اتستبدلون الذى هو ادنى بالذى هو خير ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

في قصة بني إسرائيل

حينما أنزل الله عليهم المن والسلوى

طلبوا من سيدنا موسى -عليه السلام- أن يخرج الله لهم من الأرض+

فوما وعدسا وبصلا وقثاء،

فقال لهم:

{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ }

(البقرة:61).

فهؤلاء (بنو إسرائيل) كان ينزل عليهم رزقهم من السماء مباشرة من دون أن يكلوا أو يتعبوا.

لكن نفوسهم لم تحتمل هذا الرقي،

ولم تكن أهلا له، فقد اعتادت شظف العيش والشقاء والعناء،

فلم تأنس بنعمة كهذه،

فطلبوا منه ما هو أدنى،

وما يبذل فيه الجهد،

ولا يرقى لمثل ما هم فيه.

وهناك فرقان بين ما طلبوه وما هم عليه:

كان ما هم عليه أفضل،

وكان أيضا يأتيهم بلا تعب.

وهاتان خاصيتان تكفيانهم ليحمدوا النعمة،

بل وأكثر،

لكنهم لم يرتاحوا لهذا.

فهنالك نفوس لا ترتاح لما هو أفضل.

فطلبوا الأقل،

الذي لا يأتي إلا بتعب وشقاء،

كما اعتادوا.

فلم يجبرهم الله على رغد العيش،

الذي لا تستطيع نفوسهم أن تهنأ به،

بل سألهم سيدنا موسى سؤالا

«أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟».

والسؤال هنا للاستنكار عليهم،

فهذا الأمر مما يُنكر بين البشر.

ولغة في الاستبدال يدخل حرف الباء على المتروك،

أي تتركون الذي هو خير..

الذي كرّمكم الله به لتأخذوا بدلا منه الأدنى والأقل منزلة.

استنكر عليهم ولم يجبرهم،

بل قال:

{اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} (البقرة:61).

والهبوط هنا ليس ماديا فقط بل هو هبوط معنوي أيضا:

فانزلوا من هذا المستوى الذي رفعكم الله إليه تكريما ورزقكم المن والسلوى منّة منه وفضلا

إلى المنزلة الأدنى.

فما قال اذهبوا أو ادخلوا بل اهبطوا.

وهنالك لفتات في هذه الآية:

أولا -

ليس كل ما تسأل الله إياه هو أفضل.

قد تراه في تلك اللحظة الأحسن والأفضل،

لكن واقعيا قد تكتشف بعد ذلك أن ما كنت تطلبه هو أقل مما كنت عليه،

فلا تبتئس إن تأخرت عليك الإجابة،

لأن طلبك قد يكون لشيء أقل وأنت لا تعلم،

أو تعلم لكن نفسك تهواه.

ثانيا -

التفويض.

انتبه إلى القرارات التي تأخذها والأمور التي تتخلى عنها،

فليس كل جديد هو الأفضل،

وليس كل قديم تنتظر الفرصة لهجره هو الأدنى.

فقد يتغير الحال عليك، وتظن أن أمورك الآن سيئة،

لكن فعليا هي المنّ والسلوى لك.

وقد تحاول العودة عن خير أنت فيه لأن نفسك اعتادت الأدنى وترتاح له

وليس لأنه في ذاته الأفضل.

ففكر ووازن واسأل نفسك،

ولعلك تدخل في حيرة حين تعزم على أمر،

ففوّض الله أن يختار لك الأفضل

«اللهم دبر لي فإني لا أحسن التدبير واختر لي فإني لا أحسن الاختيار».

ونحن مأمورون بالاستخارة الشرعية،

وقد كان الصحابة إذا أراد أحدهم أن يشتري نعلا استخار.

فكم من أمور أكبر من ذلك، ولعلها تكون مصيرية،

قد نغفل عن الاستخارة فيها.

ففي دعاء الاستخارة

«اللهم إني أستخيرك بعلمك»،

لأن علمك أوسع من علمي،

فمهما كان في علمي أن أمرا خير أو عكس ذلك فلا يعلم حقيقته وتبعاته إلا أنت.

«وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تعلم ولا أعلم»،

فكل علمي لا يتجاوز دراسات لخيارات وتبعات متوقعة لا ضمانات فيها وهي في علم الغيب،

«وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب».

فتفوض الله العليم أن يختار لك،

لأن المستقبل بخيره وشره خارج نطاق علمك تماما.

فلا يمكن،

مهما كنت متأكدا أن أمرا ما سيكون خيرا لك،

أن تكون قد زرت المستقبل،

ولو بعد أشهر أو سنوات،

لترى كيف ستكون حياتك في وجوده.

فالقرارات بناء على دراسات للنتائج،

والنتائج في المستقبل،

وذلك في يد الله،

فلا مفر من التفويض.

والله اعلى واعلم ........

وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

.