[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[size=16]قبور الأولياء

لقد اتخذ أكثر الناس قبور الأولياء معبداً يعبدونَها ومزاراً يقدّسونَها ، فينذرون لَها النذور ، ويوقدون لَها الشموع ويبخّرون البخور ، فجعلوها أنداداً لله ، يطوفون حولَها كما يطوف الحاج بالكعبة ، ويقبّلون الأبواب والعتبة ، ويتبرّكون بالجدران والتربة ، ظناً منهم أنّ الأولياء فيها يسكنون ، ولقولِهم يسمعون ، ولطلبهم يستجيبون ، ولم يعلموا أنّها قبور خالية ، ليس فيها غير أجسام بالية ، لا تضرّ من جهة ولا تنفع من ناحية ، وأنّ أعمالهم هذه إشراك وسيّئات متتالية ، وأنّ الله تعالى يغضب على من يسأل حاجته من الأولياء والمشايخ ومِمّن رفعهم إلى جنّاته وأسكنهم في القصور ، ولهم فيها رزق ميسور ، وزوجات من الحور . فزيارة القبور لا فائدة فيها ، والبكاء عليها لا جدوى منه ، وفي ذلك قال الشاعر :

يا صاحبي لا تَبْكِ رَبعاً قد خلا ودَعِ المنازِلَ تشْتكي طولَ البِلى
منْ أين تدري الدَّارُ انكَ عاشقٌ أوْ عنْدها خبرٌ بأَنكَ مُبْتلى


وطلب الحوائج من الأولياء لا طائل منه ، وهو نوعٌ من الإشراك ، وإنّ الله تعالى يغضب على من يسأل حاجته من الأولياء والمشايخ ومن يستعين بِهم ومن ينذر لهم ومن يقدّس قبورهم . فقد قال الله تعالى في سورة فاطر في ذمّ المشركين الذين كانوا يعبدون الملائكة ويعتقدون أنّها بنات الله {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ . إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} ، وإنّما قال تعالى {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ} لأنّهم في السماوات لا يسمعون دعاء من في الأرض ، وقوله {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} لأنّهم لا يملكون من الأمر شيئاً والأمر كلّه لله ، وقوله {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أي يتبرّؤون منكم و ينكرون عليكم عبادتكم لَهم وتقديسكم إيّاهم ، ويقولون لكم : لماذا عبدتمونا ولم تجعلوا عبادتكم خالصةً لله ربّكم ، وهذه الآية تنطبق اليوم فيمن يعبد قبور الأولياء والمشايخ ويقدّسها ويسأل منها حاجته .

وقال تعالى في سورة الأحقاف {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} يعني لو بقي يدعوه إلى يوم القيامة لا يستجيب له ولا يقضي حوائجه لأنّ الأولياء في الجنان غافلون عن دعاء من يدعونَهم لا يسمعونَهم ولا يعلمون بِهم ,

{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} أي ينكرون عليهم ويتبرّؤون منهم ولا يشفعون لهم .

وقال تعالى في سورة الأعراف {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} يعني فليقضوا حوائجكم إن كنتم صادقين بأنّهم يقضون الحوائج ويشفون المرضى ويفتحون عيون العمي .

وقال تعالى في سورة العنكبوت {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ} يعني لا يستطيعون أن يرزقوكم فاطلبوا الرزق من الله وهو يرزقكم .

وقال تعالى في سورة الإسراء {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} يعني لا يتمكّنون من أن يدفعوا عنكم بليّة ولا ينجوكم من قضية .

وقال تعالى في سورة آل عمران {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}

وما أحسن قول الشاعر:

لا تسألنّ بنيّ آدمَ حاجةً وسَلِ الذي أبوابُهُ لا تُغلَقُ


فإن قلتَ أنا أجعلهم واسطة بيني وبين الله وهو يقضي حوائجي ، أقول في جوابك إنّ الأولياء لا يسمعون ليكونوا لك واسطة أو يشفعوا لك شفاعةً لأنّهم صعدوا إلى السماء إلى الجنان وتركوا الأرض ومن فيها ، ولذلك قال تعالى {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ} .

فإن قلتَ إنّهم يعلمون الغيب فيعلمون مقصدي فيسألون الله قضاء حاجتي ، أقول في جوابك : لا يعلم الغيب إلاّ الله تعالى ، فلا نبيّ أو وليّ يعلم الغيب ، والشاهد على ما أقول قول الله تعالى في سورة الأنعام {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} ، وقال تعالى في سورة الأعراف {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، وقال تعالى في سورة هود حاكياً عن قول نوح {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} ، وقال تعالى في سورة النمل مخاطباً رسوله الكريم {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ، وقال تعالى في سورة سبأ في نفي الغيب عن الجنّ {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} ، وقال تعالى في سورة الأنعام {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} .

وهنا خطرت ببالي حادثة وقعت لي في زمن طفولتي وكان عمري حينئذٍ خمس سنين ، فسافرت والدتي من كربلاء إلى بغداد لزيارة أهلها بعد أن استأذنتْ من والدي وأخذتني معها ، ثمّ ذهبتْ إلى الكاظم للزيارة وأخذتني معها ، ولَمّا وصلنا الكاظمية اشترت لي شمعة برافين وأوقدتها وأخذتُها بيدي وأنا فرِح بِها ، ولَمّا وصلنا صحن الكاظم أخذها منّي بعض الخدم فأغاظني إذ سلبني شمعتي التي كنت مسروراً بِها ، ولَمّا دخلنا الرواق سألتُ والدتي : أين الكاظم الذي جئنا لأجله زائرين ؟

قالت : "هو داخل هذا الشبّاك. " فأمعنت النظر فيه فلم أرَ أحداً داخل الشبّاك ،

فقلتُ لَها : "ليس داخل الشبّاك أحد ."

فقالت : "هو في القبر الذي داخل الشبّاك ."

فقلتُ : "إذاً هو ميّت ، فكيف تخاطبين الميّت وتسألين منه حاجتك وتطلبين منه أن يبقيني حياً لا أموت ؟"

فقالت : "هو حيّ يسمع كلامي ويفهم مرامي ."

قلتُ : "إذاً لماذا حبسوه في هذا القفص الفضّي فما كان ذنبه ؟"

قالت : "هذا مرقده وليس حبساً ."

فلم أفهم حينئذٍ جوابَها ، فمرّةً تقول هو حيّ وهذا مرقده ، ومرةً تقول ميّت وهذا قبره .

فإن شئت قضاء حاجتك فاذهب إلى بيتٍ من بيوت الله ، وهي المساجد والجوامع ، وصلِّ ركعتين لوجه الله واسأل حاجتك من الله وهو القادر على قضائها ، فقد قال تعالى في سورة النور {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} ، وقال تعالى في سورة البقرة {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ، وقال تعالى في سورة غافر{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، وقال تعالى في سورة الزمر {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ، وقال تعالى في سورة النمل {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} .



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
منقول [/size]