ناجي احمد محمد السيد عطيه نائب المديرالعام
عدد الرسائل : 6618 العمر : 74 الموقع : القاهره - شبرا - كوبري عبود - ارض ايوب نقاط : 10324 تاريخ التسجيل : 05/05/2010
| موضوع: لحظة ....تساوى عمر الزمن !!!!!!!!!!!! الإثنين 6 أكتوبر - 21:39:58 | |
|
لحظة ....تساوى عمر الزمن !!!!!!!!!!!!
أغمض عينيه،
كأنه يريد أن يغوص بنورهما في أعماقه،
كان يشعر أن دمه يجري في عروقه بسرعة تفوق سرعة الطائرة التي تقله إلى مسقط رأسه..
يا الله!
سبع سنوات متصلة لم أرها.
هل يا ترى سوف تعذرني لأني ظللت كل هذه الفترة في بلاد الغربة لأجلها وأجل إخوتي الصغار؟
أخشى أن تحمل عليّ كعادتها في كل مرة تجمعنا مكالمة هاتفية.
كان يطمئنه الدعاء الذي كانت تودعه به في كل مكالمة
«يكفيك شر ولاد الحرام»،
والذي كانت تهطل معه دموعه كشلال لا يكاد أن يتوقف.
لقد أحضر لها ملابس من الحرير،
وطاقما ذهبيا،
وسوف ينقلها من الشقة الضيقة إلى بيت واسع،
وسوف يخصص لها مكانا فوق سطح البيت لتمارس هوايتها
في تربية البط والأوز.
نادى المذيع الداخلي في الطائرة بالاستعداد للهبوط وربط حزام المقعد.
خرج من المطار
فتلقفت أمتعته أيدي سائقي الأجرة،
كان المشهد غريبا،
لكن لم يأبه به،
ركب مع أحدهم سريعا.
المسافة من القاهرة إلى مدينته في الصعيد تزيد على مئتي كيلومتر جنوبا..
لكن،
ما لها قد تضاعفت هذه المرة؟!
لقد تعودت عليها منذ كنت طالبا في الجامعة!
كلما انتابه هذا الشعور طلب من السائق أن يسرع ولا ينشغل بالمذياع.
كانت تصدر منه حركات غير إرادية،
فيضغط بحذائه الجديد بقوة على أرض السيارة كأنه المتحكم في سرعتها.
أخيرا،
وصلت السيارة إلى بلدته..
نزل عند فم الشارع الذي تقطن فيه أسرته
عندما اعتذر له السائق بأن السيارة لا تستطيع الدخول؛
فالشارع ضيق جدا.
وبينما يتفحص البيوت التي ارتفعت،
والحوانيت التي تبدلت،
ووجوه المارة الذين لا يعرف أكثرهم،
رأى أخاه الأصغر يجري بسرعة هائلة كأنه يطلب شيئا..
العجيب أنه عبر الشارع من دون الوقوف للسلام عليه،
كأنه لم يره!
أسرع إلى الشقة التي تسكنها الأسرة.
كانت الشقة مكتظة بالجيران من النساء والرجال والصبيان.
يا إلهي!
كل هؤلاء جاءوا لاستقبالي؟!
ولم لا؟!
يقول ذلك في نفسه وعيناه صوب الحجرة التي تبيت بها حبيبته،
شعر بتثاقل أقدامه أمام تدافع الناس في الشقة،
لحوم الجيران أشبه بأمواج البحر،
لم يجد حيلة لنفسه إلا الصبر،
كان يتقدم ويتأخر صوب الحجرة حسب ما تسمح به الأمواج البشرية،
تحولت المسافة ما بين باب الشقة وباب غرفة الغالية
كالمسافة بين بلدته وبلاد الغربة،
أحس بما يشبه الاختناق من شدة الزحام،
وخرجت منه عبارات متلعثمة:
الهواء..
أصابه شيء من الإعياء عندما اصطدم جسده بالحائط،
استشاط حنقا وغضبا،
أطلق صيحات مجلجلة لامتناهية:
افسحوا الطريق،
أريد أن أراها،
أنا ابنها ،
ألا تفهمون؟!
لم يجبه أحد من الجيران
وكأن جميع من في الشقة قد تحولوا للتو إلى شخص واحد
يقول له في سخرية:
اسكت.
مرت اللحظات كعمر الزمن.
وأخيرا،
وجد نفسه وسط موجة بشرية عاتية
انتهت به إلى باب الحجرة،
لم يصدق نفسه أنه أمام حجرة الغالية،
حاول الولوج في الحجرة
اصطدم بجسد أخته التي كانت خارجة من الحجرة باكية
تقول في بكاء وحسرة:
تأخرت كثيرا يا اخى ..
لقد ماتت أمك.
.
| |
|