الحياة إلا وبيّن ما يحتاجه الإنسان من أحكام وتصورات تحقق الكثير من المصالح الدنيوية والأخروية .
ومن ذلك تنظيم احتياج الناس لكسب المال وتوفير الاحتياجات الحياتية الخاصه بهم .
وقد كانت حياة النبي -صلى الله عليه وسلم -هي الأنموذج الأمثل لتطبيق هذا التشريع الاقتصادي وكذلك حياة الخلفاء الراشدين .
إلا أن الحياة والمشكلات الاقتصادية في الصدر الأول كانت محدودة لأمرين : -
1- فقر البيئة وتواضع الأنشطة الاقتصادية( كالرعي والتجارة المحدودة - والزراعة القليلة .. ) .
2- قوة الوازع الديني في النفوس فلا تجد غشاً ولا تدليساً ولا غبناً ولا احتكاراً .. ولكن مع توسع المعاملات بين الناس وازدهار التجارة والصناعة ،وانفتاح المجتمعات والدول على بعضها البعض ، وضعف الوازع الديني والإيمان بالله،وظهور الحيل والخديعة في معاملات الناس ، استجدت قضايا اقتصادية تختلف تماماً عما عاشه سلف الأمة ؛كالشركات الحديثة وبيوع الأسهم والبورصات والمعاملات المصرفية وغيرها، إضافة إلى الحاجة لضبط معاملات الناس وعقودهم لكي لا تفضي إلى النزاع والخلاف ، مما أدى إلى اهتمام العلماء بدراسة هذا العلم وبحث قضاياه ومعالجة مشكلاته .
- وفي بداية القرن العشرين ظهرت مذاهب اقتصادية تبنتها دول عظمى تريد الثروة واستعمار خيرات الشعوب أشهرها النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي . أما النظام الإسلامي فقد تضعضع بسبب هيمنة الدول الأجنبية على بلاد المسلمين ،وإقصائهم للشريعة الإسلامية من التطبيق والتحكيم في شؤون الحياة . أما النظام الاشتراكي فقد تلاشى نفوذه وانتهى إلى غير رجعة لأنه كان يحمل عوامل فنائه في داخله وما زال النظام الرأسمالي يحتل السيطرة على اقتصاد أكثر دول العالم في الفترة الراهنة وقد لا تطول هذه الفترة بسبب تهديد الأزمات الاقتصادية المتفجرة من حين لآخر .( )
- من خلال ما سبق ذكره من تطور وتغير كبير في حياة الأفراد و المجتمعات نجد الحاجةللنظام الإقتصادي الإسلامي في عصرنا الحاضر أكبر وأشد من أي عصر آخر للأمور الآتيه :
1- أنه يعالج باطن الإنسان وكيانه الداخلي ،ويطّهر نفسه بالمراقبة المستمرة لله عز وجل،ويربطه بالإيمان بالله واليوم الآخر . يظهر ذلك من خلال صور الإنفاق للأقربين والمحتاجين ،وأداء الزكاة، و التكافل والبر بالأيتام المحتاجين ، وعدم الغش وأكل أموال الناس بالباطل والخوف من الإضرار بالآخرين .( )
2-تحقيق العدالة والتوازن بين حاجات الفرد والمجتمع . ومصلحة الفرد والجماعة (كما سيمر معنا في الملكية المزدوجة ) .
3-دوره الكبير في علاج الأزمة المعاصرة التي بدأت في السبعينات من خلال المظاهر التالية :
أ ) فقدان آلية الأسعار لفعاليتها في مواجهة الأزمات فالأسعار فيما مضى تتجه نحو الانخفاض في وقت الأزمة أما الآن فتتجه نحو الارتفاع وهو ما يسمى بالتضخم الركودي .
ب) أزمة الديون الخارجية التي تحكم أكثر الدول في العالم ففي عام 1971م كانت ديون الدول الفقيرة 86 مليار دولار فقزت إلى 814 مليار دولار عام 1984م ويشير التقرير السنوي للبنك الإسلامي للتنميةلعام 1999م أن مقدار الديون الخارجية على العالم الإسلامي فقط تصل الى632مليار دولارفلم يعد باستطاعتها تسديد فوائد القروض فضلاً عن الاتجاه نحو التنمية والإنتاج المثمر .
ج) النهب المستمر للدول الفقيرة من خلال استنزاف الفائض الاقتصادي فيها ويقدر بعض الاقتصاديين أن
ما تم نهبه منها في الخمسينات والستينات من قبل الدول الرأسمالية يبلغ نحو 2مليار دولار سنوياً . ولم تجد الدول الغربية ما يكفيها من أموال وخيرات هذه الدول إلامن خلال إغراقها بالمنتجات الاستهلاكية والترويج لها من خلال وسائل الإعلام، وتسويق تقنيات عالية الكلفة معقدة التشغيل تجعل الحاجة للمنتِج مستمرة لا تنقطع( ) .
- أما في عصرنا الحاضر فإن النظام الرأسمالي بدأ يحكم قبضته على أكثر اقتصاديات دول العالم ، ويسيطر عليها تحت غطاء ( العولمة ) والذي بدأ يُنادى به و يروّج على أنه المخرج من الواقع المظلم الذي تعيشه كثير من الأمم ليخرجها من انحطاطها إلى مدارج النهضة .
