.سمير يونس
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أستاذ المناهج وأساليب التربية الاسلامية المساعد
د.سمير يونس صلاح
بعد مقال كتبته بعنوان: "كيف تكسبين حماتك؟ جاءتني رسائل كثيرة من زوجات يطالبن بمقالٍ يوصي الحماة بإحسان معاملة زوجة ابنها، وكيف تكسب الحماة زوجة ابنها؟
ولقد ذكرتني رسالات هؤلاء الزوجات بتسلط بعض الحموات ومبالغتهن في الغيرة من زوجات أبنائهن... صحيح أن علماء النفس يرون أن للغيرة أسبابها المنطقية، فالأم التي ربَّت وتعبت وكبَّرت، وعانت طوال الليالي والأيام، وعلى مر الشهور والأعوام، ليس سهلاً عليها نفسياً أن تأتي مَنْ تأخذ منها ابنها، وتستأثر بنصيب الأسد من وقته وجهده وثمار مستقبله، فالحماة كتبت عليها التضحيات، والزوجة تستمتع بالثمرة والملذات، فتلك في نظر الحماة إذن قسمة ضيزى!
والغيرة في بني الإنسان قسمان: غيرة طبيعية محمودة، وغيرة مذمومة، وغيرة الحماة من زوجة ابنها غالباً ما تكون من النوع المذموم، والخطورة تشتد عندما تكون هذه الحماة متسلطة.
ولقد رأيت فعالاً وأقوالاً وسلوكيات من بعض الحموات لا يطيقها بشر، وسوف أحاول في السطور التالية أن أعتصر ذاكرتي، لأسوق مواقف رأيتها بعينيّ، أو سمعتها بأذنيّ، من واقع الحياة، ومن وحي الواقع.
ذات مرة، دعاني أحد أصدقائي وكان زميل دراسة أن أذهب معه لأهل زوجته للصلح بينه وبين زوجته، حتى يتمكن من إرجاعها إلى مملكتها وأولادها، وهناك رأيتها كبقايا إنسان، ظلت تحكي عن فعال حماتها، فقلت في نفسي: لقد حرر الإسلام العبيد، لكن هذه الحماة تعود بنا إلى جاهلية أخرى، ولم أر إلا أن هذه الحماة نظرت إلى زوجة ابنها على أنها خادمة، لأن الخادمة تأخذ أجرها، أما هي فقد جعلتها خادمة بلا أجر، وصعقت عندما علمت أن الحماة خالة الزوجة، أي شقيقة أمها!!
كانت هذه الزوجة حاصلة على شهادة البكالوريوس، وتعمل معلمة بالمدرسة الإعدادية في قريتها، وكانت حماتها تصر إصراراً أن تذلها، وأن تحط من قدرها أمام التلاميذ، وتحقِّر من شأنها أمام غيرها.
وتلك حماة ثانية تحكم على ابنها الذي مسخت شخصيته وأضعفتها أن يتزوج بغيرها، من باب التأديب والتربية، فلما استفسرت عن السبب لم أجد سوى أنها رأتهما في وجودها يعبران عن الحب بينهما بكلمات راقيات مهذبات، فحسبت ذلك عليهما، وأنه سوء أدب منها هي، فلما قيل لها: إذا كان هذا خطأ فلم تحملين زوجة ابنك المسؤولية كاملة؟ أليس ابنك شريكاً في هذا؟ قالت: بلى، هو شريك، ولكنها تتحمل المسؤولية وحدها، لأنها لو لم ترغب في سماع ذلك لما فعل ابني هذا أمامي!!
