إن التوازن في شخصية المسلم ليجمع الشدة والرحمة ، وإن من الحكمة مراعاة كل ظرف بما يناسبه، والتعامل مع كل حالة بما تقتضيه؛ من الأخذ بقوة أو الرفق واللين ،
غير أنه يبقى أن الأصل في التعامل الاجتماعي اللين والرقة ، ما لم يقم ما يقتضي خلاف ذلك .
أما حين تنضب ينابيع العاطفة ، فلابد من تطهير القلب من عوامل القسوة ؛ لتنعكس صورة اللين على المعاملة والسلوك .
إن طول الزمن قد يخفف من رقة الشعور ، وتطاول الأيام قد ينسي بعض القيم ، وتقادم العهد قد يغير المشاعر القلبية ، ما لم يتعهد المرء نفسه ويجلو قلبه ، ليبقى حاضر الفكر ، واعي القلب ، يقظ الإحساس ، ولأن اللين ظاهرة سلوكية تنبع عن قلب لين ، فقد عاتب ربنا وعز وجل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم حين رأى منهم تغيرا في القلوب ، يقول الله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16]. وحدث ابن مسعود فقال : ( ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ... إلا أربع سنين ) وزاد في رواية ( فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول : ما أحدثنا ؟ ) فإن كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد احتاجوا إلى تلك اللفتة القلبية بعد أربع سنوات من إسلامهم ، فكم تحتاج قلوبنا إلى تعهد وتزكية ؟!
وقسوة القلب قد تكون أحيانا نتيجة المعاصي ، ومظهراً من مظاهر غضب الله سبحانه وتعالى على العبد ، ولذلك يقول مالك بن دينار : ( ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم . ) .
وإن العيش في أعطاف النعمة ليجعل على القلب غشاوة ، تشغل المرء بذاته ، من همته ، ولذلك رأى محمد بن كعب في الآية السابقة توجيها آخر فقال :
( كانت الصحابة بمكة مجدبين ،فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ففتروا عما كانوا فيه فقست قلوبهم فوعظهم الله فأفاقوا ) ، ألا فلنتواص حتى نفيق ..
إن الانشغال بلغو الكلام وتتبع الهفوات يجفف منابع اللين في القلب ، وتنعكس الآثار على صورة حدة في التعامل . جاء في موطأ الإمام مالك قوله : ( بلغني أن عيسى عليه السلام قال لقومه : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى ؛ فتقسو قلوبكم ؛ فإن القلب القاسي بعيد من الله ، ولكن لا تعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب ، و انظروا فيها كأنكم عبيد ، فإنما الناس رجلان : معافى ومبتلى .
فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية ).
إن شخصية الداعية لتقتضي القدرة على التعامل مع الناس باللين . وقد تعجبت السيدة عائشة من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استأذن رجل بالدخول عليه ، فنعته بقوله : (( بئس أخو العشيرة )) ( فلما دخل ألان له الكلام) صحيح البخاري . وليس عجيبا أن يكون هذا شأن نبينا صلى الله عليه وسلم وهو القائل : [size=9]( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ...الحديث )[/size] ولما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، أوجزها له في صفات ذكر منها : ( لين الكلام وبذل الطعام ... ) ( مسند أحمد ) .
وإذا كان قصدنا الفوز برضا الله عز وجل ، والنجاة من النار ، فإن المسلم لينال باللين ما لا يناله بالغلظة والشدة ، كما في الحديث : ( حُرِّم على النار : كل هيّن ليّن سهل ، قريب من الناس ) صححه الألباني : صحيح الجامع 3135).
ويمكن أن يكون تكلف السلوكيات اللينة مدخلا إلى اكتساب اللين القلبي ، فقد شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له : ( إن أردت أن يلين قلبك ، فأطعم المسكين ، وامسح رأس اليتيم ) حسنه الألباني : صحيح الجامع 1410) .
وكثيرا ما يحرش الشيطان في الصدور ، حتى في لحظة القيام للصلاة ، وتسوية الإمام للصفوف ، بتأخير هذا وتقديم ذاك إلى أن يستقيم الصف ، وقد كان من وصيته صلى الله عليه وسلم قبل الدخول في الصلاة : ( ... ولينوا في أيدي إخوانكم ... ) صححه الألباني ) (صحيح الجامع 1187ورواه أبو داود). لأن إقامة الصفوف وسد الخلل تقتضيان الاستجابة وعدم المعاندة .
وليس المقصود باللين عدم إنكار المنكر ، وإنما اللين في الأسلوب حيث يغني اللين ويحقق الغرض ، وذلك باستنفاذ جميع الوسائل الممكنة التي تضمن الاستجابة ، ولا تستعدي الآخرين ، وراجع ـ إن شئت ـ حديث البخاري في قصة الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان ، كيف عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً من الخيارات للتكفير عن ذنبه فقال له : ( هل تجد رقبة تعتقها ؟ قال لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال :لا قال : فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ قال : لا ) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم تمر ، فأعطاه للرجل ، وقال له : ( خذ هذا فتصدق به فقال الرجل : على أفقر مني يا رسول الله ، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : أطعمه أهلك . ) ( البخاري ) .
فاللين صورة من صور الرحمة يضعها الله في قلب العبد ، قال تعالى ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل: عمران:159].
والرفيق الرحيم أحق الناس برحمة الله عز وجل كما في الحديث : " الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى . ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ".( صحيح الجامع 3522).
ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان أرحم الناس بالصبيان والعيال ) ( صحيح الجامع 4797) ونفى كمال الإيمان عمن لا يرحم ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف شرف كبيرنا ) ( صحيح الجامع 5444) .
وحتى الرحمة بالمخلوقات من أسباب استحقاق رحمة الله في الآخرة ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من رحم ولو ذبيحة عصفور ، رحمه الله يوم القيامة) (حسنه الألباني ) .
والعلاقات الأسرية مع الأهل وذوي الرحم ، ينبغي أن يسودها الرفق واللين ؛ للمحافظة على تماسك بنيان الأسرة المسلمة وصفاء أجوائها ، كما في الحديث :
( إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق ) . رواه أحمد
والهين اللين ينسحب رفقه على كل صور حياته ، التي تقتضي السماحة واللين في التعامل مع المؤمنين ، حتى يحظى بمحبة الله سبحانه وتعالى ( إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله ) رواه البخاري. كما نحظى بعون الله عز وجل يقول رسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويرضاه ، ويعين عليه ما لا يعين على العنف ... ) .
وصورة الشديد الغليظ ، الغاضب العنيف ، صورة مشينة معيبة تنفر منها الطباع البشرية ، بينما صورة السهل الرفيق ، اللين اللطيف، صورة تزين صاحبها ، وترتاح إليها النفوس ، وتأنس إليها القلوب ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه )
( صحيح الجامع 5654).
ولا ينفي كل ما مضى أن المؤمنين أشداء على الكفار رحماء بينهم، ولا أنهم يغضبون لله ، كما أنهم يلينون لوجه الله عز وجل.
منقول للاهميه الشديده
؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