ومن الإجراءات التي اتبعها الفكر الرأسمالي لعولمة الاقتصاد تأسيسه لمنظمة التجارة العالمية والتي تعتبر امتداداً لاتفاقية ( الجات ) وهي : الاتفاقية العامة على الرسوم الجمركية والتجارة .
وتهدف إلى تحرير تجارة السلع الزراعية والصناعية والمنسوجات والخدمات ،وتحرير التبادلات التجارية والتدفقات المالية الناتجة عن العقود الحكومية الضخمة . ولما أخفقت ( الجات ) في تحقيق ما أرادته الدول الرأسمالية ،وذلك أن الاتفاقيات والتوصيات التي تقوم بها ( الجات ) لا تعتبر ملزمة للأعضاء ، فاستعاضت عنها بـ ( منظمة التجارة العالمية ) التي رأت النور في مراكش عام 1994م وبدأ العمل بها 1995م .
- ومن المزايا الإيجابية لمنظمة التجارة الدولية :
1-إتاحة الفرصة أمام الدول لزيادة صادراتها نتيجة لفتح الأسواق العالمية وسهولة النفاذ إليها.
2-الحرص على تحسين الإنتاج وجودة النوعية نتيجة لرفع الدعم الحكومي للتمكن من المنافسة العالمية .
3-حماية الحقوق التجارية والملكية الفكرية ، للشركات الكبرى ومعاقبة الاعتداء على ذلك .
هذا ولا بد من الإشارة إلى أن الدول الكبرى وشركاتها النافذة هي التي ستحظى بهذه الإيجابيات أما باقي الدول فقد يكون من النادر حصولها على أي آثار إيجابية وبالأخص الدول النامية . ومن هنا كانت الحاجة لإبراز بعض السلبيات ؛ فمنها على سبيل المثال :
1-إن فتح الأسواق وحرية التجارة ستؤدي إلى غلبة الاستثمار الأجنبي وسيطرة الشركات المتعددة الجنسية التي تنتج أكثر من 87% من واردات العالم و94% من صادراته وبالتالي سيضعف الإنتاج الحكومي
ويعاني من الركود لعدم قدرته على المنافسة مما سيشل اقتصاد كثير من الدول النامية .
2-سيؤدي الدخول في منطقة التجارة العالمية إلى توقف الدعم الحكومي للمنتج الوطني وبالتالي إلى ارتفاع أسعار تلك المنتجات وبالأخص الزراعية فينعكس على زيادة الاستيراد والشراء من المنتجات العالمية الأرخص فتضعف بالتالي المنتجات الوطنية وتخسر شركاتها .
3- زيادة معدل البطالة والتضخم في كثير من الدول نتيجة ارتفاع الأسعار المتوقع .
4-اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء لأن العولمة الاقتصادية تؤكد مبدأ المصلحة الفردية فقط، كذلك ستصاب الشعوب بحمى الاستهلاك والشراء نتيجة إغراق الأسواق بالمنتجات الكمالية وطغيان الدعاية والإعلان على عقول الناس مما يحقق ثراءً أكبر للأغنياء وفقراً للبقية من الأفراد . فعلى سبيل المثال : تؤكد بعض التقارير أن ثروة مؤسس شركة ميكروسوفت للكمبيوتر تعادل ثروات 106 ملايين مواطن أمريكي .( )
ومن هنا كان من المهم بيان الدور الذي يمكن أن يقوم به الاقتصاد الإسلامي لحل مشكلات العالم الاقتصادية ،وكيف يحقق للأفراد النماء والاستقرار والكفاية دون الوقوع في منزلق الحاجة والعوز. ولعلنا من خلال الصفحات القادمة أن نسلط الضوء على أهم أركان الاقتصاد الإسلامي والتي يتضح من خلالها سعي الإسلام لرفاء الناس وسد حاجاتهم وإسعادهم في الدنيا والآخرة .
أركان الاقتصاد الإسلامي
يقوم الاقتصاد الإسلامي على ثلاثة أركان ( ) :
الركن الأول : الملكية المزدوجة :
ونقصد بها:الملكية الخاصة التي يختص الفرد بتملكها دون غيره،والملكية العامة هي الملك المشاع لأفراد المجتمع.والاقتصاد الإسلامي يقوم على تلك الملكيتين في آن واحد.ويحقق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ويعترف بهاتين المصلحتين طالما لم يكن ثمة تعارض بينهما؛وكان التوفيق بينهما ممكناً.أما لو حصل التعارض فإن الإسلام يقدم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد.ومن الأدلة على ذلك:-
1- قوله صلى الله عليه وسلم (( لا يبيع حاضر لباد )) ( ) يعني أن يكون له سمساراً فيرفع السعر على الناس بأعلى مما لو باع البادي بنفسه .
2- قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تلقوا الركبان )) ( )فالمتلقي سيشتري بسعر أقل وسيبيع الناس بسعر أعلى ،وهو فرد قد حرم الناس من الشراء من الركبان أنفسهم بسعر أقل .
3- أجاز بعض الفقهاء إخراج الطعام من يد محتكره قهراً وبيعه على الناس ( ).
