من رحلة أمير الرحالين " إبن بطوطة " لدمشق المملوكية و إنبهاره بكثرة الأوقاف بمدينة الياسمين .
خدمة المحتاجين فى الأوقاف
الأوقاف بدمشق لا تحصر أنواعها ومصارفها لكثرتها ، فمنها أوقاف على العاجزين عن الحج يُعطى لمن يحج عن الرجل منهم كفايته ،
ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أزواجهن وهن اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن ، ومنها أوقاف لفكاك الأسارى و منها أوقاف
لأبناء السبيل يعطون منها ما يأكلون و يلبسون و يتزودون لبلادهم ، ومنها أوقاف على تعديل الطرق ورصفها لأن أزقة دمشق لكل واحد
منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون ويمر الركبان بين ذلك ، ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير ، وقد مررت يومًا ببعض
أزقة دمشق فرأيت به مملوكًا صغيرًا قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصيني ، وهم يسمونها " الصَّحن " فتكسرت و اجتمع عليه
الناس فقال له بعضهم " اجمع شقفها و احملها معك لصاحب أوقاف الأواني " فجمعها وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها ، فدفع له ما
اشترى به مثل ذلك الصحن ، وهذا من أحسن الأعمال ، فإن سيد الغلام لا بُدَّ له أن يضربه على كسر الصحن أو ينهره ، وهو أيضًا ينكسر
قلبه ، و يتغير لأجل ذلك فكان هذا الوقف جبرًا للقلوب ، جزى الله خيرًا من تسامت همته في الخير إلى مثل هذا .