ظهر في السنوات الأخيرة كمٌّ هائل من الأبحاث والدراسات يؤكد أن سلوك الإنسان لا يتغير كثيراً بالنصائح القوية والمواعظ اللفظية بمجردها،
مهما كانت فصيحة ومؤثرة وقتياً، هي مهمة وضرورية ولكن العادة والبيئة أقوى منها، وإنما تؤثر حين ترتبط بتطبيقات عملية وأنماط سلوكية تستمر لفترات طويلة،
ويكون المجتمع المحيط داعماً لها ومساعداً على تكرارها (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) (88) سورة هود.
تؤثر حين تتحول إلى عادات راسخة في السلوك، ومن هنا نشأ مصطلح (رياضة النفس) عند الأئمة؛ كأبي حامد الغزالي، وابن القيم وشيوخ التصوف.
محاضرة قوية ورادعة عن الغضب قد تلفت انتباهنا وتثير إعجابنا.. وعند سماعها نشعر بحماس لتطبيق مضمونها..
ولكن عند أول مثير أو مستفز تعمل الأجهزة والأعصاب والبرامج الذاتية عملها وينفلت الزمام ويتصرف المرء وفق انفعاله المعتاد! ثم يندم! ومع تكرار الفشل يتولّد اليأس، ومع تعاظم تأنيب الضمير يفقد المرء ثقته بنفسه.. ويصبح غير معنيّ باستماع المواعظ ولسان حاله يردد: لا فائدة!
"الحِلْمُ بالتَّحَلُّم"، كما قال أبو الدرداء، وهذا يعني التدريب وإتقان مهارات ومعرفة تقنيات محددة في مقاومة الغضب:
1 – كتاب (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين) لابن القيم، مرجع جامع لنصوص الصبر وفضائله، حين تقرؤه تشعر بأهمية الصبر وضرورته للحياة، وللدنيا والدين، وللنجاح، ولمواجهة التحديات والصعاب.
2 – وحين تضيف إليه كتاب (قوة الصبر) تأليف جي رايان، وترجمة مكتبة جرير. تتعلم تفصيلات عديدة في حياتك اليومية تدربك على تطبيق مفهوم الصبر الشرعي.
3 – وحين تخضع لتدريب أو دورات تربوية ستكون وضعت قدمك على الطريق.. وعرفت أنك لست وحدك!
يمكن أن نلاحظ في العادات النبوية ثلاثة محاور:
1 – الصفات الظاهرة.
2 – السلوك العملي.
3 – طرق تغيير الآخرين.
الصفات الظاهرة: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ"، والخُلُق هنا هو العادة {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} (137) سورة الشعراء.
وفي حياته - صلى الله عليه وسلم - كمٌّ هائل من العادات العملية واللغوية التي تثري الحياة ولا تذهب متعتها.
وعادة ما تكون صيغة "كان إذا" في المصنفات النبوية تعبيراً عن الفعل المتكرر منه، أي عن العادة، وهي هنا أعمّ من أن تكون عادة مقصودة أو غير مقصودة، وإنما المراد فعلها على سبيل التكرار، وقد تكون عبادة.
( جمال المظهر): فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - شعثاً في شعره، وكان يعتني بجودة اللباس، ولذا رأى عمر حلة تباع فاشتراها له لمعرفته بطبع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما يحب. وكان يلبس في الجمعة والعيدين أفضل لباسه، وهذا من الحفاوة بالناس والاهتمام لمن يقابلهم. وكان يقول: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ»، ويزكي لأصحابه أن يكون ثوب أحدهم حسناً ونعله حسنة. ومع تواضعه في سائر أموره، فلم يكن يوماً من الأيام شعثاً ولا فارقته الأناقة في ملبسه.
( النظافة): كان يتسوّك حتى خشي على أسنانه، ويأمر بالسواك، وشرع المضمضة والاستنشاق والوضوء والغسل في مواضع لم تكن البيئة تساعد عليها؛ لأنها كان مشغولة بالضروريات من الحياة.
( الطِّيب): كان يتوقّى الثوم والبصل والكراث والروائح المكروهة، ويحرص على الطِّيب في بدنه وشعره وثيابه حتى في حال الإحرام «كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ ...»، ويُشيع ذلك حتى رأى مرة بصاقاً في قبلة المسجد فتغيظ ودعا بخلوق طيبة بنفسه، فجعل يزيلها بعرجون في يده ويضع الخلوق مكانها. وهذا درس عملي لكل المؤمنين.
الشيخ/سلمان العودة