وسنبين مجالات كل نوع وأهميته فيما يلي : -
أولاً : الملكية الجماعية :
مجالات الملكية الجماعية ومصادرها :
1- الأوقاف الخيرية :
والوقف معناه :" تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة "( ). وهذه المنفعة لا يختص فرد بملكيتها بل هي عامة لكل من يستحق الوقف . واشترط الفقهاء أن يكون على فعل معروف كبناء المساجد ورعاية العلم وأهله،وعمل المستشفيات ،والنفقة على المحتاجين وما ينفع الناس .
2-الحمى :
وهو : أن يحمي الإمام جزءاً من الأرض الموات المباحة لمصلحة المسلمين دون أن تختص بفرد معين منهم ( ). فالحمى ينقل الأرض الموات لأن تكون ملكاً للمسلمين تخدم مصالحهم . ودليله : حمى النبي -صلى الله عليه وسلم- أرض النقيع في المدينة وجعلها لخيل المسلمين ( ).
ومن الأدلة أيضا : أن أبا بكر حمى أرض الربذة وكذا عمر( ) .
3-الحاجات الأساسية : كالماء والكلأ والنار .
فهذه الأمور مملوكة لجميع الناس لا يجوز لفرد أن يمتلكها دونهم . لأنها حاجات ضرورية وجدت دون مجهود يقدمه الفرد لاستخراجها ،فلا يستأثر بها أحد دون الآخرين.
فإذا نزل المسلمون بأرض فلهم أن يرعوا إنعامهم من النبات الذي أخرجه الله عز وجل ،وكذا يردوا الماء الذي فيه والذي لادخل للإنسان في استخراجه والعمل على إنشائه .
و دليله : حديث أبيض بن حمال لما وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم -استقطعه الملح فقطع له . فلما ولى قال رجل من المجلس أتدري ما اقتطعت له إنما اقتطعته الماء العدّ . قال : فانتزعه منه .( )
4-المعادن :
هي ما أودعه الله في هذه الأرض من مواد برية وبحرية ظاهرة أو باطنه لينتفع بها الناس من حديد ونحاس وبترول وذهب وفضه وملح وغير ذلك .
ولا خلاف بين الفقهاء في أن المعادن إذا ظهرت في أرض ليست مملوكة لأحد تكون ملكاً للدولة أي تدخل في ملكية الأمة العامة .
وقد يثور الخلاف إذا ظهرت هذه المعادن في أرض مملوكة ملكية خاصة ، والراجح ما ذهب إليه المالكية في أن ما يعثر عليه من معدن يكون ملكاً لبيت مال الدولة تنفقه على مصالح المسلمين قياساً على المنافع العامة وحاجة جميع الناس إليها .( )
5-الزكاة :
وهي:" الحق المالي الواجب لطائفة مخصوصة في زمن مخصوص "( ).وهي من المصادر الأساسية للملكية العامة،حيث أمر النبي-صلى الله عليه وسلم -بذلك فقال:(( تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم )) فهو يدخل في نطاق الملكية العامة وبالأخص لأهل الحاجات المنصوص ذكرهم في الأية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة: 60]
6-الجزية :
وهي الأموال التي تؤخذ من البالغين من رجال أهل الذمة والمجوس مقابل ما يتمتعون به من حقوق . وهي في مقابل عدم أخذ الزكاة من مالهم . وهي لا تجب إلا مرة في السنة ويراعى فيها العدل والرحمة وعدم تكليفهم فوق طاقتهم ( ).
7-الخراج :
وهو المال الذي يُجبى ويؤتى به لأوقات محددة من الأراضي التي ظهر عليها المسلمون من الكفار ، أو تركوها في أيديهم بعد مصالحهتم عليها . والأراضي المملوكة لغير المسلمين لايؤخذ منها زكاة فاكتفي بالخراج بدلاً من ذلك( ) .
8- خمس الغنائم :
تقسم الأموال التي تغنم من الكفار إلى خمسة أقسام . واحد من هذه الاقسام يقسّم على من في الآية : وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال: 41]، وهو ما يسمى بخمس الغنائم ( ). يدل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم -بعد أن أخذ وبرة من جنب بعير فقال : (( أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس . والخمس مردود عليكم )) ( ).
9-الأموال التي لا مالك لها .
الأموال التي لا يعرف أصحابها كتركة من لا وارث له . أو لا يرثه إلا أحد الزوجين ،فإن ما يتبقى يكون لبيت مال المسلمين . وكذلك الودائع والأموال السائبة التي لايعرف مالكها. ويلحق بها أموال الرشوة فإنها تخرج عن ملك الراشي وترد إلى بيت المال ، ولا يأخذها المرتشي كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم - مع ابن اللتبية فإنه لم يأمره برد الهدايا إلى أهلها( ) .
10-العشور المأخوذة من مال الحربيين :
فإذا دخل إلينا تاجر حربي بأمان أُخَِذَ منه العُشر عن كل مال للتجارة وجعل في بيت مال المسلمين ( ).
دليله أن عمر كُتِبَ إليه في أناس من أهل الحرب يدخلون أرض الإسلام فيقيمون . فكتب إليهم : إن أقاموا ستة أشهر فخذ منهم العشر وإن أقامو سنة فخذ منهم نصف العشر . وكذلك أهل منبج لما أرادوا أن يدخلوا أرض العرب للتجارة كتبوا إلى عمر يعرضون عليه الدخول فشاور الصحابة فأجمعوا على أن يأخذوا منهم العشر( ).
