تاريخ الإنترنت
منذ نحو ثلاثين سنة، وبعد غزو روسيا للفضاء، وبدء سباق التسلح النووي في عهد الحرب الباردة، طُرِح في أمريكا بقوة السؤال التالي: كيف يمكن ضمان استمرارية الاتصالات بين السلطات الأمريكية في حالة نشوب حرب نووية؟
وللإجابة عن هذا السؤال، كُلِّفت شركة حكومية تدعى RAND بدراسة هذه المسألة الاستراتيجية، ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لها. وتمخَّضت الدراسة عن وجوب بناء شبكة لامركزية (distributed communications network) تعتمد مبدأ تحويل الرسائل إلى حُزَم (Packet Switching)، وهو مبدأ ينصّ على تقسيم الرسائل الإلكترونية إلى وحدات تدعى الحُزَم
(packets) يمكن للمرسِل إرسالها عبر مجموعة من العُقَد (nodes)، ثم تُجمَّع هذه الحُزَم لدى المستقبِل لتشكِّل الرسالة.
وفي عام 1969، نفذَّت وزارة الدفاع الأمريكية مشروع هذه الشبكة عملياً وأسمتها أربانت (Advanced Research Project Agency- ARPANET)، إذ رَبَطت هذه الشبكة مجموعة من الجامعات الأمريكية عبر أربع عُقَد مكونة من أجهزة كمبيوتر عملاقة (supercomputer). وتجلَّت فائدة هذه الشبكة في نقل المعلومات بسرعة هائلة بين تلك الأجهزة، كما أتاحت للعلماء والباحثين إمكان الاستفادة المشتَرَكة من موارد أنظمة الكمبيوتر لديهم رغم تباعُد المسافات.
بعد ذلك، ظهرت في عام 1972 خدمة البريد الالكتروني (Email) التي ابتكرتها شركة BBN إذ قدَّم أحد مبرمجيها- وهو راي توملينسون- أول برنامج للبريد الإلكتروني. وتعتمد هذه الخدمة على برنامج لإرسال الرسائل الإلكترونية بين الناس عبر شبكة لامركزية. وقد أصبح البريد الإلكتروني الذي لاقى رواجا سريعا، أحد أهم وسائل الاتصالات عبر الإنترنت.
وبدأت أربانت في أوائل السبعينيات طرح أول استخداماتها التجارية، ويدعى Telnet، ثم تلا ذلك دخولها مرحلة العالمية إثر ربطها ببعض الجامعات ومراكز الأبحاث في أوروبا. وفي أواخر السبعينيات، كان بإمكان الناس حول العالم الدخول - عبر الشبكة- في نقاشات حول مواضيع متفرقة، عبر ما يعرف باسم المجموعات الإخبارية (newsgroup) مثل USENET.
ومع ظهور شبكات أخرى تقدِّم خدمات البريد الإلكتروني
(Email) ونقل الملفات (FTP) مثل شبكة
BITNET (Because its Time Network)، وشبكة CSNET (Computer Science NETwork)، إضافة إلى NSFnet التي طورتها NSF (National Science Foundation)، بدأ انتشار استخدام مصطلح الإنترنت
- في أوائل الثمانينيات- على أنه مجموعة من الشبكات المختلفة التي ترتبط فيما بينها بوساطة مجموعة بروتوكولات التحكم بالإرسال/ بروتوكول الإنترنت (Transmission Control Protocol/Internet Protocol- TCP/IP)، وهي مجموعة بروتوكولات طورتها وزارة الدفاع الأمريكية، لإتاحة الاتصالات عبر الشبكات المختلفة الأنواع.
ومع مرور الوقت، كان عدد العُقَد يتزايَد، ورافق ذلك تزايُد في سرعة نقل البيانات، ولا سيَّما إثر استخدام خطوط مخصصة (dedicated lines) مثل T1 (T1 carrier). وقد أسهم ذلك في توسع الشبكة التي أصبحت وسيلة رئيسة للاتصال، وظهر إثر ذلك جمعيات وهيئات تهتم بتطوير الإنترنت مثل: IAB و IETF .
ومع بداية التسعينيات، ظهرت واجهة تستخدم النصوص وتعتمد القوائم (menus) للوصول إلى المعلومات عبر العالم، وتُدعى هذه الواجهة ،Gopher ولكن الثورة الحقيقية في عالم الإنترنت كانت ظهور شبكة الويب العالمية (World Wide Web- WWW)، وهي خدمة سهلة الاستخدام تعتمد في عرض المعلومات على النصوص والصُوَر والصوت والفيديو، وممَّا ساعدها على الانتشار مضاعفة سرعة خطوط الاتصال.
