أيها الأخوة, لقد كان لقاؤه لقيصر عظيم الروم، في خلافة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وكانت له معه قصَّة، من روائع القصص .
ففي السنة التاسعة عشرة للهجرة، بعث عمر بن الخطاب جيشاً لحرب الروم، فيهم عبد الله بن حذافة السهمي، وكان قيصر عظيم الروم قد تناهت إليه أخبار جند المسلمين، وما يتحلَّون به من صدق الإيمان، ورسوخ العقيدة، واسترخاص النفس في سبيل الله ورسوله، فأمَرَ رجاله إن ظفروا بأسيرٍ من أسرى المسلمين أن يبقوا عليه، وأن يأتوه به حياً، وشاء الله أن يقع عبد الله بن حذافة السهمي أسيراً في أيدي الروم، فحملوه إلى مليكهم, وقالوا:
((إنَّ هذا من أصحاب محمد السابقين إلى دينه، قد وقع أسيراً في أيدينا، فأتيناك به .
نظر ملك الروم إلى عبد الله بن حذافة طويلاً، ثم بادره قائلاً: إني أعرض عليك أمراً ، قال: وما هو؟ قال: أعرض عليك أن تتنصَّر، فإنْ فعلتَ خلَّيت سبيلك، وأكرمت مثواك، فقال الأسير في أنفةٍ وحزم: هيهات, إن الموت لأحبُّ إليَّ ألف مرة ممّا تدعوني إليه .
قال قيصر: إني لأراك رجلاً شهماً، فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك، أشركتك في أمري، وقاسمتك سلطاني .))
-فخلاصة قضية قيصر أنّ سمعةَ أصحاب رسول الله ملأت الآفاق، أشخاص أشدَّاء، أقوياء، متعففون، إيمانهم قوي، الدنيا عندهم صغيرة، فلهم سمعة كبيرة، وهو أراد أن يرى من هم هؤلاء؟ فأخذَ يعرض عليه كلَّ إغراءٍ- .
فتبسَّم الأسير المكبَّل بقيوده، وقال: واللهِ لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمدٍ طرفة عينٍ ما فعلت .
-هذا هو الإيمان، الآن من أجل أن يظل رئيس دائرة يبيع دينه، ويترك الصلاة كلها، لا أريد أن يعرفوا عني شيئًا، إذا وضعوه رئيس دائرة مثلاً، لأتفه المكاسب يتخلَّى عن دينه- قال : إذًا: أقتلك, قال: أنت وما تريد, ثم أمر به فصُلِب، وقال لقنَّاصته بالرومية:
((ارموه قريباً من يديه، وهو يعرض عليه التنصُّر فأبى, قال: ارموه قريباً من رجليه، وهو يعرض عليه التنصُّر فأبى .
عند ذلك أمرهم أن يكفّوا عنه، وطلب إليهم أن ينزلوه عن خشبة الصلب، ثم دعا بقدرٍ عظيمة، فصُبَّ فيها الزيت، ورُفعت عن النار حتى غلت، ثم دعا بأسيرين من أسارى المسلمين، فأمر بأحدهما أن يُلقى فيها فأُلقي، فإذا لحمه يتفتت، وإن عظامه لتبدو عارية بعد إلقاه، ثم التفت إلى عبد الله، ودعاه إلى النصرانية، فكان أشدَّ إباءً من قبل .
فلما يئس منه، أمر به أن يُلقى في القدر التي أُلقي فيها صاحباه، فلما ذُهِب به دمعت عيناه، فقال رجال قيصر لملكهم: يا سيِّدي إنه قد بكى، فظَنَّ أنه قد جزع، فقال: ردّوه إلي, فلما مثُل بين يديه، عرض عليه النصرانية فأباها، قال: ويحك فما الذي أبكاك إذًا, ألم تكن خائفاً؟ قال: واللهِ ما أبكاني إلا أني قلت في نفسي: تُلْقى الآن في هذه القدر، فتذهب نفسك، وقد كنت أشتهي أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعرٍ أنفُسٌ، فتُلقى كلُّها في هذه القدر في سبيل الله, فقال الطاغية: هل لك أن تقبِّل رأسي وأُخلِّي عنك؟ فقال له عبد الله: وهل تُخلّي عن جميع أُسارى المسلمين؟ فقال الطاغية: وعن جميع أسارى المسلمين أيضاً, قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدوٌ من أعداء الله، أُقبِّل رأسه، فيُخلّي عني وعن أُسارى المسلمين جميعاً، لا ضيرَ في ذلك, ثم دنا منه، وقبَّل رأسه، فأمر ملك الروم، أن يجمعوا له أسارى المسلمين، وأن يدفعوهم إليه، فدُفِعوا له، وانطلق بهم إلى المدينة .
قدم عبد الله بن حذافة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأخبره خبره، فسُرَّ به الفاروق أعظم السرور، ولما نظر إلى الأسرى, قال: حقٌ على كل مسلمٍ أن يقبِّل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ بذلك، ثم قام وقبَّل رأسه))
منقول
التوقيع
إن الباطلَ حندي من جنودِ الحق
لأنه حينما يعلو يؤلمُ الناسَ بشراسته
فيصيح الناس : أين الحق؟؟!!
فيظهر الله الحق.