من أهداف الملكية الجماعية :
1- استحقاق جميع الناس الثروة العامة ذات المنافع المشتركه سواء من الحاجات الضرورية أم غيرها،والتوسعة على عامة المسلمين . فالماء والكلأ والنار والملح من الأشياء التي تقوم حياة البشر عليها فإذا احتكرها أي أحد استطاع أن يتحكم في مصير الناس .
2- تأمين نفقات الدولة : فالدولة ترعى الحقوق وتقوم بالواجبات وتسد الثغور وتجهز الجيوش وتقوم بما يسد حاجات الضعفاء واليتامى والمساكين وكذلك الأمن والتعليم والعلاج وكافة الخدمات العامة ولا يمكن أن تقوم الدولة بهذه الجهود المباركة إلاّ من خلال هذه الأموال العامة.
3-تشجيع الأعمال الخيرية والتوسعة على المحتاجين من المسلمين . فالوقف والزكاة كانت إسهامة مباركة لسد حاجات المجتمع وتمويل الأعمال الخيرية كالمساجد والمدارس والمكتبات والمستشفيات وغيرها .
4-استغلال الثروات على أحسن وجه لصالح البشرية ولا سيما المشروعات التي يعجز الأفراد أو الشركات عن القيام بها إما لعدم تحقق الإمكانيات أو تكاليفها الباهظة ،كبناء المواني وإقامة المدن الصناعية واستغلال الأراضي الشاسعة للزراعة وغيرها ، ولكن عندما يكون لبيت مال الدولة مصادر تثريه تجعله قادراً على القيام بهذه المشاريع العظيمة .
ثانياً : الملكية الخاصة :
مجالات الملكية الخاصة ومصادرها :
1-البيع والشراء :
ودليله قوله تعالى : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة: 275]وقوله وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [البقرة: 282]وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (( التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء )) ( ).
2-العمل بأجر للآخرين :
فقد جاءت النصوص المرغبة بالعمل الخاص والكسب المباح كما في قوله -صلى الله عليه وسلم - : (( ما أكل أحد طعـاماً خيراً من أن يأكل من عمـل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده )) ( ) ولحديث : (( نهى عن استئجار الأجير حتى يتبين له أجره )) ( ).
3-الزراعة :
وهي من مصادر الملكية الخاصة وقد رغب الشرع فيها كما في قوله تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك : 15] . ولحديث النبي -صلى الله عليه وسلم - : (( ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة )) ( ) . ولحديث النبي -صلى الله عليه وسلم -: (( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها )) ( ). قال الإمام الماوردي : " أصول المكاسب الزراعة والتجارة .. والأرجـح عندي أن أطيبها الزراعة " لعموم نفعـها وتحقيقها التوكل على الله ( ).
4-إحياء الموات :
نعني بالموات الأرض الميتة الداثرة المنفكة عن الاختصاصات وعن ملك معصوم . ودليلها حديث النبي -صلى الله عليه وسلم -: (( من أحيا أرضاً ميتة فهي له )) ( )
وشروط إحياء الموات : -
أ ) أن لاتكون الأرض ملكاً لأحد من المسلمين أو غيرهم .
ب ) أن لاتكون داخل البلد .
ج ) أن لاتكون من المرافق العامة كالمنتزهات أو المسايل .
د ) أن يتحقق فيها إحياء الأرض في مده أقصاها ثلاث سنين إما بعمل حائط منيع أو إجراء الماء أو غرس الشجر .
هـ ) أهلية المحي بأن يكون قادراً على إحياء الأرض .
و ) إذن الإمام ،وهذا شرط عند أبى حنيفة، واشترطه مالك إذا كانت الأرض قريبة من البلد.( )
5-الصناعة والاحتراف :
حث الإسلام على الصناعة وأخبر النـبي –صلى الله عليه وسلم- (( أن زكـريا كان نجاراً )) ( ) وقد ثبت أن أصحاب رسول الله -صلى عليه وسلم -كانوا عمال أنفسهم. أي أنهم أهل حرفة وعمل ( ).
6-الاحتطاب :
وكل ما يمكن حيازته وليس ملكاً لأحد يقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: (( لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه))( )
7-الصيد :
ومعناه : ( اقتناص حيوان حلال متوحش طبعاً غير مملوك و لا مقدور عليه بآلة معتبرة بقصد الاصطياد)( ) ويدل على إباحته : قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة: 96]وقوله تعالى : يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ [المائدة:4]
8-إقطاع السلطان وجوائزه .
9-الجعل على عمل معلوم والسبق .
10- قبول الهبة والعطية والهدية .
11-اللقطة .
12-الوصايا والإرث .
13-المهر والصداق .
14- ما يأخذه المحتاج من أموال الزكاة والصدقة .
15- ما يؤخذ من النفقة الواجبة كالزوجة تأخذ من زوجها والولد من والده ...
من أهداف الملكية الخاصة :
1-إثراء التعاون الدولي عن طريق الأفراد.والمؤسسات غير الحكومية.وذلك بتعبئة الأفراد للعمل على تنمية البلاد زراعياً وصناعياً ،وإشعارهم بدورهم المهم في عمارة الأرض.وفي ذلك مصالح عظيمة للفرد والمجتمع .
