لاشك ان المسرح فن عظيم من اقدم وامتع الفنون فى التاريخ وتتلخلص عظمته ومتعنه فى هذا اللقاء المباشر بين الفنان والمتلقى وحيث يعرض نماذج حياتيه فى قالب رواية تمثيلية تراجيديا كانت ام كوميديا جعلت شكسبير يطلق عبارته الخالده ( ما العالم إلا مسرح كبير وقد عُرف هذا الفن فى اليونان وقد اتخذوه كأحد طقوس الحياة عندهم ومنها انتقل الى الرومان ومنها الى اوروبا ثم الى ارجاء البسيطه كلها الى ان اصبح ابا للفنون وظهر مبدعين فى هذا المجال كايسخليوس وسوفوكليس من اليونان وكاسيليوس من روما وبرنارد شو من ايرلنده ووليم شكسبير وتوماس اليوت من انجلترا دعموا هذا الفن بأعمالهم الخالدة .. وقد جائتنى فكرة فى تقديم فكرة اول عمل مسرحى فى القسم ادبى يُقدم لأول مرة فى الأقسام الأدبية ، ولكن ماهى الفكرة التى سنتناولها وتصلح كعمل مسرحى ..؟ حتىجاءت فكرة الـــــ ( الاوتشرك) التى ابتدعها الكاتب مكسيم جوركى فى مسرحيته " الحضيض " والاوتشرك مصطلح يعنى ان الوحدة الدرامية هى المكان فيها تتصاعد الأحداث افقيا بين عدد من الشخصيات على نحو متواز وليس تصاعديا بينهم
الفصل الأول
(( المشهد الأول ))
الثانية والنصف بعد منتصف الليل فى احد القطارات المتجهة للعاصمة ..
( انفتح باب المقدمة لإحدى عربات القطار وقد ظهر منه مفتش التذاكر يحمل فى يد كشاف والأخرى دفتر التذاكر ، وقدا بدت العربه امامه هادئه بين الركاب إلا من طفله فى الخامسه تطل من نافذه القطار وتغنى اغنية ليس لها معنى تجلس بجوار عائلتها ، والدها الذى يقرأ فى جريده ووالدتها نائمه جواره ، وعلى المقعد امامها فتاة تسند رأسها على النافذه ويبدو على ملامحها حزن شديد وشاب يبدو رزينا وحزينا ايضا ، وورائهما يجلس عسكرى بالجيش بزيه الرسمى وهو ينظر لساعه يده كل خمس دقائق ويبدو عليه شئ من القلق ، ورجل دين معمم وبزيه الرسمى يجلس امامه فى وضع قرفصاءمسدل الرأس نوما وعلى الكرسى المجاور تجلس فتاه ترتدى جيب وبلوزه رقيقه الحال تبدو فى عينيها اضطراب ، وامامها رجل فى نهاية الاربعينات يرتدى بذله رمادية وتدل ملامحه انه واقع فى مصيبه ، ومن خلفه يجلس شاب ملمع الهيئه نظراته زائغة بين فتيات القطار ) .
وبصوت مرتفع يوقظ الركاب ينطق مفتش التذاكر
المفتش : تذاكر .. تذاكر ..
محروس ( عسكرى الجيش) : لو سمحت يا افندم ، هو القطار يصل المحطه الساعة كام بالضيط
المفتش : الرابعه والربع وهات تذكرتك اكشف عليها
محروس : (يغمغم ) رينا يستر
المفتش : ( المفتش يوقظ رجل الدين ويحادثه ) .. تذاكر يامولانا
الشيخ سعيد (رجل الدين) : ( وهو يناوله التذكره ) ، هو القطار هذا يطئ ام ماذا ، اشعر انى نمت يوما بأكمله ولم نصل .. اتيقى كثيرا ..؟
المفتش : ( وهو يدير وجه) 00 هانت يامولانا
( المفتش للفتاة رقيقة الحال التى يبدو فى عينيها اضطراب )
المفتش : تذاكر يابنتى
ليلى ( الفتاة المضطربه ) : (بيدين مرتعشتين ) تفضل
( المفتش يخاطب الرجل ذو البدلة الرمادية)
المفتش : تذاكر يا استاذ
توفيق (الرجل ذو البدلة الرمادية) : تفضل
(المفتش يتوجه مخاطيا للفتاة التى تسند على النافذة ويبدو عليها الحزن الشديد )
المفتش : تذاكر يا آنسه
لبنى (الفتاة التى يبدو عليها الحزن الشديد) : امامنا كم من الوقت يا حضرة المفتش (تناوله التذكرة) ..تفضل
المفتش : هانت ( ويسألها عن الشاب الجالس بجانبها الذى كان يبدو حزيناوقدنام )..هل الأخ معكِ
لبنى : لا ..لا اعرفه ( ويوقظه المفتش بيده فيصحو مندهشا)
