ناجي احمد محمد السيد عطيه نائب المديرالعام
عدد الرسائل : 6618 العمر : 74 الموقع : القاهره - شبرا - كوبري عبود - ارض ايوب نقاط : 10324 تاريخ التسجيل : 05/05/2010
| موضوع: غطرسه وكبرياء = فراق ......... ( قصه قصيره ) الجمعة 2 مارس - 23:23:45 | |
|
مَن يسمع شهقاتِها يظنُّ أنَّ رُوحها تَخْرج من بين أضلاعِها،
وبين كلِّ شهقة وشهقة
كانت تَخْرج الكلمات بصعوبةٍ من حَلْقِها.
وضعَتْ يدَيْها على رأسِها غيرَ مُصدِّقة بأنَّ زَوْجها قد فعلَها،
وأخذت تَهْذي بذهول:
"لا يحقُّ لك أن تأتي لي بضَرَّة،
لا يحق لك..
جرَحْتَني، طعنتني".
ردَّ زوجها عليها بصوت مبحوح والقلب يعتصره الألَم:
"كلُّ هذا لأنِّي تزوَّجتُ؟!
الطَّعنات التي خلَّفْتِها في قلبي يا سوسن
إلى الآن لَم تلتئم جراحُها بعد،
فماذا تُسمِّين استخفافَكِ بِي،
واستعلاءكِ عليّ؟!
لسانكِ السَّليط،
وإهمالك لبيتنا وأولادنا بحجَّة عمَلِكِ واضطراركِ إلى السَّفر من بلدٍ لآخَر!
رغم ذلك صبَرتُ على نُشوزِك سنواتٍ طوالاً،
وأنتِ تَعْلمين ذلك جيدًا،
وسأصبر من أجل أولادنا
إلى أن يَقْضي الله أمرًا كان مفعولاً،
ما فعلتِه أنتِ بي لا يُقارَن بزواجي من أخرى،
ما فعلته أنتِ تأثمين عليه،
شتَّانَ شتَّان ما بين الأمرين!".
صرخَتْ كالمجنونة:
"بل أَسْوأ.. أسوأ،
تقول:
إنَّك صبرتَ عليَّ!
وماذا كانت نتيجة صبْرِكَ ونشوزي؟
ضرَّة يا سعيد؟
هكذا تؤدِّبُنِي؟!".
• "لا، لا..
لَم يكن غرَضي تأديبَك،
ولكنِّي وجدتُ معها ما لَم أجِدْه معكِ؛
راحتي يا سوسن".
قفزَتْ من مكانها وكأنَّ حيَّة لدغَتْها؛
وبدأت بترتيب حقائبها استعدادًا لِمُغادرة عُشِّ الزوجيَّة.
وجوه صديقاتها أخذَتْ تتدافع أمام ناظِرَيْها،
همسَتْ لنفسها:
"يا شَماتةَ صديقاتِك بكِ يا سوسن!
بدءًا من اليوم ستُصبِحين فاكهةَ المَجالس".
• "سوسن .. سوسن".
لَم تسمع نداءات زوجها
التي كانت تَبْدو وكأنَّها آتيةٌ من جوف بئرٍ عميق.
أمسكَ ذراعها بلطفٍ
ثُم أحاط بكفَّيه وجهَها المليء بالدموع:
"ما زالَت الأيَّام الخوالي حاضرةً في ذهني؛
فبيننا عِشْرة طويلة..
ما زلتُ أحبكِ يا سوسن،
ولا أريد التَّفريط فيكِ،
أريدكما أنتما الاثنتين معًا،
وبإذن الله سأَقْدر على العدل بينكما..
أريد مساعدتك..
أن تكوني لي عَوْنًا؛
على الأقل من أجل الأولاد".
لَم تتمالَكْ نفسها..
أبعدَتْ يديه بقسوةٍ عنها قائلة:
"لا تلمسني،
إيَّاك أن تلمسَني بعد كده".
ثُم قذفَتْ بالحقائب أرضًا،
وتوجَّهَتْ إليه بجيشها الجرَّار؛
يديها وقدمَيْها،
تضربه بها بكلِّ ما أوتِيَتْ من قوة.
وعندما لَم يُشْفَ غليلُها،
وجَّهَت إليه سلاحها الأخير؛
لسانها،
فصاحَتْ بهستيريَّة:
"بيننا عِشْرة طويلة!
هكذا تكون العِشْرة يا قليل الأصل؟!
بعد كلِّ ما فعلتُه من أجلك!
