ناجي احمد محمد السيد عطيه نائب المديرالعام
عدد الرسائل : 6618 العمر : 74 الموقع : القاهره - شبرا - كوبري عبود - ارض ايوب نقاط : 10324 تاريخ التسجيل : 05/05/2010
| موضوع: البر بالوالدين ........ يقى المؤمن من عقوق الله الثلاثاء 10 ديسمبر - 1:47:37 | |
|
فكرة هذه الكلمات .... شغلت بالي كثيرًا ،
فهي جزء لا يتجزأ من تكويني و حياتي.
كنت سأؤجل كتابتها إلى أن أقرأ بعض الشيء فى هذه القضية
حتى يصبح عملاً بحثيًا كاملاً ،
و لكن عندما تناقشت فى مضمونه
مع أحد الأصدقاء – الذى أثق فى رأيه –
أشار على بكتابة الواقعة كما هى
حتى لا تفقد حرارتها المستمدة من تلقائية السياق الذى نبتت فيه.
و قد يحتج البعض على العنوان
لأنه يتضمن كلمة عقوق الله
و لكنني أعني الكلمة
و استمد شرعيتها من الحديث القدسي الذي يقول الله تعالى مخبرًا عن نفسه :
”…يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني.
فقال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟
قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟
أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي…”
فالتعبير هنا جاء على سبيل المجاز.
واقول :
جمعتني أقدار الله بزوجة أحد الشباب المصريين
الذين استشهدوا فى سوريا.
كان قد ذهب فى حملة إغاثية إلى هناك
و اختاره الله لمنزلة الشهادة – و لا نزكي على الله أحدًا.
حكت لنا قصة زواجهما
و كيف أن أبويها عارضا الزواج بشدة
بحجة أنه خريج كلية حقوق و هى طالبة فى كلية الطب.
كانت لا تزال وقتها فى التاسعة عشر من عمرها
و هو فى الثانية و العشرين.
شاب حديث التخرج ،
يملك من الإيمان و العلم بالله الكثير – بناء على كلام زوجته عنه.
و لكن لم تقابل هذه المعايير بالترحاب ،
فهو حديث التخرج
و لا يملك الكثير من المال بناء على رؤية أبو الزوجة ،
و من ثم فطلبه مرفوض.
و الزوجة – من الواضح – أن الله قد أنعم عليها بالفهم عن الله و رسوله
برغم من حداثة سنها فى ذلك الوقت.
وازنت بين سبب رفض الأب
فى مقابل ما هو مستقر عندها من حديث رسول الله – صلى الله عليه و سلم –
الذى قال فيه:
“أن جائكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه
إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير “.
رجح فى قلبها ميزان الله و رسوله
إضافة شعور الطمأنينة تجاه هذا الإنسان.
قوبلت بالحرب الشعواء ،
لم يقف أحد بجانبها من عائلتها.
حُبست فى غرفتها و ضُربت
و أُخذ منها وسائل الاتصال بالهاتف المحمول و اللاب توب.
حاول الأب تشويه صورة الزوج المتقدم ،
زاعمًا أنه طمعان فى شقتها و ما إلى ذلك من تهم.
لم تجد الزوجة بُدًا أمام هذا الرفض إلا أن تتزوجه دون موافقة الأهل ،
و بالفعل تزوجا.
لم يكن لديهما من المال ما يشترون به مسكنًا للزواج
و لكن لله أقدرًا.
وجد الزوج وظيفة فى ليبيا ،
فسافرا إلى هناك.
عمل فترة و عاد إلى مصر ،
أتى بشقة و لم تكن مفروشة البتة.
عاشا فيها بدون أثاث لمدة.
ثم حملت الزوجة و أنجبت بنتًا ،
و لا يزال الأهل فى عنادهما ،
لا يريدون التصالح مع الأمر.
فُرشت الشقة تدريجيًا
و بعد ذلك ،
ذهب الزوج إلى سوريا لإغاثة السوريين فى إحدى القوافل.
لم يرجع بجسده
و لكنه رجع بقصته هذه التى قد تكون باعثًا فى إحياء الكثير من القلوب.