المفتش : تذاكر يا استاذ
يوسف ( الشاب الحزين) : (يمد يده للمفتش بالتذكره ) .. تفضل
( يتجه المفتش للشاب الملمع الهيئه مخاطبا)
المفتش : تذاكر يا اخ
حامد ( الشاب الملمع ) : ( يحاول ان يلفت انتياه الفتيات وهو يرد بطريقه كلامه المضحكة ) ..انا لولا سيارتى BMW عطلانه ماكنت ركبت القطار البطئ هذا..لكن للظروف احكام يا حضرة المفتش
المفتش : (فى قرف) رينا يخليهالك .. ( يتجه المفتش للعائلة ولكن يُسمع صوت مزعج من فرامل القطار ثم يقف فجأة يترنح على اثرها الركاب ويصرخون )
حامد : ( ياستظراف) ماهذا ياحضرة المفتش وها نحن فينا من هذا ..القطار تعطل ترجعولنا ثمن التذكرة
المفتش : ( ينظر له فى قرف ولايرد عليه )
< ستار >
(( المشهد الثانى ))
(خارج القطار .. مر وقت طويل والقطار معطل فنزل الركاب منه ، البعض جلس فى الهواء من شدة الحر والبعض ذهب يشترى مثلجات ، وتبكى الطفلة تريد ان تشترى حلوى من بقاله صغيره تظهر من بعيد)
هديل (الطفله) : بابا اريد حلوى من هذا البقال
محمد (الأب) : (يصرخ) اخرسى يابنت .. ليس اوان حلوى الأن
كوثر (الأم) : ( توجه كلامها للأب فى قسوة ) ..ما ذنب البنت الايكفى مانحن فيه
(وحامد يتجه للجلوس على الأرض بجوار ليلى يحاول ان يتكلم معها مدعيا انه ثرى فى استظراف ثقيل)
حامد : ياترى الأخت نازله العاصمة شغل ولا فسحه
ليلى : (تقول وهى متعجبه من جرأته ) شغل
حامد : لو محتاجه شغل انا ابن عمى ممكن يعثر لكِ على شغل بمرتب كبير
ليلى : ( غير مصدقه كلامه) ..فعلا ..!! ..ياريت انا محتاجه شغل فعلا
حامد : ( وقد بدا يتباهى بنفسه وبعائلته فى لهجه مضحكة) انتى لو بدك تشتغلى بالمريخ خدامك حامد يأتى لك بهذه الشغله
ليلى : اسمك حامد ؟
حامد : اى نعم .. حامد نعيم حامد .. وارث جديد وبيبحث على بنت الحلال
ليلى : ونزولك العاصمة بخثا عن بنت الحلال
حامد ( يقترب منها اكثروهو يضحك) .. لا ليس بالضبط ولكن هذا من ضمن الاسباب
يعنى منها تغيير جو ومنها بحث برضو ( يضحكان معا يصوت عالى )
( يجلس الاستاذ توفيق بجوار الشيخ سعيد ويتعارفا فيتحدثان فى امور الدنيا ثم يسأله توفيق)
توفيق : بدى اسألك سؤال ياسيدنا الشيخ
الشيخ سعيد : تفضل ياتوفيق
توفيق : اوليس الذنب لو كان للمضطر ان يفعله ان يخفف عقابه مدام هناك سبب انسانى من وراء هذا الذنب
الشيخ سعيد : لا يوجد ذنب بسبب انسانى يا اخ توفيق العمل الصالح معلوم والعمل الطالح معلوم ويقول الله فى كتابه الكريم (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )
توفيق (فى حزن ) : ولكن.. ولكن
الشيخ سعيد : ولكن ماذا يا استاذ توفيق ، ما الامر..؟
(صمت)
( فى قلق محروس يذهب لمفتش التذاكر ويسأله)
محروس : ياحضرة المفتش ابوس ايدك انا لازم اوصل الكتيبه قبل العقيد فاضل قائد الكتيبه مايوصل ، فلا يعرف انى خارج الكتيبه ولو عرف ان جندى خرج بدون اذنه صارت مصيبه على المعسكر كله
المفتش : لاتقلق ، بعتنا اشاره وربك كريم انشا الله حتوصل قبل القائد
محروس : ( وهو يكاد يبكى ) ابعتلهم تانى ارجوك ارجوك هذه مصيبة
المفتش : ( يربت على كتفه ) اهدأ يارجل اهدأ ..
(صمت)
(يخرج من فى العربه جميعا للجلوس فى الهواء الطلق منتظرين ان يتم نصليح العطل عدا يوسف الذى يشاهد الركاب من النافذة وهو صامت لاينطق بكلمة واحده ومن امامه تظهر لبنى التى تجلب مصحف صغير من حقيبتها وتقرأ فيه بصوت غير مسموع )
يوسف : يخاطبها فى ادب) ممكن اطلب منك طلب اذا سمحتِ
لبنى : تنظر له بوجههاالحزين ) نعم ..