2-تحقيق الخير والرفاهية للأفراد والنفع العام للمجتمع عن طريق المنافسة العادلة بين المنتجين .
3-عدم إشغال الدولة بأمور انتاجية يتمكن الأفراد من تحقيقها .
4-إشباع غريزة حب المال وتوظيفها في المجال الذي فطرها الله عليه .
الركن الثاني : الحرية الاقتصادية المقيدة .
- تقييد الحرية الاقتصادية في الإسلام يعني إيجاد الضوابط الشرعية في كسب المال وإنفاقه لتحقيق الكسب الحلال والنفع العام لأفراد المجتمع .
- وخالف النظام الإسلامي النظام الرأسمالي الذي أطلق حرية الكسب من غير قيود أو ضوابط وخالف النظام الاشتراكي الذي صادر الحرية فمنع الناس من التملك .
- أما الإسلام فقد جعل هناك حرية اقتصادية ولكنها مضبوطة بالشروط الآتية :
الشرط الأول : أن يكون النشاط الاقتصادي مشروعاً :
والقاعدة الشرعية : أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما ورد النص بتحريمه ، فمساحة الحلال في الاقتصاد واسعة ،ولكن بشرط أن لا تخرم نصاً يقتضي حرمة هذا النشاط الاقتصادي ومنها :
1-الربا :
والربا حرام في الإسلام لقوله تعالى : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا[البقرة: 275] إلى غيرها من نصوص الكتاب والسنة وإجماع العلماء( )، وحُرم كذلك في كل الشرائع السماوية ( ) لما فيه من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية :
-فالاضرار الاقتصادية تكمن في أن الربا وسيلة غير سليمة للكسب لما يلي :
أ ) الفائدة التي يحصل عليها المرابي لا تأتي نتيجة عمل إنتاجي بل استقطاع من مال الفرد ، أو من ثروة الأمة دون أن ينتج ما يقابله .
ب) الفائدة الربوية تدفع فئة من الأمة إلى الكسل والبطالة وتمكنهم من زيادة ثروتهم بدون جهد أو عناء .
ج ) الربا يؤدي إلى ظاهرة التضخم في المجتمع ويوسع الهوة بين الفقراء والأغنياء .
د ) إثقال كاهل المقترضين عند العجز عن التسديد لتضاعف سعر الفائدة المحرمة شرعاً .
-أما الأضرار الاجتماعية للربا . فمنها :
أ ) الربا يستغل حاجة المحتاجين عندما يقترضون ، ويلحق بهم الكثير من الأضرار النفسية والاجتماعية والمالية دون اختيار منهم .
ب) ينمّي الضغائن والأحقاد بين الناس لعدم اقتنا ع المقترض بما أخذ منه مهما كانت حاجته ورغبته منه
ج) يلغي معاني الفضيلة والتعاون والتكافل والتراحم بين الناس ( ).
والربا نوعان : -
النوع الأول :ربا النسيئة : وهو ربا الجاهلية . وصورته " أن يقترض الإنسان مبلغاً من المال على أن يعيد بعد فترة من الزمن المبلغ نفسه وزيادة عليه مقابل التأجيل وكلما تأخر عن تسديد المال زاد عليه المبلغ ".
النوع الثاني : ربا الفضل : يعني الزيادة في مبادلة مال بمال من جنسه . صورته " أن يبيع 100 جرام من الذهب القديم للصائغ مقابل 90 جرام من الذهب الجديد في نفس المجلس "( ).
ومن المعاملات المعاصرة التي يدخل فيها الربا:-
1- التأمين التجاري : هو من عقود المعارضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ ، فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمن ،وقد لا تقع الكارثة أصلاً فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً ،وكذلك المؤمن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي وما يأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده . وقد ورد في الحديث الصحيح النهي عن بيع الغرر .
وهذا العقد يشتمل على ربا الفضل والنسيئة . فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل ، والمؤمن ( الشركة ) يدفع ذلك للمستأمن بعد مدّة فيكون ربا نسيئة وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسيئة فقط وكلاهما محرم بالنص والإجماع .( )
2- بطاقة الائتمان : هي البطاقة الصادرة من بنك أو غيره تخول حاملها الحصول على حاجياته من السلع أو الخدمات ديناً ( ).
يدخل الربا في بطاقات الائتمان حينما يفرض مصدرها غرامات مالية على التأخر في السداد أو على تأجيل أو تقسيط المسحوبات المستحقة على البطاقة ،وهذه الغرامات تعتبر من ربا النسيئة المحرم .
3- الودائع المصرفية : هي النقود التي يعهد بها الأفراد أو الهيئات إلى المصارف على أن تتعهد بردها عند الطلب أو بالشروط المتفق عليها . وحقيقة الودائع إنّما هي قروض للمصرف يتصرف فيها ويرد بدلها عند الاقتضاء فأي فوائد مالية يأخذها المودع من البنك تعتبر ربا ( ).
وهذا ما أجمعت عليه كثير من المجامع الفقهية في العالم الإسلامي ( ).
