سعيد بن الجبير وهو من سادات التابعين معلمه هو عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر
فله قصة مع الحجاج بن يوسف الثقفي لهي بحق مثال لمن رفض أن يصمت على الظلم وأبى إلا أن يرفع رأسه ويصدع بكلمة الحق حتى وإن كلفه ذلك روحه نفسها
خرج سعيد بن جبير على الحجاج لما كان يراه من ظلمه ومخالفته لكثير من أوامر الشرع وبقي سعيد آمناً في مكة المكرمة بعد أن تولاها خالد بن عبد الله القسري في عهد الوليد بن عبد الملك فأرسل الحجاج إلى خالد ليطلب منه أن يبعث إليه بسعيد بن جبير
أرسل سعيد من مكة إلى العراق مكبلا في قيده ومعه عشرون رجلاً من رجال الحجاج حتى دخلوا به على الحجاج
فلما أدخلوه عليه ودار بينهما الحوار التالي: -
قال الحجاج: ما اسمك ؟.
ردّ عليه سعيد قائلاً: سعيد بن جبير.
قال الحجاج: بل أنت شقي بن كُسير
. قال سعيد: بل كانت أمي أعلم باسمي منك.
قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت أمك.
قال سعيد: الغيب يعلمه غيرك.
قال الحجاج: لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى.
قال سعيد: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً.
قال الحجاج: فما بالك لا تضحك ؟ .
قال سعيد: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار.
قال الحجاج: فما بالنا نضحك ؟
قال سعيد: لم تستو القلوب.
وفكر الحجاج في أن يستميل قلب سعيد بن جبير بالمغريات والماديات فأمر باللؤلؤ والزبرجد و الياقوت
فجمعه بين يدي سعيد بن جبير.
فقال له سعيد: إن كنت جمعت هذا لتفتدي به من فزع يوم القيامة فقد أخطأت, وإلا ففزعه واحدة تذهل كل
مرضعة عما أرضعت, ولا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا.
ثم دعا الحجاج بالعود والناي, فلما ضُرب بالعود ونُفخ في الناي بكى سعيد بن جبير.
فقال له الحجاج: ما يبكيك ؟ أهو اللهو؟
قال سعيد: بل هو الحزن, أما النفخ فقد ذكرني يوماً عظيما يوم ينفخ في الصور وأما العود فشجرة قطعت في غير حق وأما الأوتار فإنها أمعاء الشياه يبعث بها
معك يوم القيامة.
فقال الحجاج: ويلك يا سعيد.
فقال سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
فقال الحجاج: اختر يا سعيد أي قتلة تريد أن أقتلك ؟.
فقال سعيد: اختر لنفسك يا حجاج, فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة.
قال: أفتريد أن أعفو عنك ؟
قال: إن كان العفو فمن الله, وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر.
قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه. فلما خرج من الباب ضحك, فأخُبر الحجاج بذلك فأمر برده.
فقال: ما أضحك ؟
قال سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عنك.
قال الحجاج: اقتلوه.
فقال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: شدوا به لغير القبلة.
قال سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله.
قال الحجاج: كبوه لوجهه.
قال سعيد: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى.
قال الحجاج: اذبحوه.
قال سعيد: أما إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك, وأن محمداً عبده ورسوله. خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة.
ثم توجه سعيد بن جبير بالدعاء إلى الله قائلاً: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
وقُتل سعيد بن جبير رحمه الله وعاش الحجاج بعده خمس عشرة ليلة يعاني من المرض ثم مات,
وكان ينادي بقية حياته قائلاً: ما لي ولسعيد بن جبير, كلما أردت النوم أخذ برجلي.
منقول