غمرتني القصة بمشاعر شتى
و الزوجة تحكيها
و أرى جانبها ابنتها التى لا يتجاوز عمرها العامين،
و هى تجرى و تلعب و تبتسم.
فالقصة – في تقديري- أكثر رومانسية من قصة روميو و جولييت
لأن بطليها تزوجا فى النهاية ،
و أكثر تأثيرًا فى النفس
لأن الزوج مات فى سبيل أعظم المعاني
و ليس فى مقابل اليأس كما فعل روميو.
و فى اليوم التالى
كنت أتحدث مع إحدى الفتيات من فتيات الحى الذى اعيش فيه
– و هى تقريبًا فى عمر الزوجة التى استشهد زوجها
أى فى النصف الأول من العشرينيات –
عن مفهوم الحرية
و ما معنى الحرية
ثم استشهدت بالقصة السابقة
لأن معنى الحرية متجليًا فيها بشكل واضح.
قاطعتني جارتى بقوة قائلة:
بس ده عقوق.
قلت لها : ليه عقوق.؟؟؟؟
قالت : علشان طالما أهلها مش موافقين
يبقى كانت لازم تسمع كلامهم.
قلت لها :طيب و هو إيه المعيار إلى على أساسه رفض الأب الزوج.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
قالت : مش مهم المعيار.
إزاى حد يعمل حاجة أهله مش راضين عنها.
قلت لها : الموضوع ده محتاج شوية تفصيل
علشان ما نصدرش أحكام تفتقر إلى المنطق و تبعد عن الحق.
علشان تبان القضية على وجهها الصحيح.
قولي لي إيه هو البر.؟؟؟؟؟؟؟
ردت وبسرعة غريبة :مش عارفة.
قلت لها : البر كما جاء فى الحديث
“هو ما اطمئن إليه القلب و اطمأنت إليه النفس”
فالحديث هنا يضع معيارًا عامًا كى تعرف به البر من عدمه
ولم يقل أننا يجب أن نُساق إلى ما يقال لنا دون وضعه على هذا المعيار.
قالت : ماشي و ده إيه علاقته بالموضوع.
رددت : ده معناه إن البر لابد أن تطمئن إليه نفسك.
قالت : طب و إش عرفني إن إلى أنا حاسة بيه صح
ما وارد يكون هوى جوايا و خلاص.
قولت لها :حلو قوى الكلام ده.
تعالي نزن المعيار رفض الأب
و معايير قبول البنت.
هل معيار رفض الأب لأن الزوج خريج كلية حقوق
و لا يملك الكثير من المال من وجهة نظره
يمكن الأخذ به فى ميزان الحق و الباطل
أم هو معبار سنده هوى شخصي.
لم تجد إجابة فاستطردت قائلاً.
من آثام الفكر المهيمن على عقولنا فى هذا الوقت
النسبية المطلقة
التي توهم الإنسان أن كل على صواب
و أنه لا يوجد معيار للحكم على الأشياء
و لكن دعيني أكمل.
معيار الأب لن تجدي له ميزانًا فى الحديث السابق
بينما استندت البنت على معيار صلب
و هو حديث رسول الله إضافة إلى اطمئنان النفس.
قالت : طب مماكنش لازم يعني.
ما كانت تشوف حد تاني و خلاص.
قلت لها : هذه الطريقة فى الحياة تسقط من الإنسان إنسانيته.
فما يكون الإنسان إنسانًا إلا بالقدرة على الاختيار
بناء على هدى من الله و رسوله.
سأحلول توضيح لماذا قال النبى – صلى الله عليه و سلم
– “إن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض و فساد كبير.”
و فى حديث آخر
– قد لا يكون له علاقة بالموضوع ظاهرًا
و لكنه مهم فى الاستدلال هنا.
قال الرسول صلى الله عليه و سلم
“من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه”.
ففى الحديثين تأكيد على ضرورة إحقاق الحق
و إبطال الباطل
لما لمها من آثار مدمرة لا على الفرد فحسب
بل على المجتمع بأسره.
قالت : مش فاهمة.
