أصعب 20 دقيقة في حياتي
لقد اشتدت الأمور عليها أكثر فأكثر، حين أعلنت صراحة أنها تحولت إلى الدين الإسلامي، إذ أصبح الطلاق في هذه الحال أمراً لا مفر منه. وكان ذلك في وقت لم يكن الإسلام فيه معروفاً على نطاق واسع في الولايات المتحدة، وكان فهم الناس له قليلاً. وكان لديها طفلان تحبهما كثيراً، كما كان من المفروض من الناحية القانونية أن تكون رعايتهما من حقها، ولكن حدثت مخالفة للقانون، وتم حرمانها من تلك الرعاية بسبب تحولها إلى امرأة مسلمة. وقد خيرّها القاضي قبل النطق بالحكم النهائي خياراً في منتهى القسوة، بحيث إمّا أن تعود عن الإسلام وتحتفظ بحضانة الطفلين، وإما أن تتخلى عنهما، وتظل على دينها الجديد. وقد منحها ذلك القاضي فترة 20 دقيقة فقط لاتخاذ هذا القرار، وبالتالي فإنه جعلها في ظل محبتها لطفليها، في مواجهة أسوأ كابوس يمكن أن تواجهه أي امرأة في حياتها، حيث إن من الصعب على المرأة أن تفارق أطفالها ليوم، أو أسبوع، أو سنة، فكيف بها وهي تواجه قراراً يمكن أن يؤدي إلى حرمانها من طفليها بصورة دائمة؟ وتقول أمينة عن تلك اللحظات "كانت أصعب 20 دقيقة في حياتي". ولا نحتاج سوى القليل من الخيال لنتصور مدى الألم الذي تحسه امرأة تتخذ قراراً بالتخلي عن أطفالها، وتمنح 20 دقيقة فقط لاتخاذ مثل هذا القرار الرهيب. ومما أضاف إلى آلامها وأحزانها في ذلك الظرف العصيب، أن الأطباء قرروا أنه ليس بإمكانها الحمل ثانية بسبب تعقيدات صحية خاصة بها. وتقول عن تلك الفترة "توجهت بكل مشاعري إلى الله سبحانه وتعالى، حيث كنت أعلم علم اليقين ألا حامي لأطفالي غير الله. وكنت مصممة على أن أريهم في المستقبل ألا طريق سوى الطريق إلى الله وحده". وقد اتخذت قرارها الحاسم بأن تظل على دينها الجديد، وتم انتزاع طفلها وطفلتها من حضنها، حيث أعطاهما القاضي لزوجها السابق. وليس على قلب المرأة أمرّ أقسى من أن تحرم من أطفالها لسبب واحد هو أنها اعتنقت ديانة جديدة. وتقول عن تلك الفترة "غادرت المحكمة وأنا أعرف تماماً أن الحياة بدون الطفلين سوف تكون في غاية القسوة، وكان قلبي ينزف دماً، مع أنني كنت أعرف في داخلي أنني اتخذت القرار الصحيح". وقد وجدت كثيرا من الراحة في تلاوة عدد من الآيات القرآنية التي تتحدث عن وحدانية الله، وخلوده، حيث " الله لا إله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم..." إلى آخر آية الكرسي .
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 162
ربما كانت فكرة العدالة ضعيفة للغاية في ولاية كولورادو الأمريكية. وقد استطاعت أمينة أن تنقل قضيتها، بعد عناء شديد إلى وسائل الإعلام. وكانت تعتقد على الدوام أنها تسير في حياتها ضمن خطة يرضى عنها رب العالمين. وعلى الرغم من أنها لم تستطع استرداد رعاية الطفلين، إلا أن قانوناً صدر في كولورادو منع الحرمان من رعاية الأطفال بسبب اعتناق دين آخر. وكانت أمينة تعتقد أنها محاطة على الدوام بالرعاية من قبل رب السموات والأرض، ولذلك حملت الشعلة الإسلامية إلى أي مكان كان بإمكانها الوصول إليه. وكان الناس يحملون انطباعات جيدة نتيجة لحديثها الدافئ الذي يفيض بالإيمان، حيث استطاعت جهود دعوتها الإسلامية المخلصة تحويل عدد كبير من الذين استمعوا إلى أحاديثها إلى الدين الإسلامي الحنيف.
تجمعات الجاليات المسلمة أمام البيت الأبيض
لقد أصبحت إنسانة أخرى مختلفة بعد أن هداها الله إلى دين الإسلام، كما تقول إنها أصبحت تشعر بأنها أفضل بكثير مما كانت عليه في الماضي. بل إن الأمر بلغ حد إعادة تفكير أسرتها، ومعارفها، والناس المحيطين بها، فيما حدث، والبدء في تأمل كل هذه التغييرات التي حدثت في تفكير وتصرفات أمينة. وعلى الرغم من رد الفعل الأولي من جانب أفراد أسرتها، فقد ظلت على اتصال بهم، وكانت تعاملهم بالاحترام واللين، تماماً كما يأمر القرآن المسلمين بذلك. وكانت ترسل بطاقات التهنئة إلى والدها، وإلى والدتها في المناسبات المختلفة. غير أنها كانت ترفق مع كل بطاقة تقوم بإرسالها إلى ذويها آيات من القرآن الكريم، أو أحاديث لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذلك دون ذكر مصدر هذه الكلمات الجميلة، والموحية في الوقت ذاته، كما أنها كانت تركز على المقاطع المليئة بالنصيحة، والحكمة، والكلمة الطيبة. ولم يمضِ وقت طويل حتى استطاعت من خلال اللجوء إلى هذا الأسلوب إحداث تغيير ملحوظ في نظرة أسرتها، ومن تتعامل معهم، نحوها، وكذلك تجاه الديانة الجديدة التي اعتنقتها.
جعلت أسرتها تعتنق الإسلام
وكانت جدتها هي أول من تحول إلى اعتناق الدين الإسلامي، حين كانت قد تجاوزت 100 عام من عمرها. وقد توفيت هذه الجدة بعد فترة قصيرة من تحولها إلى الدين الإسلامي. وتقول أمينة عن جدتها "لقد غفر الله لها ذنوبها بمجرد أن اعتنقت الإسلام، بينما احتفظت بكل حسناتها. ولم تعش طويلاً بعد اعتناق الإسلام، ولذلك فإنني أعتقد أن ذنوبها قليلة، ويجعلني هذا الأمر في غاية السعادة والسرور". أما الشخص الثاني في التحول إلى الدين الإسلامي، فكان والدها الذي أراد قتلها بعد أن علم بأنها اعتنقت الدين الإسلامي. وهكذا فإنه أعاد إلى الأذهان قصة سيدنا الخليفة العادل، عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن جميع الصحابة. وكان عمر يطارد المسلمين قبل أن يعتنق الديانة الإسلامية. وحين علم في أحد الأيام أن أخته اعتنقت دين الإسلام، استل سيفه بهدف قتلها. ولكن لدى سماعه آيات من القرآن الكريم كانت أخته تتلوها، أدرك أنها على حق، وتوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعلن إسلامه. بعد عامين من اعتناق أمينة الدين الإسلامي، اتصلت بها والدتها، وأخبرتها أنها تقدر دينها الجديد، وقالت إنها ترجو أن تظل على هذا الدين، وبعد عامين آخرين اتصلت بها والدتها مرة أخرى وطلبت منها أن تخبرها كيف يمكن للمرء أن يصبح مسلماً. وردت أمينة في ذلك الحين بأن عليه أن يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وقد اعتنقت والدتها الإسلام بعد عدة استفسارات أجابت عنها أمينة، غير أنها طلبت عدم إخبار زوجها بقصة اعتناقها الدين الإسلامي.
لم تكن أمها تعرف أن زوجها سبق له أن أجرى المحادثة ذاتها مع أمينة قبل ذلك بعدة أسابيع. وهكذا فقد كان الزوجان يعيشان تحت سقف واحد، وهما من المسلمين، دون أن يعرف أحدهما بأمر الآخر. وفي مرحلة لاحقة لذلك تحولت أختها التي كانت تريد أن تحولها إلى مصحة عقلية، واعتنقت الدين الإسلامي. وبدأت هذه الأخت تعتقد أن كون المرء مسلماً هو أسلم شيء، وأحكم تصرف، يقوم به. وقد اعتنق ابن أمينة الإسلام بعد أن بلغ سن الرشد، واتصل بها في سن الحادية والعشرين وأبلغها بأنه يريد أن يتحول إلى الديانة الإسلامية.
أما زوجها، فقد اعتنق الدين الإسلامي بعد 16 عاماً من الطلاق، حيث قال إنه ظل يراقبها لمدة 16 عاماً، وأنه أراد أن تكون ابنته على طريق أمها، وأن تعتنق ديانتها الإسلامية. وقد جاء إلى أمينة، وقدم لها الاعتذارات عما بدر منه تجاهها، وأثبت بذلك أنها على خلق حسن، فسامحته أمينة على كل تصرفاته معها. ربما كانت الجائزة الكبرى لا تزال بانتظارها، حيث تزوجت رجلاً آخر، ومنحها الله طفلاً رائعاً، على الرغم من كل تأكيد الأطباء في السابق على أنها لا يمكن أن ترزق بأطفال أبداً. وتقول أمينة إن الله حين يريد أن يهب شخصاً شيئاً ما، فإن أحداً لا يمكنه منع ذلك. وتضيف: كان إنجابي هذا الطفل نعمة كبرى من رب العالمين، ولذلك أطلقت عليه اسم "بركة".
داعية إسلامية
كانت التضحيات التي قدمتها أمينة في سبيل عقيدتها الراسخة هائلة. ولذلك رزقها الله تعالى عديدا من النعم الكبرى. وقد هجرها أفراد عائلتها بعد إعلان إسلامها، ولكن معظمهم تحولوا إلى الدين الإسلامي على فترات متلاحقة من ذلك. ولقد فقدت أصدقاءها لدى اعتناقها الدين الإسلامي، فأصبحت فيما بعد محاطة بكثير من المحبين، والروّاد، حيث تقاطر عليها الأصدقاء، والمحبون من كل حدب وصوب. وأصبح الناس يتقاطرون عليها، ويستمعون إلى أحاديثها المليئة بالثقة العميقة، والإيمان الصحيح. وأحاطت بها نعم الخالق من كل جانب. وأصبحت أمينة وجهة للمسلمين وغير المسلمين الذين يطلبون منها النصيحة والتوجيه.
لقد خسرت وظيفتها لدى ارتدائها الحجاب. ولكنها أصبحت بعد ذلك رئيسة للاتحاد الدولي للنساء المسلمات، حيث كانت تلقي المحاضرات على نحو مستمر في جميع أرجاء الولايات المتحدة. وكانت منظمتها هذه وراء موافقة الولايات المتحدة على إصدار "طوابع العيد"، وتعميم استخدامها في الرسائل البريدية. ولكن لا يخفى على أحد أن ذلك استهلك جهداً، ووقتاً على مدى فترة زمنية طويلة. كانت ثقة أمينة بمحبة رب العالمين هائلة، وكانت تطلب رحمته على الدوام، ولا تفقد ثقتها بذلك على الإطلاق.
لقد سبق أن تم تشخيصها طبياً بأن لديها حالة متقدمة من السرطان، ولكنها كانت تؤمن برحمة الله، وظلت عند ثقتها بهذه الرحمة حتى حين قال لها الأطباء إنها لن تعيش سوى عدة أشهر. واستذكرت قصة أحد أصدقائها الذي كان يبلغ العشرين من عمره، وكان مصاباً بالسرطان، حيث كان يردد على الدوام أن الله رحمن رحيم، وأنه سوف يعينه على مواجهة ما به. وظل يقول إن الله شاء له أن يدخل الجنة خالياً من الذنوب، وذلك حين مات وهو في العشرين من عمره.
تقول أمينة إن قصة هذا الصديق ساعدتها كثيراً على مواجهة ظروفها الصحية. وعلى الرغم من تلك الظروف الصعبة، فقد حافظت أمينة على نهجها في التنقل عبر الولايات، والمدن الأمريكية، حيث كانت تقدم المحاضرات عن الدين الإسلامي. وكان من بين مشروعاتها إنشاء مركز لدراسة شؤون النساء المسلمات، ليكون بذلك مصدر علم للمسلمات حديثات العهد بالدين الإسلامي، وملجأ ثقافة لأطفال المسلمين. لقد توفيت هذه الداعية الإسلامية المميزة في حادث سيارة في الخامس من آذار (مارس) من العام الحالي خارج مدينة نيوبورت في ولاية تينيسي، وكانت ـــ رحمة الله عليها ـــ في الخامسة والستين من العمر.
ووقع هذا الحادث بينما كانت عائدة برفقة ابنها من إحدى المحاضرات التي ألقتها في مدينة نيويورك .
وأما ابنها الذي أصيب في الحادث ، فقد تم تحويله للعلاج في أحد مستشفيات مدينة نوكسفيل .
رحمها الله تعالى وادخلها الجنان من أي باب شاءت واسكنها الفردوس الأعلى في الجنة ... آمين