ناجي احمد محمد السيد عطيه نائب المديرالعام
عدد الرسائل : 6618 العمر : 74 الموقع : القاهره - شبرا - كوبري عبود - ارض ايوب نقاط : 10324 تاريخ التسجيل : 05/05/2010
| موضوع: من اقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ( 4 ) الإثنين 1 أكتوبر - 22:52:03 | |
|
حديث نبوى : كن فى الدنيا غريب
متن الحديث
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيّ فقال :
( كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل ) ،
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول :
إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ،
وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ،
وخذ من صحتك لمرضك ،
ومن حياتك لموتك
رواه البخاري .
التوضيح والتحليل :
عندما نتأمل في حقيقة هذه الدنيا ،
نعلم أنها لم تكن يوما دار إقامة ،
أو موطن استقرار ،
ولئن كان ظاهرها يوحي بنضارتها وجمالها ،
إلا أن حقيقتها فانية ،
ونعيمها زائل ،
كالزهرة النضرة التي لا تلبث أن تذبل ويذهب بريقها . تلك هي الدنيا التي غرّت الناس ،
وألهتهم عن آخرتهم ،
فاتخذوها وطنا لهم ومحلا لإقامتهم ،
لا تصفو فيها سعادة ،
ولا تدوم فيها راحة ،
ولا يزال الناس في غمرة الدنيا يركضون ،
وخلف حطامها يلهثون ،
حتى إذا جاء أمر الله انكشف لهم حقيقة زيفها ،
وتبين لهم أنهم كانوا يركضون وراء وهم لا حقيقة له ،
وصدق الله العظيم إذ يقول :
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }
صدق الله العظيم
( آل عمران : 185 ) .
وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليترك أصحابه
دون أن يبيّن لهم ما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم
في الدنيا ،
ودون أن يحذّرهم من الركون إليها ؛
فهو الرحمة المهداة ،
والناصح الأمين ،
فكان يتخوّلهم بالموعظة ،
ويضرب لهم الأمثال ،
ولذلك جاء هذا الحديث العظيم بيانا وحجة ووصية خالدة . لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم
بمنكبيّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ؛
ليسترعي بذلك انتباهه ،
ويجمع إليه فكره ،
ويشعره بأهمية ما سيقوله له ،
فانسابت تلك الكلمات إلى روحه مباشرة :
( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) .
وانظر كيف شبّه النبي صلى الله عليه وسلم
مُقام المؤمنين في الدنيا بحال الغريب ؛
فإنك لا تجد في الغريب ركونا إلى الأرض
التي حل فيها
أو أُنسا بأهلها ،
ولكنه مستوحش من مقامه ،
دائم القلق ،
لم يشغل نفسه بدنيا الناس ،
بل اكتفى منها بالشيء اليسير . لقد بيّن الحديث غربة المؤمن في هذه الدنيا ،
والتي تقتضي منه التمسّك بالدين ،
ولزوم الاستقامة على منهج الله ،
حتى وإن فسد الناس ،
أو حادوا عن الطريق ؛
فصاحب الاستقامة له هدف يصبو إليه ،
وسالك الطريق
لا يوهنه عن مواصلة المسير تخاذل الناس ،
أو إيثارهم للدعة والراحة ،
وهذه هي حقيقة الغربة
التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :
( بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء )
رواه مسلم . وإذا كان المسلم سالكاً لطريق الاستقامة ،
حرص على قلّة مخالطة من كان قليل الورع ،
ضعيف الديانة ،
فيسلم بذلك من مساويء الأخلاق
الناشئة عن مجالسة بعض الناس
كالحسد والغيبة ،
وسوء الظن بالآخرين ،
وغير ذلك مما جاء النهي عنه ،
والتحذير منه .
ولا يُفهم مما سبق أن مخالطة الناس مذمومة بالجملة ،
أو أن الأصل هو اعتزال الناس ومجانبتهم ؛
فإن هذا مخالف لأصول الشريعة
التي دعت إلى مخالطة الناس وتوثيق العلاقات بينهم ،
يقول الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا }
صدق الله العظيم
( الحجرات : 13 ) ،
وقد جاء في الحديث الصحيح :
( المسلم إذا كان مخالطا الناس
ويصبر على أذاهم
خير من المسلم الذي لا يخالط الناس
ولا يصبر على أذاهم )
رواه الترمذي ،
ولنا في رسول الله أسوة حسنة
حين كان يخالط الناس
ولا يحتجب عنهم . وإنما الضابط في هذه المسألة :
أن يعتزل المرء مجالسة من يضرّه في دينه ،
ويشغله عن آخرته ،
بخلاف من كانت مجالسته ذكرا لله ،
وتذكيرا بالآخرة ،
وتوجيها إلى ما ينفع في الدنيا والآخرة . ولنا عودة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( كأنك غريب ، أو عابر سبيل ) ،
ففي هذه العبارة
ترقٍّ بحال المؤمن
من حال الغريب إلى حال عابر السبيل ،
فعابر السبيل :
لا يأخذ من الزاد سوى ما يكفيه مؤونة الرحلة ،
ويعينه على مواصلة السفر ،
لا يقر له قرار ،
ولا يشغله شيء عن مواصلة السفر ،
حتى يصل إلى أرضه ووطنه .
يقول الإمام داود الطائي رحمه الله :
" إنما الليل والنهار مراحل
ينزلها الناس مرحلة مرحلة،
حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ،
فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة
زادا لما بين يديها فافعل ؛
فإن انقطاع السفر عما قريب ،
والأمر أعجل من ذلك ،
فتزود لسفرك ،
واقض ما أنت قاض من أمرك " وهكذا يكون المؤمن ،
مقبلا على ربه بالطاعات ،
صارفا جهده ووقته وفكره في رضا الله سبحانه وتعالى ،
لا تشغله دنياه عن آخرته ،
قد وطّن نفسه على الرحيل ،
فاتخذ الدنيا مطيّة إلى الآخرة ،
وأعد العدّة للقاء ربه ،
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من كانت الآخرة همه ،
جعل الله غناه في قلبه ،
وجمع له شمله ،
وأتته الدنيا وهي راغمة )
رواه الترمذي . ذلك هو المعنى
الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم
أن يوصله إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ،
فكان لهذا التوجيه النبوي أعظم الأثر في نفسه ،
ويظهر ذلك جليا في سيرته رضي الله عنه ،
فإنه ما كان ليطمئنّ إلى الدنيا أو يركن إليها ،
بل إنه كان حريصا على اغتنام الأوقات ،
كما نلمس ذلك في وصيّته الخالدة
عندما قال رضي الله عنه :
" إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ،
وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ،
وخذ من صحتك لمرضك ،
ومن حياتك لموتك .
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
.
| |
|