الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و آله و صحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين
أما بعد
إن من كمال علم الأئمة و تقواهم أنهم أشاروا إلى أنهم لم يحيطوا بالسنة كلها فأمرونا باتباع السنة و التمسك بها و أن نجعلها من مذهبهم رحمهم الله تعالى أجمعين و لكن هناك من ينمسك بمذاهبهم و أقوالهم كما لو كانت نزلت من السماء
و الله عز و جل يقول" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون" سورة الأعراف
فأولهم الامام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله و قد روى عنه أصحابه أقوالا شتى و عبارات متنوعة كلها تؤدى إلى شئ واحد وهو وجوب الأخذ بالحديث و ترك تقليد آراء الأئمة المخالفة للسنة قال الامام
إذا صح الحديث فهو مذهبى
لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه
إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه و سلم فاتركوا قولى
أما الامام مالك بن أنس رحمه الله قال
ليس أحد بعد النبى صلى الله عليه و سلم إلا يؤخذ من قوله و يترك إلا النبى صلى الله عليه و سلم
إنما أنا بشر أخطئ و أصيب فانظروا فى رأيى فكل ما وافق الكتاب و السنة فخذوه و كل ما لم يوافق الكتاب و السنة فاتركوه
قال بن وهب سمعت مالكا سئل عن تخليل أصابع الرجلين فى الوضوء ؟ فقال ليس ذلك على الناس قال فتركته حتى خف الناس فقلت له عندنا فى ذلك سنة فقال و ما هى ؟ قلت حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة و عمروبن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافرى عن أبى عبد الرحمن الحبلى عن المستورد بن شداد القرشى قال" رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه" فقال مالك إن هذا الحديث حسن وما سمعت به قط إلا الساعة ثم سمعته بعد ذلك يسأل عن تخليل أصابع الرجلين فيأمر بتخليلهما
أما الامام الشافعى رحمه الله فالنقول عنه فى ذلك أكثر و أطيب و أتباعه أكثر عملا بها فمنها
كل حديث عن النبى صلى الله عليه و سلم فهو قولى و إن لم تسمعوه منى
كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عند إهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها فى حياتى و بعد موتى
أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد
أما الامام أحمد بن حنبل رحمه الله فهو أكثر الأمة جمعا للسنة و تمسكا بها قال
لا تقلدنى و لا تقلد مالكا و لا الشافعى ولا الأوزاعى ولا الثورى و خذ من حيث أخذوا
رأى الأوزاعى و رأى مالك و رأى أبى حنيفة كله رأى و هو عندى سواء و إنما الحجة من الأثار
من رد حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو على شفا هلكة
و عليه فإن من تمسك بكل ما ثبت فى السنة و لو خالف بعض أقوال الأئمة لا يكون مخالفا لمذهبهم و لا خارجا عن طريقتهم بل هو متبع لهم جميعا و متمسك بالعروة الوثقى التى لا انفصام لها لأنهم اتفقوا جميعا على أنه إذا صح الحديث فهو مذهبهم
والله أسأل أن يوفقنا جميعا إلى ما يحبه و يرضاه وينفعنا بما علمنا و أن يرزقنا العلم النافع و أن يتقبل منا و يغفر لنا تقصيرنا إنه ولى ذلك و القادر عليه
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته