بلال فضل«لماذا أمرت بالضربات التى سقط فيها أبناء شعبك قتلى وجرحى فى شوارع مصر طيلة الأيام الماضية؟ إذا لم تكن أنت الذى أمرت فمن الذى أمر بذلك إذن؟ ولماذا ولو لمرة لم تعتذر لشعبك كما يفعل كل الزعماء فى العالم المتقدم الذين يعلمون أنهم ليسوا آلهة ولا أنصاف آلهة، بل بشر يخطئون ويصيبون؟ أنت تعلم بأن شعبك كان يُقتل ويُهان ويُقمع ويُسحل فى الشوارع، إذا لم تكن قد أمرت بذلك فلا بد أنهم نقلوا لك ما حدث فى التقارير، وإذا كانوا لم ينقلوه لك فلا بد أنك شاهدته فى الفضائيات والصحف المصرية العربية والأجنبية التى قاومت قمع أجهزتك ونجحت فى تسريب بعض الصور بعيدا عن أيدى رجالك. إذا كنت تعلم فتلك مصيبة لأنك خالفت ما أقسمت عليه بالحفاظ على أمن وسلامة المواطن، وإذا كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم لأنك عندها لا تستحق أن تكون رئيسا لنا.
… نحن لسنا شعبا من الخراف لكى تدهس شبابنا عربات الأمن المركزى ويضربهم الضباط بالرصاص الحى والمطاطى والقنابل المسيلة للدموع بعد أن زهقوا من ركلهم بالبيادات وهم يلقون بهم إلى سيارات تأخذهم إلى معسكرات اعتقال نجا منها الفاسدون والظلمة والفشلة. لماذا رضيت بإطلاق الرصاص على مواطنين أقسمت على حمايتهم؟ لماذا لم تفكر ولو من باب المصلحة فى أن تقول للناس إنك لست إلها، وإنك بشر يمكن أن يعتذر ويعترف بالخطأ، لماذا لم تتحدث بكلمة عن المئات الذين قتلهم وأصابهم رجالك؟ لم تعلن حتى عن إحالة القتلة إلى محاكمة عاجلة لكى تبرئ نفسك من دمائهم؟ للأسف لم تفعل يا سيادة الرئيس ولذلك ستظل دماؤهم فى رقبتك إلى أن تعتذر وتحاكم من سفكوا دماء الأبرياء».
للأسف، السطور السابقة التى قرأتها هنا نشرتها يوم الخميس 3 فبراير 2011، وكانت موجهة إلى الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك فى عز بطشه وجبروته، والمخجل والمؤسف والمحزن والمثير للقرف أنها لا تزال صالحة للنشر دون أن يتغير شىء سوى اسم من يستحق أن توجه إليها، وهذه المرة هو المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى الذى يتحمل وحده دون غيره جريمة ما حدث فى ميدان التحرير طيلة الأيام الماضية، ويكذب على نفسه ويخون ضميره ومبادئه كل من يحاول أن يصور أن المسؤولية يجب أن يتحملها رئيس حكومة الخُشُب المُسنَّدة عصام شرف، وقد كتبت ذلك صراحة على صفحتى فى موقع تويتر مع بدء سقوط ضحايا فى التحرير، لا لأننى رجل منفلت الأعصاب، أو لأننى تلقيت مئات الآلاف من الدولارات لكى أحرِّض ضد المجلس العسكرى، ولا لأننى بلطجى، بل لأننى رجل أدعو إلى الاستقرار والأمن والأمان وزيادة الإنتاج والتنمية وجذب الاستثمار وعودة السياحة، وأؤمن أن كل ذلك لن يتحقق إلا بإقامة العدل.
العدل وحده هو الذى يمكن أن يحقق لكل المواطنين الخائفين كل ما يحلمون به، ومن يتصور أنه بسكوته على الظلم والقتل والسحل والدهس وركل الجثث وإلقائها فى الزبالة واستهداف الأبرياء فى أعينهم يمكن أن يحقق الأمن لنفسه ولأسرته ولوطنه فهو واهم، هل يتخيل أحد أن هؤلاء الذين تعرضوا للقتل والإصابة وفقدان الأعين والاختناق والسحل والترويع سيتحولون إلى حمائم وديعة محبة للمجلس العسكرى والشرطة فور مغادرتهم ميدان التحرير؟ من قال إن قتل كل من فى ميدان التحرير وتحويل أهاليهم وأقاربهم وذويهم وأحبابهم إلى أعداء يمكن أن يحقق السلم الاجتماعى فى البلاد؟ أعلم أن الناس قد فاض بها الكيل من الخوف والقلق ووقف الحال ولذلك فقد بدأت تتجاهل ما يحدث أو تبرره أو تقف ضد الضحية، لا لأنها تمتلك أنفسا رديئة، بل لأنها تمتلك أنفسا إنسانية والإنسان ضعيف، لكننى أناشد كل من يفكر هكذا أن يسأل نفسه: إذا كنت تعتقد أن القبضة العسكرية هى الحل فدعنى أقُل لك بالله عليك ما الذى حققته القبضة العسكرية لمصر طيلة الأشهر الماضية؟ هل شهدنا أمنا واستقرارا؟ هل تقدمنا اقتصاديا؟ هل رأينا قرارات سياسية صائبة؟ لن أحدّثك عن المبادئ والمُثُل العليا، سأسألك فقط: لماذا من أجل مصلحتى ومصلحتك لا نتّحد معًا لكى نطلب طلبا محددا هو أن نقرر مصيرنا بأنفسنا فنختار من يحكمنا فيحفظ دماءنا ويحقق مطالب ثورتنا وينقلنا إلى الأمام؟
أعلم أن كثيرين يدعون إلى الصمت على ما حدث من جرائم مفزعة ضد الإنسانية لكى نصل إلى الانتخابات ونأتى ببرلمان منتخب، ويرى البعض من هؤلاء كجماعة الإخوان وحزب الوفد وغيرهما من القوى السياسية أنهم بهذا الموقف يمارسون ذكاء سياسيا من أجل مصلحة البلاد، وينسون أنهم يسقطون باتخاذ هذا الموقف سقوطا أخلاقيا وإنسانيا ويخونون مبادئهم وتاريخهم ويدمرون مستقبلهم فى نفس اللحظة. نعم، المجلس العسكرى يريد أن تتم الانتخابات، صحيح، لكنه يريد ذلك لكى يأتى بسلطة تشريعية تظل تحت السيطرة يمارس معها نفس الدور الذى مارسه على حكومة عصام شرف، ولو كان هذا المجلس جادا فى تحقيق الانتقال السلمى لوافق على طلب القوى السياسية بإعلان موعد واضح ومحدد للانتخابات الرئاسية، دون أن يختبئ خلف إصراره على إطالة الفترة الانتقالية ووضع الدستور، لأنه لا يليق به بعد كل هذا الفشل فى كل المجالات أن يتصور أنه يستحق أن يمارس دور الوصاية على المصريين، فيعرف مصلحتهم أكثر منهم.
المعركة الآن واضحة، ليست معركة انتخابات ولا سلطة ولا زفت، هى معركة إنسانية وأخلاقية، هل تقبل بالظلم؟ هل تريد أن تدخل مصر فى طريق مظلم يأخذ الناس العدالة فيها بأيديهم؟ أم تريد أن تعيش فى مجتمع يسوده العدل الذى لا يفرق بين مدنى وعسكرى وبين كبير وصغير؟ هل ترضى أن تضيع دماء الشهداء هباء وأنت تتوهم أن ذلك سيحقق لك الأمن؟ هل تريد أن تضيع فرصة أولادك فى العيش فى وطن حر كريم؟ هل تريد أن تخفض رأسك وتعيش ذليلا أم ترفع رأسك فوق لأنك مصرى؟ هذه أسئلة عليك أن تواجه نفسك بها كل لحظة، وأنت وضميرك.
لا يبقى سوى أن أختم سطورى هذه بما ختمت به رسالتى إلى حسنى مبارك فى عز جبروته، ولم تكن بشائر النصر قد ظهرت بعد، ومع ذلك فقد كنت واثقا فى ذلك الوقت العصيب بانتصار إرادة الثورة، ولذلك ختمت سطورى قائلا: «تحيا مصر، ومبروك لأحرار المصريين أنهم استعادوا وطنهم من جديد».