2-الغرر:
وجاء النهي عنه لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه (( نهى عن الغرر ))( ) ومعناه : بيع المخاطرة وهو الجهل بالثمن أو المثمن أو سلامته أو أجله. مثل : بيع الثمار قبل أن تنضج ، وبيع السمك في الماء والطير في الهواء ، وحمل الحيوان قبل أن يولد( ) .
3-القمار والميسر
أ) وهو محرم شرعاً لقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة: 90]و من صوره :
1-أوراق اليانصيب والتي تشترى بمبالغ مالية محددة من أجل توقع الحظ بالفوز بجوائز هذه الأوراق .
2-المراهنة وهو أن يشترط كل من الفريقين على الآخر جعلاً أو مبلغاً في حالة الربح أو الخسارة
3-الأموال التي تنفق على الشراء من متجر ليس بغرض الحاجة للشراء ولكن بقصد الدخول على سحوبات جوائز وغيرها ( ).
الشرط الثاني : أن تتدخل الدولة لحماية المصالح العامة وحراستها بالحد من حريات الأفراد إذا أضرت أو أساءت لبقية المجتمع . ومثالها :
- ما فعلة النبي -صلى الله عليه وسلم -حين وزع فيء بني النضير على المهاجرين وحدهم دون الأنصار إلا رجلين فقيرين. .وذلك لكي يقيم التوازن بينهم .
- بيع عمر السلع المحتكرة جبراً من محتكريها بسعر المثل .
- تحديد الأسعار منعاً لاستغلال الناس والإضرار بهم .
- نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة ....( )
الشرط الثالث : تربية المسلم على أن يؤثر مصلحتة لمصلحة غيره فيتوقف عن كل ما يحقق له النفع ويضر الآخرين .
للحديث : (( لا ضرر ولا ضرار )) ( ).
سبب تقييد الإسلام للحرية الاقتصادية :
1- أن المالك الحقيقي للمال هوالله عز وجل . وله الحق سبحانه أن يحدد تصرفاتهم وفق ما يعلمه من حالهم وما يصلح شؤونهم .
2- عدم الإضرار بحقوق الآخرين أو المصلحة العامة .
3- حماية مصالح بعض الفئات المحتاجة من منافسة الغير لهم كما هو الحال في مصارف الزكاة والإلزام بالنفقة على الأقارب . والضرائب عند الحاجة الماسة إليها ( ).
الركن الثالث : التكافل الاجتماعي :
من الحقائق الثابتة أن أفراد النوع البشري يتفاوتون في الصفات الجسدية والنفسية والفكرية ،وبناء على هذا التفاوت في المواهب والإمكانيات ومقدار التحمل والبذل ؛فإن هناك تفاوت سيكون في إيجاد نوعية العمل ،وبالتالي مقدار الحصول على المال . وبالتالي سيكون هناك أفراد في المجتمع معوزين ، لا يجدون كفايتهم من المال الذي ينفقونه على حاجياتهم الضرورية . ولهذا جاءت عدة تشريعات إسلامية لتحقيق التكافل والتعاون وسد النقص لدى أهل الاحتياج من أفراد المجتمع منها : -
1- الزكاة لسد حاجات المعوزين .
2- إعطاء بيت المال لأهل الحاجات .
3- الإنفاق الواجب على الأقارب ومن تلزمه نفقته .
4- النهي عن الإسراف والبذخ تحقيقاً للتوازن الاجتماعي ومراعاة لنفوس المحتاجين .
5- شرعت الكفارات والصدقات والقروض والهبات وصدقة الفطر والأضاحي والعقيقة وغيرها لتحقيق مبدأ التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع ( ).
منطلقات أساسية للتنمية الاقتصادية
أولاً : الاعتماد على الذات :
يحرص الإسلام في توجهاته وأدبياته على غرس الشعور بالمسؤولية الفردية في كل صعيد ، فالمسلم مسؤول عن توظيف طاقاته ، وحفظ جوارحه ،ورعاية عياله ومحاولة حل مشكلاته .. وهو يلقي في روع المسلم أن عليه قبل أن يطلب مساعدة الآخرين أن يستنفد طاقته في نفع نفسه وعليه قبل أن يحاسب الآخرين أن يحاسب نفسه وقبل أن يقرأ تاريخ الأمم الأخرى أن يقرأ تاريخ أمته. هذه التعاليم والتوجهات ساعدت المسلم على الإقلاع حضارياً مستعيناً على ذلك بانتمائه الديني وطاقاته الذاتية .
إن من المؤسف حقاً في عصورنا الأخيرة تأسيس تنميتنا الاقتصادية على تبعية الأنظمة الاقتصادية الشرقية أوالغربية ،و المشي في ركاب مشاريعهم التنموية التي تستنفذ خيرات الدول الفقيرة والضعيفة مقابل إعطائها الخبرات والحلول الاقتصادية . فبعد سقوط الشيوعية وكف الغرب عن تقديم مساعداته بدأت كثير من الدول الإسلامية صحوة متأخرة من هول صدمة الواقع الاقتصادي الذي تعيشه .
