من الطبيعي أن يتبنى الأنبياء عملية الاتصالات الخارجية من أجل تبليغ الرسالة بالرغم من ضعف وسائل الاتصال آنذاك، ولم تكن العملية يسيرة أبداً، حيث بادر الرسول)صلى الله عليه و آله و سلم( في بادئ الأمر إلى مخاطبة الملوك ورؤساء القبائل، عبر إرساله الموفدين والمندوبين من قبله وهم يحملون رسائله الشفوية والخطية التي كانت رائحة الإسلام تفوح من بين كلماتها. ولعل أول تلك المراسلات الخارجية للرسول)صلى الله عليه و آله و سلم( كانت مع النجاشي، حيث جاء فيها: )بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، سلام عليك، أحمد الله الذي لا إله إلا هو الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول، الطيبة، الحصينة، فحملت بعيسى، حملته من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده.... الخ((3). وتلك المناغمة الحكيمة من قبل الرسول)صلى الله عليه و آله و سلم( مهّدت الأرضية فيما بعد تماماً إلى اختيار الحبشة لهجرة المسلمين إليها بعد اشتداد الضغط عليهم، حيث أن موقف النجاشي معروف عند سرد أحداث هجرة المسلمين من مكة إلى الحبشة. ولم تقتصر القائمة التي أعدها الرسول)صلى الله عليه و آله و سلم( في التحرك على الصعيد الخارجي وإيصال الدعوة الإسلامية إلى أبعد نقطة على النجاشي فقط، حيث ضمت تلك القائمة هرقل عظيم الروم وأسقف الروم في القسطنطينية، أسقف إيله، وكاتب ملوك العرب والمقوقس عظيم القبط في مصر وكسرى ملك الفرس. والمصاهرة هي إحدى المحاور التي تحرك عليها الرسول)صلى الله عليه و آله و سلم( وهو في طريقه إلى الاتصال بالأقوام والقبائل الأخرى، وقد استطاع الرسول)صلى الله عليه و آله و سلم( من خلال تلك العملية أن يختصر الكثير من الوقت وهو يهم بانتقال الدعوة الإسلامية من حيز أمة العرب إلى بقية القوميات والمذاهب الأخرى. فزواجه من جويرية بنت الحارث (سيدة بني المصطلق)، كان نعمة عظيمة على قومها، حيث كانت النتائج المباشرة لذلك الزواج إطلاق سراح مئات الأسرى من أبناء تلك القبيلة التي وقعوا أسرى بيد المسلمين، كما انشدّوا إلى المسلمين برباط من الصداقة، فدخلوا الإسلام فيما بعد. أما اليهود فلم ينس الرسول)صلى الله عليه و آله و سلم( أن يكسبهم عن طريق البناء بامرأة من نبيلاتهم، وذلك أعقاب فتح خيبر سنة 7هـ وهي صفية بنت حُييّ (عقيلة بني النضير) التي طالما افتخرت بزواجها من النبي)صلى الله عليه و آله و سلم( أمام اليهود عبر قولها )زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى(. فيما وهب الأقباط في مصر إحدى نسائهم إلى النبي)صلى الله عليه و آله و سلم(، فلم يردها الرسول إليهم وتزوجها، وهكذا فتح الرسول)صلى الله عليه و آله و سلم( جسراً ممتداً من العلاقات ما بين مصر والجزيرة العربية حتى أن الرسول استوصى بهم حيث قالاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة ورحماً(. هذا وقد مارس الرسول)صلى الله عليه و آله و سلم( السياسة بمفاهيم مثالية قد لا يستوعبها الناس آنذاك، مع أنه عاش الواقع ومارس (فن الممكن) فتحالف مع مشركين في حلفه مع خزاعة، وتعاقد مع يهود في الصحيفة، فلم ينقض عهداً ولم يغدر بعدوٍ ولم يتخلّ عن صديق. |