جزاك الله خيرا أخى طارق وبارك لك و فى ذريتك
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ
معارك المرتدين الا بجيش قاده هو بنفسه، ولكن ذلك لا يمنع أنه ادّخر خالدا
ليوم الفصل، وأن خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة
جميعا، كان رجلها الفذ وبطلها الملهم..
عندما بدأت جموع
المرتدين تتهيأ لانجاز مؤامرتها الضخمة، صمم الخليفة العظيم أبو بكر على
أن يقود جيوش المسلمين بنفسه، ووقف زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة
لصده عن هذا العزم. ولكنه ازداد تصميما.. ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية
التي دعا الناس لخوض الحرب من أجلها أهميّة وقداسة، لا يؤكدها في رأيه الا
اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى الايمان،
وبين جيوش الضلال والردة، والا قيادته المباشرة لبعض أو لكل القوات
المسلمة..
ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة، على الرغم من أنها بدأت وكأنها تمرّد عارض..
لقد
وجد فيها جميع الموتورين من الاسلام والمتربصين به فرصتهم النادرة، سواء
بين قبائل العرب، أم على الحدود، حيث يجثم سلطان الروم والفرس، هذا
السلطان الذي بدأ يحسّ خطر الاسلام الأكبر عليه، فراح يدفع الفتنة في
طريقه من وراء ستار..!!
ونشبت نيران الفتننة في قبائل: أسد، وغطفان، وعبس، وطيء، وذبيان..
ثم في قبائل: بني غامر، وهوزان، وسليم، وبني تميم..
ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت الى جيوش جرّارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين..
واستجاب
للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين، وعمان، والمهرة، وواجه الاسلام أخطر محنة،
واشتعلت الأرض من حول المسلمين نارا.. ولكن، كان هناك أبو بكر..!!
عبّأ أبو بكر المسلمين وقادهم الى حيث كانت قبائل بني عبس، وبني مرّة، وذبيان قد خرجوا في جيش لجب..
ودار القتال، وتطاول، ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم..
ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة. حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية..
وكانت
أنباء المرتدين وتجمّعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس
هذا الجيش الثاني، ولكن كبار الصحابة يفرغ صبرهم، ويجمعون على بقاء
الخليفة بالمدينة، ويعترض الامام علي طريق أبا بكر ويأخذ بزمام راحلته
التي كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له:
" الى أين يا خليفة رسول الله..؟؟
اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد:
لمّ سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك..."
وأمام اجماع مصمم من المسلمين، رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسّم الجيش الى احدى عشرة مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها..
وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا..
ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه، اتجه صوب خالد وقال يخاطبه:
"
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبدالله. وأخو العشيرة، خالد
ابن الوليد، سيف من سيوف الله. سلّه الله على الكفار والمنافقين"..
ومضى خالد الى سبيله ينتقل بجيشه من معركة الى معركة، ومن نصر الى مصر حتى كانت المعركة الفاصلة..
فهناك باليمامة كان بنو حنيفة، ومن انحاز اليهم من القبائل، قد جيّشوا أخطر جيوش الردو قاطبة، يقوده مسيلمة الكذاب.
وكانت بعض القوات المسلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة، فلم تبلغ منه منالا..
وجاء أمر الخليفة الى قائده المظفر أن سر الى بني حنيفة.. وسار خالد..
ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد في الطريق اليه حتى أعاد تنظيم جيشه، وجعل منه خطرا حقيقيا، وخصما رهيبا..
والتقى الجيشان:
وحين
تطالع في كتب السيرة والتاريخ، سير تلك المعركة الهائلة، تأخذك رهبة
مضنية، اذ تجد نفسك أمام معركة تشبه في ضراوتها زجبروتها معارك حروبنا
الحديثة، وان تلّفت في نوع السلاح وظروف القتال..
ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة، وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه، صفوف جيشه من الكثرة كأنها لا تؤذن بانتهاء..!!
وسّلم
خالد الألوية والرايات لقادة جيشه، والتحم الجيشان ودار القتال الرهيب،
وسقط شهداء المسلمين تباعا كزهور حديقة طوّحت بها عاصفة عنيدة..!!
وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء، فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى على المعركة نظرة سريعة، ذكية وعميقة..
ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها..
رأى
الشعور بالمسؤولية قد وهن تحت وقع المفاجأة التي دهمهم بها جيش مسيلمة،
فقرر في نفس اللحظة أن يشدّ في أفئدة المسلمين جميعا الى أقصاه.. فمضى
ينادي اليه فيالق جيشه وأجنحته، وأعاد تنسيق مواقعه على أرض المعركة، ثم
صاح بصوته المنتصر:
" امتازوا، لنرى اليوم بلاء كل حيّ".