ومن أسس الاعتماد على الذات :
1- الاعتماد على الكفاءات الوطنية وحفظ رأس المال الوطني من التسرب إلى الاستثمارات الخارجية وإنقاذ أكبر عدد من الناس من الوقوع في العوز والحاجة ، من خلال الاستفادة من العناصر المحلية الموجودة والموارد المتاحة في بيئتهم دون نزعهم منها إلى المدن وبالتالي تزداد الهجرة إلى المدن ، وتزداد معها صعوبة العيش والحصول على العمل .
ومن النماذج في ذلك .
* في سيريلانكا قام برنامج عام 1972م بمسمى مجالس تطوير الأحياء يعتمد على المشاركة الشعبية من خلال اختيار أكثر المشروعات قدرة على تحقيق أرباح وإيجاد أكبر عدد من الوظائف بأقل التكاليف وقد استطاع هذا البرنامج خلال 4 سنوات أن يقدم :
- 1882 مشروعاً في جميع أنحاء سيرلانكا .
- نشأ عنه 40 ألف وظيفة .
- الأرباح العائدة فاقت أربعة أضعاف متوسط الإنتاج الحكومي .
2- تدخل الدولة الخدمي والإرشادي والتنظيمي عند اعتمادها على مشاركة الجمهور في تنمية الاقتصاد
بالامكانيات المتاحة .
وذلك من خلال ما يلي :
أ ) إنشاء مراكز معلومات تتخذ من الأرياف والقرى مقراً لها وتقوم بعمليات مسح شاملة للقوى البشرية والموارد المتاحة مع تقديم الخبرات العلمية والتقنية .
ب ) إقامة المشروعات الصغيرة بقروض ميسرة بعيداً عن الربا دعماً للكوادر الوطنية وتقوية للاقتصاد المحلي .
ج ) شراء منتجات المزارع والمصانع من قبل الدولة دعماً لها بشرط مراقبتها للجودة العالية .
د ) الدعوة إلى الإبداع والمكافأة على ذلك .
ففي بنجلاديش صمم منزل مقاوم للمطر والريح بحوائط يتكون الواحد منها من حصيرين من الخيزران بينهما مادة البوليثين القوية التحمل خلال أربعة أيام .
3-الاعتماد على التعليم والتدريب للشباب :
وهو السر في تفوق كثير من الشعوب اقتصاديا.ً ففي اليابان الشركات والمصانع لا تسرح الموظفين نتيجة تقليص الإنتاج وإغلاق بعض خطوطه ولكنها تعيد تأهيلهم في فروع إنتاج جديدة ،وهذا نتيجة حكمة تقول :( إعطاء الفرد سمكة واحدة يوفر له الغذاء مرة واحدة. أما تعليم الإنسان كيف يصطاد السمك فإنه يؤمن له غذاءً متجدداً ودائماَ ) .
فيجب إشغال أوقات الشباب فيما يفيد الخطة التنموية للبلاد إذ في المملكة أكثر من 54% من السكان هم من فئة الشباب دون العشرين فقابليتهم للتدريب والتأهيل عالية جداً وممكن أن تسدّ بهم الثغرات التنموية في القطاعات الأخرى مما يؤدي إلى إشغال وقتهم وتفعيل طاقاتهم بالمفيد النافع. وقد فعلت ذلك حكومة متران السابقة في فرنسا عندما عينت وزيراً للوقت الضائع يعود على الفرد و البلاد بالنفع والفائدة ( ).
ثانياً : التصنيع عصب التنمية الحديثة :
إن توفير الدخول الجيده للأفراد لايكون بعيداً عن التصنيع . والتصنيع المؤثر على الاقتصاد المحلي والدولي هو القائم على التقنية المعاصرة .
إن التقنية التي نريدها هي : كل تقنية تستفيد إلى أقصى درجة من الموارد الطبيعية المتاحة ومن الحجم المناسب من رأس المال والعمال والمهارات والتي تعزز الأهداف العليا والوطنية للأمة .
ومن سمات التقنية المناسبة :
أ ) أنها تلبي حاجات الناس وتوظف الطاقات والامكانيات ، ولاتصبح لها تبعية تؤثر على هذه السمة .
ب ) أن التقنية المناسبة هي التي توظف أكبر عدد من الأيدي العاملة .
ج ) أن التقنية المناسبة هي التي تعتمد على استثمار المعطيات المحلية وتوظيف الخبرات والطاقات المتوفرة ولهذا يمكن أن تفرض الدول على الشركات المستثمرة ما يحقق هذه السمات فالهند مثلاً منعت الشركات الكبرى من إقامة مشروعاتها في الحضر والمدن المكتظه . وألزمت الدوائر الحكومية والمؤسسات من شراء 241 سلعة من المشاريع الصغيره دعماً لها مقابل دخول الشركات الكبرى للبلاد.
ثالثا: الحد من الهدر والاستهلاك :
وهذا تحقيقا لقوله تعالى : وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[لأعراف: 31]وكذلك وصفه سبحانه للمبذرين بأشنع الأوصاف فقال تعالى : إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء: 27].
-فالمجتمع يعيش مظاهر من الإسراف والتبذير مثل الإنفاق على الأثاث والرياش والتحف وبناء المساكن بصورة بذخية فائضة عن الحاجة. بالإضافة إلى المبالغ التي تنفق على السياحة والسفر بلغت نفقاتها في عام واحد فقط من السعودية 25 مليار ريال( ) . وهناك من يستدين بالربا من أجل شراء سيارة فاخرة أوشراء طعام كثير يطبخ ولا يؤكل في مثل كثير من مناسبات الأفراح واللقاءات الاجتماعية .