وأعرف زوجاً جشعاً أخذ مال زوجته حباً في الاستحواذ، وظلماً للمرأة، وطمعاً فيما في أيدي إماء الله، ثم اشترى به شقة على أحد الشواطئ، ثم حدث بينهما خلاف زوجي، وحكَّما بينهما أهل الخير، فحكموا للزوجة بالشقة، ففرشتها لتستفيد من عائدها صيفاً بعد طول فراق بينها وبين مالها، عسى أن يعوضها ربها عن صبرها خيراً بتحريك هذا المال، الذي حبسه الزوج، وظل راكداً طوال السنين، بفعل الزوج الظالم المتجبر، فلما علمت حماتها بذلك، فتحت الشقة في غيبتها، وباعت أثاثها، وغيَّرت مفتاحها، حتى لا يعود الحق إلى صاحبته!! بل أصرت هذه الحماة وزوجها على أن يزوجا ابنهما، ويشتتا الأطفال الأبرياء!!
وأكتفي بسرد هذه المواقف الثلاث للحموات، لأوجه حديثي إلى حمواتنا الغاليات، فأقول:
ألا تذكرين أيتها الحماة لحظة أن كبر ابنك، وتمنيت أن تفرحي بزواجه؟ ألا تذكرين ذلك والناس يهنئونك بأنك أدركت ابنك وسررت لزواجه؟ ألا تدركين بذلك أن الله أنعم عليك بنعمة حُرمت منها أخريات كثيرات ممن توفاهن الله قبل أن يروا أبناءهن أزواجاً ويفرحن بأولاد الابن؟!
ألا تذكرين أيتها الحماة الغالية يوم أن تزوجت؟ فإن كانت حماتك ظلمتك فقد ذقت مرارة الظلم فكُفِّي عنه، وإن كانت أحسنت معاملتك فليثمر الإحسان إحساناً.
أيتها الحماة الغالية، أترضين لبنتك أن تعاملها حماتها معاملة سيئة؟ لا شك أن كل أم تريد لابنتها معاملة طيبة، فإذا كنت تريدين لابنتك حسن المعاملة من حماتها، فأحسني معاملة زوجة ابنك، فمن هدي حبيبنا {: "كما تدين تدان"، ويقول أيضاً: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (رواه البخاري ومسلم).
وثم مثل يقول: "اللي بيته من زجاج لا يحذف الناس بالطوب".
وأود هنا أن أشير إلى التأثير السلبي لبعض جيران الحماة أو قريباتها، فكثيراً ما كنت أسمع وأنا طفل صغير وكذلك وأنا شابٌّ شياطين الإنس يأتون لأم العريس وهو لا يزال خاطباً لم يدخل بعروسه، فيقولون لها: "غداً تنسيه زوجته أهله"، ابدئي معها بقسوة حتى تطيع أوامرك وتخشاك، ويستقر البيت ولا يتفكك.
أيتها الحماة الغالية: لا تسمعي لكلام الجهلة من الناس، واحرصي على سعادة ابنك وزوجته، فسعادتهما لا شك ستنعكس عليكِ إيجاباً، وشقاؤهما سينعكس عليكِ سلباً، فإذا كان هناك تقصير من زوجة ابنك فيمكن علاج الأمر بعتاب رقيق بدلاً من النقد الدائم الذي لا ينقطع، ويوغر الصدور، ويغير النفوس، واعلمي أن من أخطر الأمور على الحياة الزوجية لابنك التدخل في شؤونه الخاصة وشؤون زوجته، فكوني حريصة على استقرار ابنك وسعادته، ولا تنشغلي بدخول إنسان غيرك في حياته، فكل ميسّر لما خلق له، فحبه لك حب تقدير وتوقير، وحبك له حب عطف وحنان، والحب القائم بينه وبين زوجته حب له وظائف أخرى، لا تنافس وظائفك، ووجودك في حياته لا يعوضه وجود الزوجة، ووجود الزوجة لا يعوضه وجود إنسان أخرى، وهكذا رسم الله عز وجل لنا الحي اة وعلمنا سننها، حتى لا نحيد عنها، فنعيش جميعاً سعداء، ونلقاه عز وجل سعداء.
وتلك سنة الله في خلقه، وحكمته من الزواج، وحفظ النسل، قال تعالى: وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا (54) (الفرقان).