39 AM
--------------------------------------------------------------------------------
مصائب الدهر كفّي ** * ** إن لم تكفّي فعُفّي
المناسبة:
هذا البيت من جملة أبيات وردت في معرض حكاية ترويها
بعض كتب الأدب عن رجل من أبناء الناس كان يتعاطى
الصياغة، ولكن ساء حاله وافتقر، وكره
الإقامة في بلدته، فانتقل إلى بلدة
أخرى، وصار صانعاً عند أحد الصاغة،
وكان هذا الصائغ لا يُعطيه في اليوم
إلا درهمين، بدلاً من أن يعطيه حقّه
وهو ثمانية دراهم. فاتفق يوماً أن
الملك في ذلك البلد طلب الصائغ، وكلّفه بإصلاح سوار
من الذهب مرصّع بالجواهر كان لإحدى جواريه، فانكسر
في يدها. فاغتم الصائغ لذلك، لأنه لم يكن يقدر على
هذه الصنعة الدقيقة، واحتار في أمره.
لكن الصانع رأى حيرة معلّمه، فاغتنم
فرصة غيابه، واخذ السوار وفكّه وأصلحه
وأرجعه كما كان، ووضعه في درج المعلم، فلما رآه
المعلم فرح به، واخذه إلى الملك، فكافأه
الملك على ذلك مكافئة عظيمة، ولكنه لم
يدفع إلى الصانع أكثر من الدرهمين
المعهودين. وصبر الصانع على ذلك، وبعد
أيام أراد الملك أن يُصنع له زوج من
الأساور على تلك الصورة، فطلب المعلم
وكلّفه بالعمل وبالسرعة في إنجازه.
فجاء إلى الصانع فأخبره بما طلبه
الملك، فقام الصانع بالعمل وانجزه
على خير وجه، في أيام معدودة كان
المعلم فيها لا يُعطيه أكثر من درهمين
كل يوم. فلمّا عيل صبره نقش على سوار
منها أبياتاً يشرح فيها حاله مع المعلم،
وهذه الأبيات هي:
مصائب الدهر كُفّي *** إن لم تكفّي فعُفّي
خرجت أطلب رزقي *** وجدتُ رزقي تُوُفي
فلا برزقي أحظى *** ولا بصنعةِ كَفّي
كم جاهلٍ في الثريّا *** وعــالمِ مُتَخَفي
ثم لفّ الأساور في القطن واعطاها للمعلم،
فأخذها المعلم إلى الملك، ففرح الملك
بها فرحاً عظيماً وأجازه على ذلك، ولكنّه
لم يكافئ الصانع بشئ بل أعطاه درهمين
كالعادة عن ذلك اليومّ. ولكن الملك في
اليوم التالي أحضر الجارية وعلى يديها
السّواران، فاخذ يتفحصهما ويعجب من
صنعتهما، فقرأ الأبيات المنقوشة فاستغرب
لذلك، وقال: هذا بيان لحالة الصانع!.
وامر بإحضار المعلم،
فسأله
:
من عَمِلَ هذين السّوارين؟
فقال
:
أنا أيها الملك
!
فقال
:
فما سبب نقش هذه الأبيات؟
قال المعلم:
لم يكن عليها أبيات!
فأراه النقش، وقال له:
إن لم تصدقني الخبر، ضربت عنقك.
فصدقه الخبر، فأمر الملك بإحضار الصانع،
فلمّا حضر سأله عن حاله، فقصّ عليه قصّته
مع المعلم، فأمر الملك بعزل المعلم وأن
تُعطى أمواله للصانع، وأن يكون المعلم
صانعاً، ولكن الصانع بعد مده رفق بحال
معلمه وأدخله شريكاً له في العمل.
منقول