وامتازوا جميعا..
مضى المهاجرون تحت راياتهم، والأنصار تحت رايتهم " وكل بني أب على رايتهم".
وهكذا صار واضحا تماما، من أين تجيء الهزيمة حين تجيء واشتعلت الأنفس حماسة، اتّقدت مضاء، وامتلأت عزما وروعة..
وخالد
بين الحين والحين، يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقى بها امرا، فتتحوّل
سيوف جيشه الى مقادير لا رادّ لأمرها، ولا معوّق لغاياتها..
وفي
دقائق معدودة تحوّل اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة يتساقطون بالعشرات،
فالمئات فالألوف، كذباب خنقت أنفاس الحياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد..!!
لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء الى جنوده، وحلّت روحه في جيشه جميعا.. وتلك كانت احدى خصال عبقريّته الباهرة..
وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها، وقتل مسيلمة..
وملأت جثث رجاله وجيشه أرض القتال، وطويت تحت التراب الى الأبد راية الدّعيّ الكذاب..
وفي المدينة صلى الخليفة لربه الكبير المتعال صلاة الشكر، اذ منحهم هذا النصر، وهذا البطل..
وكان
أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيرته ما لقوى الشر الجاثمة وراء حدود بلاده من
دور خطير في تهديد مصير الاسلام واهله.. الفرس في العراق.. والروم في بلاد
الشام..
امبرطوريتان خرعتان، تتشبثان بخيوط واهنة من حظوظهما
الغاربة وتسومان الناس في العراق وفي الشام سوء العذاب، بل وتسخرهم،
وأكثرهم عرب، لقتال المسلمين العرب الذين يحملون راية الدين الجديدة،
يضربون بمعاوله قلاع العالم القديم كله، ويجتثون عفنه وفساده..!
هنالك أرسل الخليفة العظيم المبارك توجيهاته الى خالد أن يمضي بجيشه صوب العراق..
ويمضي البطل الى العراق، وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع مواكب نصره، اذن لرأينا من أمرها عجبا.
لقد استهلّ عمله في العراق بكتب أرسلها الى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه..
" بسم الله الرحمن الرحيم
من خالد بن الوليد.. الى مرازبة فارس..
يلام على من اتبع الهدى
أما بعد، فالحمد لله الذي فضّ خدمكم، وسلب ملككم، ووهّن كيدكم
من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، واكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا
اذا جاءكم كتابي فابعثوا اليّ بالرهن واعتقدوا مني الذمّة
والا، فوالذي لا اله غيره لأبعثن اليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة"..!!
وجاءته
طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزّحوف الكثيرة التي يعدها له قوّاد
الفرس في العراق، فلم يضيّع وقته، وراح يقذف بجنوده على الباطل ليدمغه..
وطويت له الأرض طيّا عجيبا.
في الأبلّة، الى السّدير، فالنّجف، الى
الحيرة، فالأنبار، فالكاظمية. مواكب نصر تتبعها مواكب... وفي كل مكان تهلّ
به رياحه البشريات ترتفع للاسلام راية يأوي الى فيئها الضعفاء والمستعبدون.
أجل، الضعفاء والمستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس يستعمرونهم، ويسومونهم سوء العذاب..
وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره الى جميع قوّاته:
" لا تتعرّضوا للفلاحين بسوء، دعوهم في شغلهم آمنين، الا أن يخرج بعضهم لقتالكم، فآنئذ قاتلوا المقاتلين".
وسار بجيشه الظافر كالسكين في الزبد الطريّ حتى وقف على تخوم الشام..
وهناك دوّت أصوات المؤذنين، وتكبيرات الفاتحين.
ترى هل سمع الروم في الشام..؟
وهل تبيّنوا في هذه التكبيرات نعي أيامهم، وعالمهم..؟
أجل لقد سمعوا.. وفزّعوا.. وقرّروا أن يخوضوا في حنون معركة اليأس والضياع..!
كان النصر الذي أحرزه الاسلام على الفرس في العراق بشيرا بنصر مثله على الروم في الشام..
فجنّد
الصدّيق أبو بكر جيوشا عديدة، واختار لامارتها نفرا من القادة المهرة، أبو
عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، ثم معاوية بن أبي
سفيان..
وعندما نمت أخبار هذه الجيوش الى امبراطور الروم نصح وزراءه وقوّاده بمصالحة المسلمين، وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة..
بيد أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا:
" والله لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله الى أرضنا"..
وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل، وأ{بعين ألفا.
وأرسل قادة المسلمين الى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال أبو بكر:
" والله لأشفينّ وساوسهم بخالد"..!!!