بسم الله
وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى".
هذا الحديث الشريف رواه كل من البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل رحمهم الله أجمعين
عن النعمان بن بشير( رضي الله عنهما) عن رسول الله( صلى الله عليه وسلم)، والنص أعلاه لفظ مسلم، أما لفظ البخاري فيقول:
"ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى".
ورواية أحمد جاءت بالنص التالي:
"مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
وفي بحث علمي دقيق لطبيب مسلم ( هو الدكتور ماهر محمد سالم) أوضح جانبا من جوانب الإعجاز العلمي في هذا الحديث الشريف لم تدركه العلوم المكتسبة إلا منذ سنوات قليلة، ومن ذلك أن شكوى العضو المصاب هي شكوى حقيقية، وليست علي سبيل المجاز، إذ تنطلق في الحال نبضات عصبية حسية من مكان الإصابة أو المرض علي هيئة استغاثة إلي مراكز الحس والتحكم غير الإرادي في الدماغ وتنبعث في الحال أعداد من المواد الكيميائية والهرمونات من العضو المريض بمجرد حدوث ما يتهدد أنسجته وخلاياه ومع أول قطرة دم تنزف منه،، أو نسيج يتهتك فيه، أو ميكروب يرسل سمومه إلي أنسجته وخلاياه، تذهب هذه المواد إلى مناطق مركزية في المخ فيرسل المخ الي الأعضاء المتحكمة في عمليات الجسم الحيوية المختلفة أمرا باسعاف العضو المصاب واغاثته بما
يتلاءم وإصابته، أو مرضه.
وفي الحال تتداعى تلك الأعضاء المتحكمة في عمليات الجسد الحيوية المختلفة، أي يدعو بعضها بعضا، فمراكز الإحساس تدعو مراكز اليقظة والتحكم في تحت المهاد(في المخ) وهذه تدعو بدورها الغدة النخامية لإفراز الهرمونات التي تدعو باقي الغدد الصماء لافراز هرموناتها التي تدعو وتحفز جميع أعضاء الجسم لنجده العضو المشتكي، فهي شكوى حقيقية، وتداع حقيقي، وليس على سبيل المجاز، ومعنى التداعى هنا أن يتوجه كل جزء في الجسد بأعلى قدر من طاقته لنجدة المشتكي وإسعافه، فالقلب المثال ـ يسرع بالنبض لسرعة تدوير الدم وإيصاله للجزء المصاب، في الوقت الذي تتسع فيه الأوعية الدموية المحيطة بهذا العضو المصاب وتنقبض في بقية الجسم، لتوصل إلى منطقة الاصابة ما تحتاجه من طاقة، وأوكسجين، وأجسام مضادة وهرمونات، وأحماض أمينية بناءة لمقاومة الاصابة والعمل على سرعة التئامها، وهذه هي خلاصة عمل أعضاء الجسم المختلفة من
القلب إلى الكبد، والغدد الصماء، والعضلات وغيرها، وهي صورة من صور التعاون الجماعي لايمكن أن توصف بكلمة أبلغ ولا أشمل ولا أوفى من التداعي.
وهذا التداعي يبلغ درجة من البذل والعطاء عالية إذ يستدعي من الأعضاء والأجهزة والأنسجة والغدد المتداعية أن تهدم جزءا من مخزونها من الدهون والبروتينات من أجل إغاثة العضو المشتكي، ويظل هذا السيل من العطاء مستمرا حتى تتم عملية الإغاثة، وتتم السيطرة على الإصابة أو المرض، والتئام الأنسجة والخلايا الجريحة أو المريضة، حتى يبرأ الجسد كله أو يموت كله.
منقول من مقال للدكتور زغلول النجار