مَن أنت أصلاً لِتتزوَّج عليَّ أخرى؟!
الظاهر أنَّك نسيتَ نفسك،
روح للفاسقة بتاعتك،
وقل لها كلَّ كلام الحبِّ والغزَل،
أمَّا أنا فلستُ بحاجةٍ إليه".
ثُم أخذت تصرخ بجنون:
"أريد الطَّلاق..
أريد الطَّلاق..
أريد الطلاق".
عام كامل وهو يحاول بشتَّى الطُّرق إعادة المياه إلى مَجاريها،
ولكن السُّبل كانت مقطوعةً أمامه؛
فبِتَشجيعٍ من أهلها ومعارفها المقرَّبين،
كانت تَزْداد تعنُّتًا وشروطًا.
فلم يَجِد بُدًّا من الفراق!
أمسكَتْ سوسن ورقة الطَّلاق بين يدَيْها..
حدَّقَت في الكلمات والحروف القليلة
الَّتي حملَتْ في أحشائها قصَّة حياةٍ زوجيَّة
استمرَّتْ زهاء سبعةَ عشر عامًا،
كان مصيرها الإجهاض.
لَم تَذْرف مُقلتُها دمعةً واحدة، وكأنَّها تحجَّرَت.
أخذَتْ والدتُها الورقة من بين يديها..
مَلامح وجهها تتَساقط حزنًا وأسَفًا..
تَمتمَتْ:
"فضَّلَ عليكِ واحده تانيه بعد كلِّ السنين دي التي وقَفْتِ جنبه خلالها،
وسانَدْتِيهِ؛
عشان يصبح على ما هو عليه اليوم،
حتَّى البيت سيبتيه له ولَها
أنتِ شاركتِ في تأسيسه من عرَقِ جبينك..
سبحان الله!
أهكذا يكون جزاء المعروف والإحسان؟!".
حدَّقَتْ سوسن بالأفق..
ثم قالت وأسنانُها تصطَكُّ غضبًا:
"لقد جعلَنِي محطَّ سخرية..
ولكنِّي لن أَنْهار بسبب زواجه من عانس قبيحة لا تُشترى بمليم،
كما أنَّني لا أريد منه شيئًا..
حتَّى الأولاد تنازلتُ له عنهم..
سأتابع حياتي قُدمًا".
وحتَّى تنسى؛
أغرقَتْ نفسها في لُجَّة أعمالٍ لا تنتهي؛
التحضير للدكتوراه،
وكتابة مقالات،
وإلقاء محاضرات،
وعقد نَدوات،
وحضور مؤتَمرات،
والسفر من بلدٍ إلى آخَر؛
حتَّى استقرَّ بها المُقام في إحدى الدُّول الخليجيَّة.
ولكن أمرًا كان يقضُّ مضجعَها؛
فكونُها مطلَّقة،
وعليها مسحةٌ من جمال
جعَلَها مطمعًا لكلِّ من هبَّ ودبَّ من الرِّجال.
عُروض زواج رفضَتْها من رجالٍ
ظنُّوا أنَّها لبانه تُمضغ، حتَّى تذهبَ حَلاوتُها ثم تُبصَق..
فأحكمَت الإقفال على قلبها جيدًا.
ولكنها لَم تَدْرِ أنَّ الأقفال مع مرور الزمن صَدِئت واهترأتْ،
فلم تستطع مقاومة جحافل المشاعر التي غزَتْ قلبها
عندما تقدَّم لها رجلٌ أعاد إلى حياتِها لونَها،
ولوجهِها نضَارتَه،
ولنفسها بهجتَها،
فأشرعَ القلبُ أبوابَه له على مصراعيه.
استَخارت،
واستَشارت،
فنصَحَها أهلُها ومعارفها بالموافقة،
ما زال صوتُ والدتِها يرنُّ في أذُنِها:
"قطار العمر يَمْضي ولن ينتَظِرَك".
واتَّخذَت قرارها الشُّجاع..
لَم تُبالِ بكلِّ ما أُثير حولَها من إشاعات:
"مُطلَّقة لا تُشترى بمليم"،
"فاسقة"،
"مُتَصابية"...
فلْيَقل الناس ما يريدون؛
فهي لن تُضِيع فرصة الزَّواج من رجلٍ ستَجِد معه راحتَها المنشودة.
وتَمَّ الزواج رغم أنف مَن عارَض؛
لِتُصبح الزوجة الثَّانية في حياته!
| |
|