يوسف : ممكن المصحف بعد ماتنتهى
لبنى : ( تقدمه له فى ابتسامه صغيره) تفضل..
يوسف : لا لا بعد انتهاءك طبعا ..لا ادرى لماذا جائنى احساس بأن اقرأ سورة يوسف بالذات ، غالبا ما احس بارتياح بعد قراءة هذه السوره
لبنى : ربما العظة التى بها او انها تشبه القصه والانسان بطبعه يحب القصص
يوسف : ربما .. هى فعلا من اجمل القصص فى القرآن حتى ان الايه رقم 2 تقول نحن نقص عليك احسن القصص ...
لبنى : دائما عندما اقرأ هذه السورة اقف عند الاية التى تقول (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ )
يوسف : ولما هذه الايه ..؟
لبنى : احاول تخيل جمال سيدنا يوسف .. اى جمال الذى تقطع نساء ايديهن من النظر اليه !!
يوسف : ليس صعب على خالق الجمال ان يجعل احد انبياءه جميل المنظر ففى حد ذاته هذه اية ومعجزة من معجزات الانبياء كمعجزة النار مع ابراهيم والجن مع سليمان ونطق رضيع مع عيسى .. هذه الخوارق لنواميس الكون تدعم اصحاب الرسالات لهدى قومهم
لبنى : فعلا .. اتدرى اننا محتاجين لمعجزات هذه الايام ... ؟
يوسف : لماذا ..؟
لبنى : هذا الابتعاد عن الدين والاخلاق ومانراه على شواطئ البحر من عرى ومن نشاهده من اسفاف فى النلفاز وما يحدث من تضخم ذوات بعض البشر وكل هذه الانانية والشرور فى العالم نحتاج لمعجزة سلبية
يوسف : سلبية ..!
لبنى : نعم سلبية بمعنى كارثه هائله تجعل البشر يفيق على حقيقة الدنيا كما حدث مع قوم لوط مثلا
يوسف : قوم لوط كانوا فجرة
لبنى : ومن قال لك ان هذه الايام لا يوجد فجرة وربما اكثر من قوم لوط .. الا تقرأ ما يُكتب فى الصحف ..
يوسف : معك حق اخت .. امسموح لى ان اعرف اسمك ..؟
لبنى : لبنــــــــــى وانت ..
يوسف : يوســـــــــــف
(صمت)
( الشيخ سعيد يستمع لتوفيق بانصات والذى يقص عليه حكايته )
توفيق : هذه كل الحكايه ياشيخ سعيد وربنا يعلم انى اعمل امين لخزانه الشركة الدوليه للاستيراد والتصدير من اكثر من 15 سنه لم افكر فيها مره واحده النظر للخزانه
الشيخ سعيد : وماذا جرى يا توفيق بعد الاخلاص والامانه طوال هذه المده
توفيق : مثل ما حكيت لك يا مولانا .. الحاجه!
الشيخ سعيد : الحاجة ليست حجة يا توفيق ، قل ان ايمانك ضعيف وثقتك بالله ليست على ما يرام ، ثم ماذا ستفعل الان وانت تقول ان الجرد على الخزانه اوشك .. اسمع يا توفيق
توفيق : نعم يا مولانا
الشيخ سعيد : لا يوجد سوى حل واحد
(صمت)
( تجلس ليلى على صخرة وهى تنظر للسماء وتتظاهر بعد النجوم المتناثره فى حين يأتى حامد ومعه مثلجات وبعض الحلوى والشيبسى ويجلس معها على نفس الصخره ويناولها زجاجة عصير وبعض من الحلوى )
حامد : الحلو ماذا يفعل
ليلى : ( فى سخريه) الحلو !! .. اعتبر هذا غزل
حامد : ( فى فرح صبيانى ) .. اعتبريه كيف ماتعتبريه .. وهل فى اجمل منك فى القطار كله
ليلى : احفظ ادبك معى لست من البنات التى تذوب من هذا الكلام
حامد ( فى استهبال) انتِ ست البنات كلهم .. انتِ عنب ولوز وكل شئ جميل ، وبدى اعرف كنتِ متأمله فى السماء بشده وكأنك بتكتشفى اكتشاف خطير
ليلى : ابدا .. كنت اعد النجوم ( ثم تضحك ساخره)
حامد : وها تسالى برضو
ليلى : ( وهى تفرد ساقيها امامها ) .. تعد معى
حامد : (يلتصق بها فى خبث ).. اعد واها يعنى ماذا سنفعل فى هذا السكون .. واحد .. اتنين .. تلات .. ( وينشغلوا فى عد النجوم وهو يقترب منها اكثر فأكثر )
(ستار)
انتهى الفصل الاول.......
موضوع: غريبان فى القطــــــــــــــــــــار .......(مسرحية) 