وهناك دراسة محلية تبين أن المستهلك السعودي ينفق 40 – 60 % على الغذاء و15 – 20% على الكساء ، و15 – 20% على الترفيه و5-10% على التعليم ومثلها على السكن( ).
وبالتالي يفقد المستهلك قدر كبير من دخله وأمواله على كماليات تفيض عن حاجاته وتُضيع مدخراته نتيجة لعادات خاطئة أو محاكاة للآخرين من دون اعتبار الفروقات المالية والاجتماعية .
أسباب ظاهرة الإسراف في المجتمع المسلم :
1-ضعف الشعور الديني لدى المسلم جعله يستسلم لأهوائه وشهواته فيفرط في الإنفاق على متعه ولذاته
2-فقر الحياة الثقافية والاجتماعية جعل مجال التفاضل هو كسب المال وإنفاقه وهدره .
3-ضعف الوعي بقيمة المال وحاجة الأمة إليه ، فالمال قد يصبح أقوى سلاح للأمة إذا سخر في خدمة أهداف الدولة وبنائها الحضاري .
4-الافتتان بالأنموذج الغربي الغني في طريقة العيش والحياة ،ومحاولة التقليد لهم في العادات والتصورات مما زاد من نسبة النفقات على الكماليات الباهظة فيرغم في كثير من الأحيان ذوو ا الدخول المحددة على مضاعفة العمل أو الاقتراض ..
5-تكديس الأشكال الكثيرة من البضائع في الأسواق إلى جانب استثارت الناس إلى الاستهلاك من خلال الدعايات و الإعلانات .
-ومن أجل علاج هذه الظاهرة يجب أن تتعاون الجهات المؤثرة في المجتمع في وضع التدابير اللازمة لتقليلها والحد من انتشارها . من خلال مايلي :
1-زيادة الوعي الديني والاجتماعي بضرورة ترشيد الاستهلاك والإنفاق في كل الأمور الحياتية
2-ضرورة وجود نماذج قيادية يُقتدى بها يتلقف الناس تصرفاتهم الحسنة كنماذج للسلوك السوي الصحيح .
3-زيادة عدد المشاريع الاقتصادية الناجحة لتدفع برؤوس الأموال للخروج إلى الأسواق وعدم
تكدس هذه الأرصدة لدى الناس مما يدفعهم لاستخدامها في مظاهر عديدة للترف والبذخ ( ).
رابعاً : التخطيط الشمولي التكاملي للتنمية :
وهذا التخطيط هو الذي ينظر إلى التنمية من أعلى باعتبارها كل لا يتجزأ دون قصر النظر على الخطط الجزئية أو المرحلية أو المؤقتة فقط . أو التخطيط نتيجة ردة فعل مبنية على أمر طارئ أو خلل عارض ربما يزول وينقطع . و لا يخفى على أحد ما يطرأ على تلك الخطط من تناقض وتعارض عند البدء بأول خطوة نحو التنفيذ ، فالتنمية الصحيحة لابد أن تسير وفق مخطط شمولي يسعى إلى التكامل في البناء والأعمال ، وعندها نكون قد قضينا على النتوءات والفروقات التي يمكن أن تحدث بعد ذلك بين خدمات المرافق المتنوعه وقابليتها للتطوير أو الزيادة السكانية المتوقعة حيث يتضاعف عدد سكان الدول وبالأخص الدول النامية كل 15 سنة .
خامساً : التنمية الاقتصادية الصحيحة لا تدمر البيئة :
حدثت مظاهر سيئة على البيئة نتيجة النهوض الاقتصادي الكبير في العقود الأخيرة من هذا القرن والذي لم يراع أي اهتمام بسلامة البيئة وصحتها . فمن الأمثلة على تلك المظاهر :
1- خلال نصف قرن مضى فقط خسر العالم خُمس التربة الصالحة للزراعة وخُمس غابات المطر وانقراض الآلاف من الأجناس النباتية والحيوانية .
2- انتشار مواد كيمائية خطرة تستخدم في أكثر دول العالم تجر عليها اختبارات سابقة وأثارها سيئة تصل إلى أكثر من 80 ألف مادة.
3- ارتفاع حرارة الأرض نتيجة أبخرة وغازات وعوادم السيارات وغيرها والتي أدت إلى تغيرات مناخية زادت من خطر الأعاصير المدمرة أو الجفاف أو الفياضانات .
ولحل هذه الظاهرة لابد من أمور :
أ ) تدعيم الإيمان في قلوب الناس وتخفيف شهية التفرد بالاستهلاك نحو المتع التي تحقق مصلحة خاصة ولكنها تفتح مفاسد عامة ومتعددة .
ب) تشجيع المؤسسات على الاستثمار في المشروعات الواقية والصحية ومعاقبة المشروعات الضارة .
ج ) إيجاد بدائل للطاقات الحرارية التي تستخرج من البترول أو الفحم وغير ذلك إلى ماهو أقل ضرراً وأنفع للبيئة والإنسان ( ).
كتبه
د / مسفر بن علي بن محمد القحطاني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]