وظهرت في هذه الفترة الشركات الموفِّرة لخدمة الإنترنت (Internet Service Providers-ISPs)، وذلك لتزويد الناس باشتراك بخدمة الإنترنت عبر شبكة الاتصال الهاتفي. وبعد ذلك، ظهرت مجموعة أخرى من الشركات المتخصصة بالإنترنت، منها من يقدم مستعرِضات (browsers)، ومنها من يقدم محركات بحث
(search engines) للمواضيع المختلفة على الشبكة، ومنها من يقدم لغات لبرمجة وتطوير المواقع. ويوجد حالياً على الإنترنت ملايين المواقع التي تغطي مختلف المواضيع من ثقافية، وسياسية، وعلمية، وصناعية، إضافة إلى التجارة الإلكترونية
(E-commerce) والتعاملات المالية عبر الشبكة.
وماذا عن مستقبل الإنترنت؟
رغم النجاح الهائل الذي حققه الجيل الحالي من الإنترنت، إلا إن البطء في نقل المعلومات لا يزال هو المشكلة الكبرى التي تقف عائقاً أمام العديد من التطبيقات الثورية. وكان لا بد من اعتماد خطوط أسرع من الخطوط الهاتفية، وتتمتع بعرض حزمة
(bandwidth) أكبر مثل: الألياف الضوئية (fiber optics)، وكوابل البث التلفزيوني (television cable)، والأقمار الصناعية .(satellites)
وهنالك العديد من الأبحاث الرامية إلى حل مشكلة البطء، وتمخَّض عنها عدة مشاريع يمكن تقسيمها إلى جيلين من أجيال الإنترنت.
الجيل الثاني للإنترنت
بدأ الجيل الثاني بالظهور على أرض الواقع، ويتمثل ذلك في عدة مشاريع منها: إنترنت (Internet2) 2، وإنترنت الجيل المُقبل (Next Generation Internet- NGI)، وشبكة CAnet2. ويعتمد هذا الجيل نسخة مطوَّرة من بروتوكول الإنترنت هي IPv6 ، كما يدعم ميزتين مهمتين هما: الإرسال المتزامن المتعدد الوجهات (Multicasting)، وميزة جودة الخدمات
(Quality of Service-QoS) التي تدعم البث الحي لملفات الفيديو، وتدعم تطبيقات الوسائط المتعددة .(multimedia)
الجيل الثالث للإنترنت:
ما زال الجيل الثالث للإنترنت قَيْد الأبحاث، ومن المتوقَّع له أن يدعم جميع المزايا المتقدمة ولا سيَّما تلك التي تتطلَّب سرعة عالية جداً. ومن أبرز المشاريع المقدَّمة شبكة Canet3، وشبكة SUPERNet. ويدعم هذا الجيل ميزتين مهمَّتين هما:
• استخدام تقنية Dense Wavelength Division Multiplexing- DWDM، وهي تقنية تستخدم الألياف الضوئية في الإرسال بسُرعات تصل إلى 400 غيغابت/ثانية، مما يسرِّع نقل الصوت والفيديو بدرجة هائلة.
• استغلال الألياف المعتِمة (dark fiber) في التحويل (switching) والتوجيه (routing). وفي حقيقة الأمر، فإن الألياف المعتِمة هي مصطَلح يتعلَّق بالألياف الضوئية (optic fiber)، وهو يُعبِّر عمّا تنطوي عليه البُنى التحتية المستنِدة إلى الألياف الضوئية من قُدرات لم يتمّ استغلالها حتى الآن.
وسيؤدي هذا التطور إلى ثورة في مجال التجارة الالكترونية (E-commerce)، وسيساعد على هذه الثورة طرح العديد من الأجهزة القادرة على الولوج إلى خدمات الإنترنت مثل: الهواتف النقالة، والبرادات، والسيارات وسواها.
ومن الجدير بالذكر، أن هذا التطور سيؤدي إلى انتشار تطبيقات ثورية على الإنترنت مثل: التلفزيون التفاعلي (Interactive TV)، والتعليم الإلكتروني (E-learning)، ومؤتمرات الفيديو (video conferencing). أما عن تطبيقات الواقع الافتراضي (virtual reality)، فسيتمكن العلماء من أن يتشاركوا عن بُعد أجهزة ذات تقنية عالية مثل المايكروسكوب
(microscope)، وسيتمكن الأطباء من معاينة مرضاهم وإجراء العمليات الجراحية لهم عن بعد
(virtual surgery)، إضافة إلى ظهور المتاحف والمكتبات الافتراضية .(virtual libraries and museums)