تابعت قولى لها : يعنى لو انتشرت معايير أخرى لاختيار الزواج ،
و أٌحل الزور مكان الحق
لاستشرى الباطل و لحكمت الأهواء ،
و أصبح لكل إنسان معاييره الخاصة
التى ليس من المهم أن تكون مستدمة من القرآن و السنة.
سكتت لوهلة
و قد بدا على ملامحها الاضطراب:
ثم استطردت قائله : الكلام ده معناه إن معظم الناس ماشية بدماغها ....
مش بأمر ربنا.
قلت لها : ده بتأكده الآية:
” وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله…“
قالت : بس ربنا أمرنا بعدم طاعة الوالدين بس فى الشرك
و طاعتهم واجبة فى أى حاجة تانية.
قلت لها : طيب إيه هو الشرك الأول؟
هل هو بس إننا نسجد للأصنام؟
لم تجب.
رددت على الفور :
مفهوم الشرك واحد و إن اختلفت أشكاله و طرقه.
فالأصنام فى العهد المكي كانت تعبر عن وضع اجتماعي و اقتصادي و نفسي ما .
تطلب أن يتجلى مفهوم الشرك فى اللات و العزى و مناة.
و لذا فمفهوم الشرك تختلف أشكاله بختلاف البيئات و العادات و التقاليد.
و الشرك بفهومه الواسع هو بناء على ما أعرف
هو توهم قدرة لغير الله
و لست فقيهًا حتى أقول على إنسان أنه مشرك أم لا ،
و لكننى أوصف حالة.
ألا يمكن أن يكون سبب الرفض لأن الزوج لا يملك من المال
ما يؤهله للزواج
أو أن شهادته ليست مرموقة بغض النظر عن أخلاقه و سلوكه
هو نوع من أنواع توهم القدرة لما لا قدرة له.
قالت :يعنى إيه.
قلت لها : يعنى إني توهمت إن الشهادة و المال ليهم قدرة فى ذاتهم.
قالت : إيه ده هو الواحد ممكن يشرك و هو مسلم و بيصلي و يصوم.
قلت لها : الشرك زى الفيروس فى الجو
بيصيب كل الناس على حد تعبير أحد أستاتذتي.
المهم إن الواحد يكون واعي و ياخد العلاج المناسب علشان الفيروس مايتمكنش منه
وده بتأكده الآية الكريمة
“وما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون…”
شعرت أننى أثرت عندها اضطرابًا فى مفاهيمها السائدة و أفكارها المتوارثة.
قالت : كلامك منطقي.
بس ما يمكن يكون مجرد وجهة نظر و جايز تكون غلط.
قلت لها : بصي
أى حاجة عايزة تعرفي هل هى صح و لا غلط.
صفي قلبك
و أطلبي من ربنا يوريكي هل ده صح و لا غلط.
و تدبري فى الكون من حواليكي.
هتلاقي الإجابة الصح بتظهر فى كل حاجة لوحدها.
مثلاً شوفي الجواز بقى معقد إزاي
مع إنه من أسمى العلاقات الإنسانية
لدرجة إن الناس بدأت تشك فى الجواز نفسه.
مع إن الله جعله لينا سكن و مودة و رحمة.
معظم الناس بتتكلم عن أسباب فشل الجواز
لأن الرجل ماجبش كل المطلوب من عفش و نيش.
و فيه جوازت مبتكملش علشان الستاير أو حجم النيش.
هل هى ديه الأسباب الحقيقية؟
و لا ديه تطبيقات لفكرة عدم تحكيم الله و تسلط الأهواء.
قالت :يعنى لو خالفت أهلي فى حاجة زى ديه مش هاكون عاقة.
قلت لها : لو حكمت قلبك ووزنتى الأمور على مقاييس ما يرضي الله
فده هايكون البر
حتى و إن لم يوافقوا
و عكسه سيكون عقوقًا.
انتهى النقاش
و أنا أشعر بسعادة حقيقة
لأن الله وفقني فى تكسير مجموعة القيم الحاكمة
لجارتى العزيزة .....و التى تمثل عينة من المجتمع.
و هذا هو من ثمار هذا النقاش
و أسأل الله
أن أكون قد و فقت فى الاستدلال
و أننى لم أكن أضل بغير علم.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
.
| |
|